على مدى ما يقرب من قرن، اعتقد علماء الآثار والمؤرخون أن الجمجمة المحفوظة جيدًا التي عثر عليها في مقبرة تركية قديمة كانت تعود لأميرة مصرية. ولكن أبحاثًا جديدة أثبتت العكس بشكل قاطع، وكشفت بدلاً من ذلك عن بقايا صبي صغير كان يعاني على الأرجح من مشاكل نمو كبيرة. في عام 1929، اكتشف عالم الآثار النمساوي جوزيف كيل وزملاؤه تابوتًا رخاميًا مملوءً بالماء أثناء الحفريات في نصب المثمن في أفسس (تركيا الحديثة). عثروا على هيكل عظمي، وقام كيل بإزالة الجمجمة فقط قبل إغلاق القبر، وأخذها إلى جرايفسفالد بألمانيا حيث كان يعمل أستاذًا. لاحقًا، انتقلت الجمجمة إلى جامعة فيينا مع ملاحظة تشير إلى أصلها.

قاد الفحص الأولي العلماء إلى الاعتقاد أن البقايا تعود لشخصية مرموقة، يُحتمل أنها امرأة من الطبقة الأرستقراطية، مما أثار نظريات حول كون الهيكل العظمي يعود للأميرة أرسينوي الرابعة، الأخت غير الشقيقة لكليوباترا السابعة. ازداد اللغز تعقيدًا في عام 1982 عندما عُثر على بقية الهيكل العظمي أثناء أعمال التنقيب الجديدة، ليس في التابوت الأصلي، ولكن في مكان صغير في غرفة الانتظار بالمقبرة.

استخدام التقنيات الحديثة

في الآونة الأخيرة، قام فريق بحثي دولي بقيادة عالم الأنثروبولوجيا جيرهارد ويبر من جامعة فيينا بتطبيق تقنيات علمية حديثة. استخدموا مسحًا بالأشعة المقطعية عالية الدقة لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد دقيقة للجمجمة، ونجحوا في استخراج عينات من الحمض النووي. أظهرت النتائج أن الجمجمة تعود لصبي يتراوح عمره بين 11 و14 عامًا، عاش بين عامي 205 و36 قبل الميلاد. كما أظهر التحليل الجيني أن أسلافه جاءوا من شبه الجزيرة الإيطالية أو منطقة سردينيا، مما يدحض فرضية أرسينوي. كشفت الفحوصات أن الصبي كان يعاني من تحديات كبيرة في النمو، بما في ذلك عدم تناسق في الجمجمة وفك غير مكتمل النمو. أظهرت أسنانه أن لديه مشاكل في المضغ، مما يشير إلى صعوبات وظيفية كبيرة. حدد العلماء عدة أسباب محتملة لهذه المشكلات التنموية، بما في ذلك نقص فيتامين D أو متلازمة تريتشر كولينز، وهي حالة وراثية يمكن أن تسبب سمات وجه وأنماط نمو مماثلة.

أسئلة جديدة

يثير هذا الاكتشاف أسئلة جديدة حول سبب دفن صبي صغير يعاني من تحديات في النمو في نصب تذكاري بارز. يقع المثمن في قلب مدينة أفسس القديمة، مما يشير إلى أن الطفل كان له بعض الأهمية على الرغم من تحدياته الجسدية. تفتح الدراسة فصلاً تاريخيًا جديدًا لعلماء الآثار، مما يخلق قصة جديدة تمامًا في هذه العملية. بينما يبقى مكان دفن أرسينوي الرابع غير معروف، يمكن للباحثين استئناف هذا البحث والتركيز على فهم قصة هذا الصبي ومكانته في المجتمع القديم في أفسس، وذلك وفقا لمقالة بعنوان «الجمجمة من المثمن في أفسس» في التقارير العلمية بقلم جيرهارد دبليو ويبر وزملائه من مؤسسات متعددة بما في ذلك جامعة فيينا والمعهد الأثري النمساوي.

نقلاً عن : الوطن السعودية