باتت الطاقة النظيفة تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام دولياً، ووجدت القوى الكبرى البيئة المناسبة في القارة السمراء لإطلاق مشاريع تترقب أن تخدم مصالحها مستقبلاً في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وأخطارها على البيئة والإنسان، كما تحركت بعض الدول الأفريقية التي تمتلك إمكانات في اتجاه الاستثمار في الطاقة النظيفة لما لها من مردودية محلياً وخارجياً.
وقال تقرير حديث نشرته منصة “الطاقة” ومقرها واشنطن إن أفريقيا تستعد لإطلاق سبعة مشاريع كبرى للطاقة المتجددة العام الحالي، من بينها في جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والكاميرون وناميبيا، وتعمل جميعها على تحقيق أهداف البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي لتوصيل الكهرباء إلى 300 مليون شخص في القارة بحلول عام 2030، وسجلت الدول العربية حضوراً قوياً في القائمة، إذ حجزت الجزائر والمغرب ومصر ثلاثة مواقع رئيسة.
ولعل غالبية المشاريع الكبرى التي تقام في أفريقيا تتلقى الدعم من دول كبرى وهيئات دولية، مما يجعلها رهينة القرارات الخارجية من ناحية التسيير والمداخيل والوجهة، مما أشار إليه التقرير بالقول إن مشاريع الطاقة في القارة السمراء باتت تكتسب زخماً متزايداً، ويسهم ذلك في إعادة رسم مشهد الطاقة فيها.
“تافوكا 1”
وأمام هذه الأرقام، يبقى مشروع محطة الطاقة الشمسية “تافوكا 1” في الجزائر من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في أفريقيا، إذ كشفت وثيقة “الطاقة” عن أن كلفته تبلغ 3.6 مليار دولار ويغطي مساحة 6400 هكتار موزعة على 10 محافظات جزائرية، ويستهدف الوصول إلى أربعة غيغاوات من الكهرباء النظيفة.
وبحسب المنصة، من المنتظر أن يوفر المشروع الجزائري 56 ألف وظيفة خلال مرحلة البناء، وألفي وظيفة في مرحلة التشغيل، مما يعزز القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة في البلاد من 500 ميغاوات عام 2020 إلى 2.9 غيغاوات خلال 2025.
ودخلت الجزائر منذ فترة مجال الطاقة النظيفة، وطرحت مشاريع عدة من بينها ما دخل حيز الإنجاز ولا تزال أخرى قيد الدراسة على اعتبار أنها تمتلك إمكانات طبيعية ومناخية ومادية تسمح لها بالمنافسة، وأهمها المحطة الهجينة لتوليد الطاقة “شمسية – غاز” بقدرة 150 ميغاوات في منطقة الأغواط، ومزرعة توليد طاقة الرياح بـ10 ميغاوات في منطقة أدرار، ومحطة تجريبية كهروضوئية في منطقة واد نشو بسعة 1.1 ميغاوات في غرداية.
تمويل أجنبي ضروري
وتقدر سعة برنامج الطاقة المتجددة المطلوب إنجازه لتلبية حاجات السوق المحلية الجزائرية خلال الفترة 2015-2030 بنحو 22 ألف ميغاوات، موزعة بين الطاقة الكهروضوئية وتقدر بـ13575 ميغاوات، والطاقة الشمسية المركزة 5010 ميغاوات، والتوليد المشترك 2000 ميغاوات، والطاقة المولدة عبر الرياح 400 ميغاوات وغيرها.
وتتوافر الجزائر على واحد من أكبر الحقول الشمسية في العالم، وتتجاوز مدة سطوع الشمس 2000 ساعة سنوياً تقريباً، ويمكن أن تصل إلى 3900 ساعة في الجنوب.
وبموجب خريطة الطريق لتطوير الهيدروجين التي تم الكشف عنها في مارس (آذار) عام 2023، قالت الجزائر إنها تهدف إلى تطوير وتصدير من 30 إلى 40 مليار كيلووات في الساعة من الهيدروجين الأخضر والأزرق، وتوفير نحو 10 في المئة من حاجات أوروبا بحلول عام 2040.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم الإمكانات المادية الكبيرة التي تمتلكها والظروف الطبيعية والمناخية المواتية، تقول الحكومة الجزائرية إن جزءاً كبيراً من خريطة الطريق المطروحة سيعتمد على شراكات دولية وإستراتيجية لجذب التمويل الأجنبي اللازم وتنفيذ المشاريع على أرض الواقع.
إنشاء صناعة طاقة متجددة
وفي السياق، قال الباحث في شؤون الطاقة أحمد عوماري إن الرهان على الطاقات المتجددة والنظيفة يتصاعد في القارة السمراء بسبب الحاجة الأفريقية إلى الاستثمارات من جهة، ورغبة الدول الأوروبية بصورة خاصة في ضمان أمنها الطاقوي من جهة أخرى. ونبه إلى أن حكومات الدول الأفريقية تبحث تأمين إمداداتها من الكهرباء لسد الطلب المحلي المتنامي وتعزيز التنمية المستدامة، ولتحقيق ذلك هي مضطرة إلى قبول المساومات الأجنبية التي تستغل فرصة الحاجة المادية الأفريقية لاشتراط المقابل الذي يضعها في مأمن من التهديدات الروسية والصينية.
واعتبر عوماري أن مشروع “تافوكا 1” المصنف ضمن أهم مشاريع الطاقة النظيفة في أفريقيا والذي تحظى الجزائر بإنجازه على أراضيها، بحاجة إلى التمويلات الخارجية التي لن يكون صعباً ضمانها لاعتبارات عدة أهمها الدور الذي باتت تحتله الجزائر والاحترام الذي تحظى به كمورد رئيس للغاز نحو أوروبا، لا سيما خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، مشدداً على أن قدرات الجزائر والخبرة التي اكتسبتها تعززان مكانتها ونفوذها كلاعب رئيس على الساحة الدولية، ومع الإمكانات الهائلة غير المستغلة للطاقة الشمسية والرياح، فإن إنشاء صناعة طاقة متجددة سيسمح لها بتلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة وضمان التصدير.
الهيدروجين الأخضر
إلى ذلك، وقعت الجزائر مذكرة تفاهم لإجراء دراسات الجدوى المشتركة لمشروع ممر الهيدروجين “الممر الجنوبي لنقل الهيدروجين الذي من المقرر أن يربط بين الجزائر وألمانيا عبر إيطاليا والنمسا”. وتسعى الأطراف كافة إلى تزويد الاتحاد الأوروبي بالهيدروجين الأخضر، ونقل ما يقارب أربعة ملايين طن منه سنوياً من الجزائر إلى دول القارة العجوز على طول 3300 كيلومتر.
وأكد المدير العام لمجمع الطاقة الخضراء الجزائري بوخالفة يايسي أن بلاده تملك مقومات هائلة في مجال الطاقات المتجددة، بخاصة الطاقة الشمسية والرياح، بما يسمح لها تعزيز مكانتها كدولة طاقوية رائدة، قائلاً إن بلاده تتطلع إلى اكتساح السوق الدولية بما فيها الاتحاد الأوروبي الذي يتجه إلى الاعتماد الكلي على الطاقات المتجددة بحلول عام 2050، بعد إنجاز مشروع إنتاج 15 ألف ميغاوات عام 2030، ومشاريع الهيدروجين الأخضر عام 2035.
وأوضح يايسي أن تطوير القدرات الوطنية في مجال الطاقات المتجددة يعتمد أساساً على استغلال كل المؤهلات الطبيعية والمادية والتكنولوجية، والكفاءات الجزائرية بالداخل والخارج في هذا المجال، مما سيسمح بتلبية الحاجات الوطنية والإقليمية بكل أريحية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية الكبرى التي بدأت تهتم بالسوق الجزائرية، خصوصاً الصينية واليابانية والأميركية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية