في محاولة جديدة لتنسيق جهود الوساطات وتوحيد مبادرات وقف حرب السودان، أنهت الأطراف الإقليمية والدولية من أصحاب المبادرات اجتماعاً تشاورياً في العاصمة الموريتانية نواكشوط، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، بمشاركة المبعوث الأممي رمطان لعمامرة، مشددة على ضرورة العمل عبر آليات فعّالة لضمان التكامل وتجنب تكرار المبادرات من أجل مساعدة السودان على تجاوز أزمته الراهنة. فهل يمكن أن تفضي جهود تنسيق المساعي والوساطات إلى رؤية موحدة بشأن إقرار منبر تفاوضي موحد يمثل مدخلاً للحل ويفتح أفقاً جديداً لوقف الحرب في السودان؟
قلق دولي
عبّر الاجتماع التشاوري الثالث لأطراف الوساطة الدولية لتنسيق مبادرات وجهود إحلال السلام في السودان مطلع الأسبوع الحالي، عن القلق البالغ إزاء استمرار القتال في السودان، وما يترتب عليه من تأثيرات مدمرة على الشعب السوداني في مقدمها تفاقم الوضع الإنساني الكارثي أصلاً، وأزمة الغذاء، ووجود ما يزيد على 11 مليون نازح وثلاثة ملايين لاجئ ومشرد.
أكد المجتمعون على الحاجة الملحة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في السودان سعياً لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وحثوا الأطراف المتحاربة على احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وتعهداتها بموجب إعلان جدة، وجددوا عزمهم على تعزيز التنسيق وتكثيف الجهود بما يضمن تكامل مختلف المبادرات الرامية إلى إنهاء الحرب في السودان واستئناف عملية سياسية بشكل يشمل الجميع.
واستعرض الاجتماع الذي ضم ممثلين رفيعين من السعودية والبحرين ومصر والولايات المتحدة الأميركية وجيبوتي، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي ومجموعة (إيغاد)، والاتحاد الأوروبي، آخر تطورات الأوضاع والحلول الممكنة للأزمة السودانية على الصعيدين الإنساني والسياسي.
تنسيق وتفعيل
شدد البيان الختامي للاجتماع على أهمية التنسيق الاستراتيجي المتعلق بتفعيل مبادرات المساعي الحميدة والوساطة والسلام التي تستهدف معالجة النزاع في السودان وآفاقه، مع ضمان تكامل هذه المبادرات بما يسهم في تحقيق نتائج متعاضدة.
وذكَّر البيان بقرار مجلس الأمن رقم (2736) في يونيو (حزيران) الماضي، الذي يدين بشدة أعمال العنف في السودان وجميع انتهاكات حقوق الإنسان، كما يدين تدمير البنى التحتية المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس، والاستيلاء على المباني والمنازل المدنية وتشريد أصحابها بصورة قسرية، مؤمناً على مقررات اللقاءات السابقة التي تمت تحت مظلة جامعة الدول العربية في القاهرة، وفي العاصمة جيبوتي رئيس الدورة الحالية لمنظمة (إيغاد)، بشأن تعزيز تنسيق مبادرات وجهود السلام في السودان.
تحركات أممية
وبحث المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الاتحاد الأفريقي، على هامش الاجتماعات، أهمية تعزيز التعاون والتنسيق الإقليمي والدولي لإيجاد حل دائم للأزمة السودانية.
وفي إطار استكمال المشاورات حول الوضع في السودان أكد لعمامرة لدى لقائه عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للجيش، الفريق إبراهيم جابر، أن الأمم المتحدة ستقوم بخطوات أكبر بشأن دعم جهود حل الأزمة السودانية.
والتقى لعمامرة، خلال زيارته إلى بورتسودان السبت 21 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وزير الخارجية السوداني، السفير علي يوسف الشريف، واستمع منه إلى شرح حول تطورات الأحداث والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات ضد المدنيين العزل.
أكد الوزير تعاون الحكومة بالعمل المشترك مع الأمم المتحدة، مشدداً على أن أي عملية للحل السلمي يجب أن تبنى على أساس تنفيذ اتفاق جدة الموقع في الـ11 من مايو (أيار) العام الماضي.
المدنيون والأسلحة
اتفق الجانبان بحسب لعمامرة، على استمرار التنسيق والتشاور البناء، لافتاً إلى أن زيارته للسودان تجيء بعد جولات إقليمية عدة بغرض الوصول إلى حل سلمي للحرب الدائرة في السودان.
على الصعيد ذاته، قال المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيريليو، إنه أكد للشركاء متعددي الأطراف في اجتماع نواكشوط، على أهمية حماية المدنيين ووقف تدفق الأسلحة إلى السودان، للإسهام في تحقيق السلام.
أوضح بيريليو في تدوينة على منصة “إكس” أنه بحث مع أطراف الاجتماع وشركاء ثنائيين رئيسيين آخرين، ضرورة تنسيق الجهود لإعادة السلام إلى السودان.
وفي السياق يرى مبارك الفاضل المهدي، رئيس “حزب الأمة” وتحالف التراضي الوطني، أن طريق توحيد المبادرات بدأ منذ تكوين مجموعة الألب وجولة مفاوضات سويسرا الأخيرة، وأن اجتماع نواكشوط التنسيقي عمل على تجويد العمل المشترك.
تكثيف الضغوط
وأوضح المهدي أن الاجتماع التنسيقي هدف بشكل أساسي إلى تكثيف الضغوط والاتفاق على سيناريوهات وخريطة طريق، وبعث رسالة إقليمية ودولية موحدة إلى قيادة الجيش إزاء رفضها وقف الحرب سعياً وراء إحراز تقدم عسكري ميداني.
على نحو متصل يوضح بكري الجاك، المتحدث باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) أن التنسيق بين المبادرات بشكل عام يبدو أمراً جيداً ظلت التنسيقية من المطالبين به منذ وقت طويل، غير أنه من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير ذلك في تحقيق وقف إطلاق النار.
يرى الجاك أهمية أن تصب المبادرات مع تعددها في مدخل واحد من أجل معالجة سياسية للأزمة السودانية تبدأ بوقف إطلاق النار ومخاطبة الأزمة الإنسانية، وهو ما بدأ المجتمع الدولي يعيه ويلتفت إليه أخيراً، لافتاً إلى وجود مؤشرات على موافقة الجيش للجلوس مجدداً إلى طاولة التفاوض.
توقع متحدث “تقدم” أن تحدث الجهود الدولية اختراقاً في حال توحد الإرادة السودانية بوجود طريق ثالث غير الحسم العسكري بانتصار طرف على الآخر، باعتبار أن السلام أمر يخص السودانيين وبإمكانهم الوصول إليه من دون وساطة إذا اقتنعوا هم بذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدوافع والمنطلقات
على الصعيد نفسه يرى أستاذ العلاقات الدولية، عبدالمجيد النعيم، أن تداخل وتقاطع المساعي والجهود الإقليمية والدولية وتباين دوافعها ومنطلقاتها شكلت أحد العوائق الكبيرة أمام وقف الحرب وتسببت في إطالة أمدها، مطالباً بضرورة دراسة أسباب فشل كل الجهود والوساطات، وهل هي مرتبطة بمواقف أطرافها أم ضعف نفوذها أم في طريقة تعاطي أطراف الأزمة معها؟
طالب النعيم بضرورة العمل على تنقية المبادرات من شبهات ونوايا المصالح والمحاور والاستهداء بالمبادئ والسوابق الدولية وتجارب الحلول السلمية للنزاعات المشابهة، لافتاً إلى أهمية بلورة رؤية محايدة تركز على المفاتيح الأساسية للأزمة ووقف إطلاق النار ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور، تلزم الطرفين بالامتثال لمبدأ الحل السلمي المقر دولياً والاستجابة للقرارات الأممية.
يتابع “بدأت المواقف الدولية في الآونة الأخيرة تشهد تحولاً ملموساً نحو تبني خطاب مطالب بضرورة الحفاظ على الدولة السودانية، بجانب تطور ملحوظ في تلك المواقف بشأن التأكيد على تنفيذ مخرجات منبر جدة في مايو العام الماضي، ما يعتبر مؤشراً على إمكانية اعتمادها أساساً لكل مبادرات وقف الحرب، مع ضرورة الضغط على أطراف النزاع للعودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات”.
رسائل أميركية
يلفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن الرسائل الحادة التي حملها خطاب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لدى رئاسته جلسة المجلس الأخيرة الخميس الماضي، تضع المزيد من الضغوط على عاتق الطرفين المتحاربين، وكذلك الدول التي تقدم الدعم اللوجيستي والعسكري للأطراف المتحاربة في السودان أو المستفيدة عموماً من استمرار الحرب، ما سيسهم بدوره في تقصير أمد الصراع ويمهد لإمكانية نجاح جهود الوساطة والمبادرات.
من زاوية أخرى، توقع أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، معاوية محجوب، أن يشكل منبر جدة التفاوضي النقطة المستقبلية التي ستلتقي عندها كل مبادرات ومساعي وقف الحرب بالسودان، بخاصة أنه يتمتع بثقل دولي وإقليمي كبير بجانب النجاحات المبكرة التي حققها منذ أسابيع الحرب الأولى بالجمع بين الفرقاء من الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” وتوقيعهما على التزامات ما زالت معلقة.
المعركة التالية
يرجح محجوب احتمال عودة الطرفين إلى التفاوض بموافقة الجيش ورضوخ قوات “الدعم السريع” لتنفيذ مخرجات إعلان جدة خلال الفترة المقبلة، وذلك على خلفية التحولات الميدانية في مسرح العمليات الحربية، لكن ستظل المعضلة القائمة والمعركة التالية تكمن في تفاصيل العملية السياسية التي ستعقب الحرب وترسم ملامح الفترة الانتقالية، بسبب التشظي الحاد والعداء المستفحل بين القوى السياسية السودانية من جانب ومقاومة تيار الإسلاميين لعودة المسار المدني الديمقراطي المطروح من الجانب الآخر.
يلاحظ الأكاديمي تزامن انتعاش التحركات الإقليمية والدولية الأخيرة لوقف الحرب مع التصعيد الكبير في العمليات القتالية، فعلى رغم التقدم الذي تحرزه قوات الجيش في محاور عسكرية هامة عدة بالعاصمة وفي الوسط ودارفور، لكن ثمن ذلك المزيد من موجات النزوح وتعميق الأزمة الإنسانية المتواصلة باستمرار الحرب، فضلاً عن تفاقم الخسائر وسط المدنيين نتيجة التصعيد المقابل من قوات “الدعم السريع” بخاصة في مدينتي الفاشر وأم درمان.
وبناء على كل ذلك وفق محجوب، “بدا واضحاً في جلسة مجلس الأمن الأخيرة التفات المجتمع الدولي لضرورة مساعدة السودان في تخطي هذه المحنة الدامية، وإطلاق مرحلة جديدة بجيش وطني موحد بعيداً من وجود أي قوات أخرى موازية خارج إطاره كمؤسسة عسكرية شرعية بالبلاد، وهو ما يعكس كذلك بدء انحسار التعاطف الدولي والإقليمي مع قوات ‘الدعم السريع‘ بسبب الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين”.
تعدد وإخفاق
ومنذ الأسابيع الأولى لنشوب الحرب لم تتوقف المبادرات والوساطات الإقليمية والدولية، لكنها مع تعددها أخفقت في وقف الحرب المستمرة لأكثر من 20 شهراً حتى الآن.
أبرز تلك المساعي والجهود كان منبر جدة التفاوضي بتسهيل ووساطة سعودية- أميركية مشتركة، ومبادرة منظمة “إيغاد” والاتحاد الأفريقي واللجنة الرباعية التي ضمت كل من كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا وجيبوتي، ثم مؤتمر قادة دول جوار السودان الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة في 13 يوليو (تموز) الماضي، بجانب مساع ومبادرات أخرى من الجامعة العربية وتنسيقية “تقدم”، ثم مفاوضات البحرين السرية وصولاً إلى الوساطة الليبية- التركية (الأحدث) لمفاوضات غير مباشرة بين الجانبين.
وشكل منبر جدة، المبادرة الأكثر فاعلية بجمع الطرفين إلى مائدة المفاوضات والوصول إلى اتفاق مبدئي بشأن القضايا الإنسانية وتخفيف المظاهر العسكرية في 11 مايو (أيار) الماضي، لكنها علقت مرتين إثر انسحاب وفد الجيش احتجاجاً على عدم التزام “الدعم السريع” بالانسحاب من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، وما زالت معلقة منذ آخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حتى اليوم.
وبدأت الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، في العاصمة الخرطوم لكنها سرعان ما تمددت إلى إقليمي دارفور وكردفان غرب السودان فضلاً عن ولايات الجزيرة وسنار وسط البلاد، مخلفة ما يزيد على 14 ألف قتيل وأكثر من 11 مليون نازح ولاجئ، ودمار هائل في البنية التحتية للبلاد التي بات أكثر من نصف سكانها على أعتاب المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية