الأسواق تركز دائماً على المستقبل. وسيكون من الحكمة أن يدرك كير ستارمر ووزيرة الخزانة ريتشل ريفز هذا الأمر جيداً.

حالياً، لدينا رئيس وزراء لا يتوقف عن تذكيرنا بأن ليز تراس دمرت الاقتصاد. وعندما لا يفعل ذلك، يبرر مع وزير خزانته القرارات الصعبة التي يتخذانها بالإشارة إلى فجوة مالية بقيمة 22 مليار جنيه استرليني (26,726,599,020 مليار دولار) ورثوها عن حكومة “المحافظين”. وبينما ينشغلون بهذه المبررات، يواصل المستثمرون الدوليون فقدان الثقة في مستقبل بريطانيا الاقتصادي.

ريفز قامت بزيارة لبكين لتعزيز العلاقات التجارية مع الصين. سيكون من المثير للاهتمام معرفة كيف سيتجاوب الصينيون مع أية محاولة للحديث عن الماضي. نحن في حاجة إلى استثماراتهم الآن، من أجل المستقبل، وهم غير مهتمين بما حدث سابقاً أو بمن كان وراؤه. انتهى الأمر. وبالمثل، ستشارك ريفز وستارمر قريباً في مؤتمر دافوس للقاء قادة العالم وبناء علاقات جديدة. ولكن إعادة التذكير بالماضي لن تسفر إلا عن ملل الحاضرين، لا عن وعود بالاستثمارات أو عقد اجتماعات مستقبلية.

نحن الشعب، لسنا مختلفين في الملل من تكرار نفس الأحاديث، ولكن ليس أمامنا خيار سوى قبول الواقع – فقد تم انتخاب حزب العمال بغالبية كبيرة، وسيظل في السلطة لأعوام مقبلة. رئيس الوزراء ووزيرة خزانته يفرضان تدابير مالية قاسية، وهما يشعران بأنهما مضطران لتبريرها.

الحقيقة هي أننا سمعنا هذا الكلام مراراً وتكراراً حتى أصابنا الملل، وكان ذلك جزءاً من السبب الذي دفع الناس إلى انتخاب كير وريتشل. نحن في حاجة ماسة إلى أخبار اقتصادية إيجابية. نريد أن نعرف ما الذي ستفعلانه الآن، وليس ما فعله الآخرون قبلكما. أنتما تقولان إنكما ستنميان الاقتصاد، لكن كيف تحديداً؟ توقفا عن معاملتنا وكأننا لا نفهم، وأنهيا التكرار الفارغ وأعطيانا تفاصيل دقيقة.

في غياب أية تفاصيل، تتزايد الشكوك بأنه لا يوجد شيء ملموس، ولا ما يكفي لإحداث تغيير حقيقي. هذا هو ما يفكر فيه قطاع المال في لندن وجيوش المحللين والمتداولين، وهو ما نشعر به نحن أيضاً، نتساءل في ما إذا كان هناك خطة رئيسة، ناهيك بخطة ثانوية.

ومع ذلك، ثمة حدث تاريخي واحد يستحق أن يركز عليه ستارمر، حدث لا يحظى بما يكفي من الاهتمام، حدث كان ينبغي أن يستخدمه كدافع لإحداث تغيير إيجابي. عدم التركيز عليه يكشف كثير عن حذره الطبيعي كمحام وعن تردده أو ربما فشله في إظهار القيادة السياسية الحقيقية.

هذا الحدث هو “بريكست” والضرر الذي ألحقه بالاقتصاد البريطاني، والذي يجب أن يدفع ستارمر للعمل بكل قوته لإعادة بناء العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. ليس من أجل العودة إلى الاتحاد – فهذا لن يحدث في أي وقت قريب، إن حدث على الإطلاق – بل من أجل الحصول على اتفاق حقيقي في شأن حركة السلع والأشخاص. يجب ألا يهتم بإغضاب اليمين، أو إعادة فتح الجروح القديمة وإثارة ردود فعل نايجل فاراج وكيمي بادنوك وبوريس جونسون، وغيرهم.

يجب أن يعود ذلك بالفائدة على الاتحاد الأوروبي أيضاً. لقد غادرنا ناديهم ولا يمكننا أن نتوقع أن يسمح لنا بالعودة بسهولة للاستفادة من المزايا. ولكن مع الظروف المواتية، أو بالأحرى الإرادة الحديدية، يمكن تحقيق ذلك.

دعونا ننسى محاولة اللعب على الحبلين مع الصين، بالهجوم عليها في لحظة ثم إغراقها بالحب في اللحظة التالية. قد تنشأ علاقة وطيدة مع بكين، لكنها ستستمر فقط حتى وقوع الأزمة الأمنية التالية. الأقرب إلينا هو تكتل تجاري اخترنا التخلي عنه. دونالد ترمب لديه تكتل مشابه بجواره، ولهذا يمكنه أن يكون جريئاً ومتعجرفاً في شأن الرسوم الجمركية. كان لدينا تكتلنا، لكننا أضعناه.

هذه هي الأرقام التي يجب على ستارمر وريفز الإعلان عنها بوضوح وبصوت عال. نشرت “اندبندنت” سابقاً أن تقديرات “بلومبيرغ” للاقتصاد تبين أن ناتج المملكة المتحدة يخسر 100 مليار جنيه استرليني سنوياً بسبب خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. ويقدر مكتب مسؤولية الموازنة أن التجارة البريطانية ستتكبد خسارة بنسبة 15 في المئة في الأجل البعيد بسبب بريكست.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة “الحركة الأوروبية في المملكة المتحدة” البحثية pro-EU السير نيك هارفي “خروجنا من السوق الموحدة الأوروبية أضر بالاقتصاد البريطاني بنسبة تزيد على خمسة في المئة، مما أدى إلى عجز سنوي في مالية الخزانة يقارب 45 مليار جنيه استرليني. وهذا يعادل نحو ثلث عوائد ضريبة الدخل الأساس”.

ينبغي أن تكون هذه الأرقام مصدر تفكير لريفز وهي تعد موازنتها للربيع المقبل وتنظر في احتمال فرض زيادات ضريبية جديدة للتعامل مع الركود الاقتصادي، إن لم يكن التراجع الاقتصادي. بالنسبة إلى دولة تعاني آثار موازنتها الأولى في الخريف الماضي، فإن مثل هذه الخطوة لن تتطلب فقط كثيراً من التوضيح، بل قد تؤدي إلى انتحار سياسي. من الأفضل، بالتأكيد، السعي إلى تحقيق فائدة حقيقية للجميع.

الشركات في جميع أنحاء البلاد تعاني. وفقاً لمركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، توقفت 16 ألفاً و400 شركة تقريباً – أي 14 في المئة من المؤسسات البريطانية المصدرة – عن التصدير إلى الاتحاد الأوروبي بسبب صعوبات بالغة تواجهها. لقد تمكنت الشركات الكبرى من التكيف، لكن في مقابل كلفة عالية. مثلاً، قال رئيس مجلس إدارة “ماركس أند سبنسر” آرتشي نورمان إن الشركة اضطرت إلى استئجار مستودع لمجرد تخزين المعاملات التي يتطلبها بريكست.

عند التعمق في القطاعات الفردية، لا نجد سوى قصص من المعاناة. لا أحد استفاد من الخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن ثمة مؤامرة صمت تحيط بهذه المسألة. بريكست، كما يقول المثل، هو الفيل الموجود في الغرفة، فيل يحدق في وجوهنا، لكن قادتنا يختارون تجاهله – المحافظون لأسباب واضحة، وحزب العمال لخوفهم من استفزاز اليمين. تتجنب الصحافة اليمينية الموضوع، أما في وسائل التواصل الاجتماعي، فأي ذكر لإعادة النظر في بريكست يثير ردود فعل غاضبة ومتوقعة.

يجب على ستارمر أن يتخذ خطوة جريئة، وأن يعترف بالخطأ ويعمل في صورة عاجلة على استعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وإصلاح الضرر الناجم عن بريكست. قال هارفي “يقتضي ازدهارنا وأمننا في المستقبل عقد شراكة أوثق بكثير مع أوروبا، تسير إجراءات ’إعادة الضبط‘ التي تنفذها الحكومة في الاتجاه الصحيح، لكن الحكومة في حاجة إلى المضي أبعد من ذلك بكثير وأسرع من ذلك بكثير إذا أردنا بناء مستقبل أكثر إشراقاً”. في استعانة بعبارة اشتهر بها شخص يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف اليمين [دونالد ترمب]، قد يساعد العمل في هذا الاتجاه في “جعل بريطانيا عظيمة مرة أخرى”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية