يعد الزمن القضائي في تونس معضلة تؤثر على مسار العدالة داخل أسوار المحاكم التونسية، إذ يرى الأغلبية أن اكتظاظ المحاكم في المدن الكبرى ونقص الموارد المالية والبشرية يشكل سبباً مباشراً في طول الزمن القضائي. في المقابل، يرى آخرون أن دعوة رئيس الجمهورية لتقليص الزمن القضائي هي بالأساس دعوة سياسية تهدف إلى طمأنة الرأي الداخلي والخارجي.

وشدد الرئيس التونسي قيس سعيد خلال استقباله بقصر قرطاج وزيرة العدل ليلى جفال قبل أيام على الإسراع في البت في القضايا المنشورة أمام المحاكم.

ونقل بلاغ لرئاسة الجمهورية عن سعيد قوله إن “الإجراءات ليست هدفاً في حد ذاتها بل هي وسائل حتى يأخذ كل ذي حق حقه وفق القانون الذي يتساوى أمامه جميع المتقاضين”.

كما أكد على أن “الشعب التونسي ينشد العدالة ويريد معرفة الحقائق كاملة والمحاسبة العادلة. فالتأجيل الذي يتلوه تأجيل في بعض القضايا المنشورة منذ أكثر من عقد يتحول إلى نوع من نكران للعدالة، وميزان العدل هو أهم ميزان في الحياة الدنيا وأمام من رفع السماء ووضع الميزان”.

وشدد الرئيس التونسي، خلال استقباله وزيرة العدل ليلى جفال بقصر قرطاج قبل أيام، على ضرورة الإسراع في البت في القضايا المنشورة أمام المحاكم.

ونقل بيان لرئاسة الجمهورية عن رئيس الدولة قوله: “الإجراءات ليست هدفاً في حد ذاتها، بل هي وسائل حتى يأخذ كل ذي حق حقه وفق القانون الذي يتساوى أمامه جميع المتقاضين”.

كما أكد أن “الشعب التونسي ينشد العدالة ويريد معرفة الحقائق كاملة والمحاسبة العادلة. فالتأجيل الذي يتلوه تأجيل في بعض القضايا المنشورة منذ أكثر من عقد يتحول إلى نوع من نكران العدالة، وميزان العدل هو أهم ميزان في الحياة الدنيا وأمام من رفع السماء ووضع الميزان”.

نقص الموارد البشرية والمادية

يقصد بالزمن القضائي الأمد الذي تستغرقه الخصومة القضائية، والذي يمتد من تاريخ تسجيلها في السجلات الرسمية للمحكمة حتى البت في الحكم النهائي.

في هذا الصدد، يقول القاضي عمر الوسلاتي في تصريح خاص: “القضاة غير مسؤولين عن تأخير البت في القضايا، والسبب الرئيسي لطول الزمن القضائي هو اكتظاظ المحاكم التي تنظر سنوياً في نحو 4 ملايين قضية في كافة الاختصاصات تقريباً”. ويرى أن نقص الموارد البشرية والمادية يؤثر مباشرة على سير العدالة والبت في القضايا.

وأكد الوسلاتي على ضرورة تعيين مساعدين للقضاة، مقترحاً في هذا السياق تشريك الباحثين في القانون من الجامعات التونسية، أولاً لاكتساب الخبرة داخل المحاكم، وثانياً للاستفادة منهم كمساعدين”.

وأضاف أن “ما يعطل الفصل في القضايا، خاصة المدنية، هو التقاضي على درجتين، رغم أنه حق دستوري. إلا أن هذا الإجراء أدى إلى البطء في الفصل”، موضحاً: “هناك أنواع من القضايا التي لا تتطلب التقاضي على درجتين، مثل قضايا الاعتراف بالدَّين، إذ يمكن فيها التنبيه على المدين ثم التنفيذ مباشرة”.

وأشار إلى أن من القضايا الأخرى التي يمكن تقليص زمنها القضائي القضايا المتعلقة بعدم احترام الجوار، وقضايا الطلاق بالتراضي بين زوجين ليس لديهما أطفال، متسائلاً: “لماذا لا تكون هذه القضايا أمام البلدية؟”. وأضاف: “نفس الشيء بالنسبة لقضايا البناء من دون رخصة، فلماذا لا يتم التنفيذ مباشرة من دون التوجه إلى المحكمة؟ وغير ذلك من القضايا التي يمكن البت فيها من دون تعطيل”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المنظومة الإلكترونية

ويقول الوسلاتي: “نحن أمام منظومة قضاء بطيئة وغير منسجمة مع الواقع الحالي، والتطور التكنولوجي، وتطور عدد السكان. إلى جانب مشاكل أخرى هيكلية ذاتية تتعلق أساساً بطبيعة المنظومة القضائية التي لا تستجيب لتطور الواقع أو لتطور القوانين التي من الضروري تغييرها”.

ويرى أن “نظام الاستدعاء للمحاكم يعطل الإجراءات”، داعياً إلى تغيير المنظومة القضائية الحالية إلى المنظومة الإلكترونية باعتماد المراسلات والاستدعاءات الإلكترونية، مع ضرورة إحداث محاكم جديدة خاصة في المدن الكبرى. فضلاً عن مشاكل أخرى هيكلية وتنظيمية، تؤدي بالأساس إلى تراكم القضايا. ومن بين الحلول لمشكلة طول التقاضي، يرى الوسلاتي أنه يجب أن تتمتع المحاكم باستقلالية مالية وإدارية.

وبخصوص تأثير طول التقاضي، يقول الوسلاتي إنه لا يؤثر على المتقاضي فقط، بل يؤثر أيضاً على الدورة الاقتصادية، فكل ملف يحمل تكلفة على المالية العمومية، وهو ما يؤدي إلى خلل بالدورة الاقتصادية وركود الاقتصاد، لأن هناك أموالاً كبيرة مرتبطة بقضايا في المحاكم.

كما اعتبر أن تركيز محكمة تجارية تهتم بالقضايا الاقتصادية وتسيير الشركات سيؤدي إلى تطوير الاستثمار، ويشعر المستثمر بأن هناك قضاءً ناجزاً وسريعاً، وسيولد ذلك لديه شعوراً بالأمان القانوني والقضائي. كما أكد على أهمية رقمنة العدالة.

وفي إطار الحرص على حسن تطبيق القانون، تُعلم وزارة العدل عبر بلاغ صدر عنها بأنها تعمل على تقليص الزمن القضائي، وتدعو القضاة إلى مضاعفة الجهد من أجل مكافحة الجرائم الإرهابية والاعتداء على الاقتصاد الوطني، كجرائم الفساد الإداري والمالي، وجرائم المضاربة غير المشروعة، والتهريب، والاحتكار، وتتبع مرتكبي هذه الجرائم بالنجاعة والسرعة المطلوبتين.

وتُشدد الوزارة على الحرص التام على تتبع كل شخص أو جهة تسعى لتهديد أي إطار قضائي وأنها ستتصدى وبالآليات القانونية لكل محاولة للنيل منهم وملاحقتهم سواء داخل البلاد أو خارجها.

تحقيق عدالة شاملة 

واعتبر البعض، خاصة معارضو الرئيس، أن اللقاء الذي جمع قيس سعيد بوزيرة العدل يظهر مجدداً مواصلة سعيد استغلال الخطاب حول “الزمن القضائي” والعدالة في خدمة أجندته السياسية. وذلك من خلال التركيز على قضايا الاغتيالات ونهب مقدرات الدولة، معتبرين أنه يخفي استهدافاً لخصومه السياسيين وتشويهاً للمعارضة بدلاً من السعي لتحقيق عدالة شاملة.

في هذا السياق، يرى الكاتب الصحفي وسام حمدي أن لقاء الرئيس بوزيرة العدل والتأكيد على ضرورة التقليص من الزمن القضائي “هو اعتراف ضمني من الرئيس بأن الوضع غير مطمئن في وزارة العدل، خاصة في ما يخص قضية التآمر على أمن الدولة”، موضحاً: “قيس سعيد وجد نفسه محرجاً أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، خاصة أن بعض القضايا تجاوزت الزمن القضائي فيما يتعلق بالإيقافات التي تعدت الفترة القانونية من دون البت في الأحكام النهائية”. 

ويواصل حمدي قائلاً: “نعيش في أصعب فترة من زمن تونس، حيث يُمَسُّ بالسلطة القضائية، والرئيس يحاول أن يُظهر للناس أنه يواكب عن كثب هذه القضايا، وخاصة السياسية”، مضيفاً: “لاحظنا خلال هذه الفترة تدخل السلطة التنفيذية في العديد من القضايا من خلال تحكم وزارة العدل في مفاصل السلطة القضائية، وذلك من خلال المحاكمات السياسية المتتالية”.

كما يعتقد أن “تشديد قيس سعيد على تكريس مبدأ المحاكمة العادلة واحترام الزمن القضائي هو فقط لطمأنة أنصاره، مثل حديثه عن الوحدة الوطنية، فهو يقصد وحدتهم أثناء الصراعات القائمة بينهم”. لكن حمدي يعتقد أن “سعيد اليوم أمام فرصة تاريخية لكي تعود المحاكم إلى وضعها الطبيعي، وأن يكون القضاء مستقلاً، وأن لا يكون قضاء قائماً على التعليمات”.

وبحسب القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، تمت إحالة 52 متهماً في الملف المعروف إعلامياً بملف “التآمر على أمن الدولة”، وقد تم توجيه تُهم ضد 40 منهم، في حين تم حفظ القضية في حق 12 آخرين. ودامت التحقيقات في هذا الملف منذ أن سيطر قيس سعيد على مفاصل الدولة في يوليو (تموز) 2021.

نقلاً عن : اندبندنت عربية