تهدد فترة دونالد ترمب الثانية في البيت الأبيض بإثارة خلافات عالمية حول الضرائب، إذ أعرب الاقتصاديون عن مخاوفهم من الوعود التي قطعها الجمهوريون بفرض عقوبات على الدول التي تفرض ضرائب إضافية على الشركات متعددة الجنسيات الأميركية.

وقال رئيس قسم الضرائب في إحدى الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة لصحيفة “فاينانشال تايمز” إن عام 2025 “قد يكون العام الذي ينقلب فيه كل شيء إلى الأسوأ وتجد الشركات نفسها عالقة في المنتصف”.

وقال رئيس لجنة الضرائب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، آلان ماكلين، للصحيفة، إن فرض الرسوم الجمركية رداً على التدابير الضريبية العالمية “قد يعيق النمو الاقتصادي من خلال زيادة كلفة العمليات للشركات ورفع الأسعار على المستهلكين”.

وتركز النزاعات على عدم رضا الجمهوريين في شأن عنصر حاسم في اتفاقية ضريبية عالمية جرى التوصل إليها في المنظمة، والتي ستسمح هذا العام للدول الأخرى بفرض ضرائب إضافية على الشركات متعددة الجنسيات الأميركية.

ولطالما هدد ترمب، الذي يصف نفسه بأنه “رجل الرسوم الجمركية”، باستخدام هذه التعريفات لضمان حماية مصالح الشركات والأسر الأميركية. ومنذ فوزه في الانتخابات، هدد الرئيس المنتخب بتمزيق اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك وفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على الواردات من جيرانه.

الاتحاد الأوروبي هو الهدف الرئيس للجمهوريين

ويعتقد المحللون الضريبيون أن الاتحاد الأوروبي هو الهدف الرئيس للجمهوريين، الذين وصفوا جزءاً رئيساً من اتفاق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعروف بقانون الأرباح غير الضريبية UTPR بأنه “تمييز ضدهم”. ويتيح هذا القانون للدول فرض ضرائب إضافية على الشركات الفرعية المحلية لمجموعة متعددة الجنسيات إذا كانت تدفع أقل من 15 في المئة من الضرائب على الشركات في أي ولاية قضائية أخرى، مما يعني أن الدول الأخرى ستكون قادرة على فرض ضرائب إضافية على الشركات الأميركية.

وقالت رئيسة سياسة الضرائب العالمية “إيرنست ويونغ”، أرونا كاليانام، “هناك شعور واسع بين الجمهوريين بأن الشركات الأميركية لا ينبغي أن تدفع قانون الأرباح غير الضريبية UTPR. ونفذ هذا القانون من قبل الاتحاد الأوروبي بموجب توجيه في عام 2022، لكن بعض المراقبين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي قد يضطر إلى التوصل إلى حل وسط مع ترمب في شأن تطبيقه مقابل معاملة تفضيلية لصادراته”. ووفقاً لبيانات المفوضية الأوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي لديه فائض تجاري مع الولايات المتحدة بقيمة 158 مليار يورو (162 مليار دولار).

وقال كبير المستشارين في شركة الاستشارات الضريبية في النمسا “آيكونويرتشافتستريهاند”، فالنتين بندلينغر، “أوروبا لديها ثقافة قانونية قوية، والقانون هو القانون، لكن يمكنني أن أتخيل ترتيباً مستقبلياً بين ترمب والاتحاد الأوروبي، إذ يتنازل الاتحاد الأوروبي عن تطبيق قانون الأرباح غير الضريبية من أجل تجنب الدخول في حرب اقتصادية”.

مع ذلك، يقول البعض إنه من غير المرجح حدوث تغيير في هذا الصدد، إذ يتطلب الأمر موافقة جميع الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقال الباحث في الضرائب الدولية في مدرسة كوبنهاغن للأعمال، راسموس كورلين كريستنسن، “قانون الأرباح غير الضريبية يُنفذ على نطاق واسع، وهو ورقة تفاوض قوية، ولا يمكن التراجع عنه بسهولة”.

اتفاقية الضرائب والمصالح الأميركية

ومنذ عام 2021، كانت أكثر من 140 دولة تعمل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتنفيذ اتفاقية الضرائب البارزة، وتتكون الاتفاقية من ركيزتين، الأولى تسعى إلى إجبار أكبر الشركات متعددة الجنسيات على إعلان الأرباح ودفع المزيد في البلدان التي تعمل فيها، بينما تقدم الثانية معدل ضريبة عالمياً أدنى فعلياً بنسبة 15 في المئة، مصمم للحد من تحول الشركات متعددة الجنسيات إلى دول ذات ضرائب أقل على أرباحها.

وفي عام 2023، وصف النائب الجمهوري المؤثر جايسون سميث الاتفاق العالمي للضرائب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنه “استسلام ضريبي عالمي من بايدن”. وصاغ سميث مشروع قانون لزيادة معدل الضريبة على أرباح الشركات التي تتخذ من الدول التي تفرض “ضرائب غير إقليمية وتمييزية” مقراً لها ضد الشركات الأميركية، بما في ذلك قانون الأرباح غير الضريبية. وعلى رغم أن المشروع لم يجرِ تبنيه، إلا أن هناك إمكانية لإحيائه خلال فترة رئاسة ترمب. وقالت كاليانام إن “الإدارة الجمهورية، التي تسيطر على جميع فروع الحكومة، لن تجد صعوبة في إقراره”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعارض سميث وأعضاء جمهوريون آخرون في مجلس الشيوخ الاتفاق الضريبي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقال أحد المساعدين في الكونغرس إن “قانون الأرباح غير الضريبية يُنظر إليه على نطاق واسع من قبل أعضاء الكونغرس الجمهوريين على أنه “تمييز ضدهم وغير إقليمي”. وأضاف “بشكل عام، يشعر الجمهوريون في مجلس الشيوخ أن الاتفاق الضريبي يضر بمصالح الولايات المتحدة”.

المخاوف من اندلاع حرب ضريبية

تتوقف الحرب الضريبية على كيفية تطبيق الدول الأخرى قانون الأرباح غير الضريبية، وحتى الآن، شرع هذا القانون في بعض الدول مثل أستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا والنرويج وكوريا الجنوبية وتركيا وبريطانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، قدمت بعض الدول في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تأخذ في الاعتبار مخاوف الولايات المتحدة “ملاذاً آمناً موقتاً”. ويؤجل هذا الملاذ التاريخ الذي يبدأ فيه تطبيق قانون الأرباح غير الضريبية UTPR حتى عام 2026 بالنسبة للدول التي لديها معدل ضريبة الشركات القانوني فوق 20 في المئة. ولدى الولايات المتحدة معدل ضريبة بنسبة 21 في المئة، على رغم أن ترمب اقترح تخفيضه إلى 15 في المئة فقط للمصنعين المحليين. وقالت رئيسة قسم الضرائب الوطنية في “كي بي أم جي” في واشنطن، دانييل رولفيس، “هذا يسبب الكثير من القلق للشركات”.

من جانبهم، يرى البعض أن هناك أملاً في إمكانية إيجاد حل وسط بين الدول يمكن أن يتجنب أيضاً حرباً ضريبية. وقال رئيس الضرائب في إحدى الشركات متعددة الجنسيات، “سيكون هناك نوع من الاتفاق، وهذا ما يحب ترمب فعله، لكن سيكون ذلك مؤلماً على طول الطريق”. في حين أن إحدى الطرق التي قد تقرر الدول من خلالها تجنب المشكلة المحتملة التي قد تواجهها الشركات متعددة الجنسيات الأميركية إذا خضعت لقانون الأرباح غير الضريبية هي تأجيل تاريخ تطبيق قاعدة الإنفاذ بعد عام 2026.

وقال رئيس سياسة الضرائب العالمية في “كي بي أم جي” الدولية، غرانت واردل-جونسون، “أعتقد أنهم سيؤجلونها إلى ما بعد 2026، وسيجرى تمديد ملاذ الأرباح غير الضريبية. عديد من الدول لن ترغب في مواجهة سياسية مع الولايات المتحدة في هذا الشأن”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية