في الوقت الذي تشكو فيه تونس من عجز طاقي فادح أثر بصورة كبيرة على عجز ميزانها الجاري، تقر حكومة كمال المدوري إجراءات جديدة ترمي إلى تخفيض فواتير وتعريفات الكهرباء لأكثر من 90 في المئة من مشتركي شركة الكهرباء التونسية الحكومية التي تعد زهاء 4.7 مليون مشترك.

ومن المنتظر بداية من عام 2025 التخفيض في الأداءات على الاستهلاك المنزلي للكهرباء والغاز الطبيعي من 13 إلى 7 في المئة للعائلات التونسية التي لا يتجاوز استهلاكها الشهري من الكهرباء والغاز 300 كيلواط/ ساعة في الشهر، وأقرت خفضاً في فاتورة الكهرباء والغاز يصل إلى 5 في المئة لفائدة 93 في المئة من المشتركين في شبكة الكهرباء.

جاء في قانون المالية للعام المقبل في توضيح لهذا الإجراء أنه في إطار مساندة الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والمتوسط التي تمثل نحو 93 في المئة من العدد الإجمالي للمشتركين في شبكة الكهرباء، وبهدف تحسين القدرة الشرائية لهذه الفئات والتخفيف من كلفة الاستهلاك المنزلي للكهرباء، يقترح التخفيض في نسبة الأداء على القيمة المضافة من 13 إلى 7 في المئة، وذلك بالنسبة إلى المستهلكين من الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والمتوسط الذين لا يتجاوز استهلاكهم الشهري 300 كيلواط/ ساعة، وهو ما من شأنه أن يخفض بنسبة تناهز 5 في المئة في سعر الكهرباء المستهلكة.

جهود محمودة

وتعليقاً على هذا الإجراء قال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي إن منح الأسر التونسية خفضاً في كلفة الكهرباء مهم جداً في ظل اهتراء المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار الطاقة بما يساعد على مجابهة المصاريف المتزايدة، لا سيما في فصل الصيف عند لجوء عموم التونسيين إلى مكيفات التبريد ساعات طويلة من اليوم.

ويرى خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن إقرار الحكومة مراجعة الأداءات على الكهرباء والغاز من شأنه أن يخفض من كلفة الاستهلاك بدرجة مقبولة، مطالباً في الآن نفسه بوجوب انتظام عملاء شركة الكهرباء والغاز في مختلف برامج التحكم في الطاقة التي أطلقتها البلاد في السنوات الأخيرة. ولفت إلى هذه الإجراءات الجديدة المعلن عنها في قانون المالية عام 2025 تندرج ضمن التوجه الاجتماعي للدولة ومراعاة ظروف الأسر التونسية، وأبرز في هذا الصدد، رصد اعتمادات مالية وتشجيعات مهمة لعموم التونسيين بضرورة اعتماد الطاقة الشمسية من خلال تركيز اللاقطات الشمسية على أسطح المنازل التي تخفض بصورة مهمة في كلفة الكهرباء.

ارتفاع العجز الطاقي

قبل بداية تطبيق قرار تخفيض كلفة استهلاك الكهرباء والغاز على الأسر التونسية، فإن العجز الطاقي لتونس صار لافتاً للانتباه، إذ ارتفع عجز الميزان التجاري الطاقي لتونس مع أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 17 في المئة ليبلغ قرابة 9 مليار دينار (2.9 مليار دولار) مقابل 7.7 مليار دينار (2.4 مليار دولار) سجلها في أواخر أكتوبر 2023.

وأظهرت بيانات لوزارة الصناعة والطاقة التونسية أن نسبة تغطية الواردات للصادرات لم تتجاوز 24 في المئة مع أواخر أكتوبر الماضي، وانخفضت قيمة صادرات الطاقة، نهاية أكتوبر الماضي بنسبة 9 في المئة مرفوقة بارتفاع في الواردات بنسبة 9 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، خصوصاً على مستوى واردات النفط الخام.

وتوجد في تونس إلى حدود أكتوبر الماضي 16 رخصة بحث واستكشاف سارية المفعول و56 امتياز استغلال منها 44 في طور الإنتاج.

إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية

يقول المتخصص في الشأن الطاقي غازي بن جميع إن الخفض في الأداء على القيمة المضافة لأثمان الكهرباء والغاز لن يؤثر في الوضعية المالية لشركة الكهرباء التونسية، بل سيؤثر في موازنة الدولة.

وأفاد في تصريح إلى “اندبندنت عربية” بأنه بقدر ما سينتفع المواطن نسبياً بهذا الإجراء، لكن الإشكال الحقيقي من وجهة نظره يظل في الدعم المالي الكبير الموجه من موازنة الدولة للغاز الطبيعي إلى شركة الكهرباء الحكومية التي تسجل خسائر مالية فادحة في موازنتها. وأشار إلى أن الخفض في كلفة استهلاك الكهرباء في تونس ليس له من خلاص إلا عبر المراهنة الفعلية والحقيقية على الطاقات المتجددة واستغلال الطاقات التي تزخر بها من نسب إشعاع على مدار السنة الكاملة. وانتقد التأخر اللافت في تنفيذ برامج التحكم في الطاقة، ولا سيما تركيز المحطات الشمسية، مستبعداً إمكانية بلوغ تونس نسبة 35 في المئة من إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية.

كانت هذه النسبة بلغت 5.6 في المئة فقط إلى أواخر يونيو (حزيران) الماضي، وفق تصريحات كاتب الدولة للانتقال الطاقي وائل شوشان.

انخفاض إنتاج النفط الخام

سجل ناتج تونس من النفط الخام إلى أواخر أكتوبر الماضي، تراجعاً بنسبة 14 في المئة ليصل إلى 1.2 مليون طن مكافئ نفط بعدما كان في حدود 1.3 مليون طن مكافئ نفط خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وبلغ إنتاج سوائل الغاز نحو 120 ألف طن مكافئ نفط، إلى أكتوبر الماضي، مقابل 131 ألف طن مكافئ نفط خلال الفترة نفسها من عام 2023، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 9 في المئة.

وجابه قطاع استكشاف وإنتاج وتطوير المحروقات تحديات مهمة منذ سنوات، من بينها تذبذب سعر النفط في السوق العالمية والتداعيات الصحية لفيروس “كوفيد-19” والحرب الروسية – الأوكرانية والتحركات الاجتماعية والتراجع الطبيعي للإنتاج في غالب الحقول.

توظيف تراجع كلفة الطاقات المتجددة

وقال غازي بن جميع إن أسعار إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة تعد حالياً أقل من أسعار النفط والغاز، وإنه يتعين على تونس حسن توظيف هذا العنصر للتسريع في تركيز المحطات الشمسية في كامل أنحاء البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودعا المتخصص في الشأن الطاقي السلطات التونسية إلى وجوب تشجيع برامج إنتاج الكهرباء للاستهلاك الذاتي في المنازل والشركات الحكومية والمؤسسات الصناعية الخاصة لغرض تقليص فاتورة توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، الذي له كلفة باهظة وتداعيات سلبية على موازنة الدعم.

واقترح غازي بن جميع إعفاء التجهيزات ذات العلاقة باللاقطات الشمسية والمواد الأولية المستخدمة في مشاريع العزل الحراري من الأداءات الجمركية، والتي قال إن كلفة تجهيز سطح منزل وعزله حرارياً تصل إلى 30 ألف دينار (10 آلاف دولار).

4 ملايين فانوس مقتصد للطاقة مجاناً

بالتوازي مع قرار خفض فواتير الكهرباء والغاز على الأسر المنتظر سريانه في بداية العام المقبل، فإن الحكومة وعبر وكالة التحكم في الطاقة شرعت منذ أكتوبر من هذا العام في توزيع 4 ملايين فانوس مقتصد للطاقة على الأسر مجاناً في خطوة منها لإحكام فاتورة الطاقة والخفض من كلفة استهلاك الكهرباء.

ويلفت المسؤول بوكالة التحكم في الطاقة عبدالقادر البكوش إلى رصد مبلغاً بقيمة 40.5 مليون دينار (13 مليون دولار) من أجل الشروع في تنفيذ برنامج وطني يتعلق بتوزيع 4 ملايين فانوس مقتصد للطاقة بصفة مجانية على العائلات محدودة الدخل، والتي يكون استهلاكها للكهرباء ضعيفاً، إذ من المنتظر أن يشمل البرنامج 1.2 مليون عائلة تونسية.

ويتمثل هذا البرنامج بحسب المسؤول في استبدال 4 ملايين فانوس متوهج (الفوانيس الكلاسيكية) بفوانيس مقتصدة للطاقة من خلال توزيعها على العائلات المنتظمة في القسط اﻻقتصادي في شبكة الكهرباء والغاز، بواقع 3 فوانيس لكل عائلة، وجمع ومعالجة الفوانيس التي سيجري استبدالها.

ويقصد بالعائلات المنتظمة في القسط اﻻقتصادي تلك العائلات التي ﻻ يتجاوز استهلاكها 200 كيلواط/ ساعة من الكهرباء في الشهر.

وتحددت مدة إنجاز البرنامج بأربع سنوات بداية من أكتوبر الماضي إلى أكتوبر 2028 بحسب ما يضيف المتحدث.

ومن المنتظر عند تركيز 4 ملايين فانوس مقتصد للطاقة اقتصاد 264 غيغاواط/ ساعة من الكهرباء ما يعادل اقتصاد 57 ألف طن مكافئ نفط علاوة على التقليص من كلفة دعم الكيلوواط واحد من الكهرباء بنسبة تصل إلى 80 في المئة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية