عصابات الاستمالة التي تستغل الأطفال جنسياً في المملكة المتحدة تثير ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة وبريطانيا هذه الأيام، إذ يكثر الحديث عن الرجال البريطانيين من أصول باكستانية الذين يقفون وراء هذه العصابات.

قضية العصابات في بريطانيا ليست حديثة، إذ ظهرت عشرات حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال منذ التسعينيات، وألقي اللوم فيها على هذه العصابات التي اتهمت بجرائم فظيعة تشمل استمالة الأطفال الصغار، بخاصة الفتيات من خلال تعاطي المخدرات وإدمانها ومن ثم الاعتداء عليهم جنسياً. 

وتعرض أكثر من 1400 طفل للاعتداء الجنسي في الحالات المبلغ عنها في مناطق روتشديل وأولدهام وروثرهام البريطانية.

النقطة الأخرى في هذه القضية هي أن الغالبية من الأطفال الضحايا من البريطانيين البيض، مما أسهم لاحقاً في إضفاء طابع سياسي على القضية.

أما عن العصابات، فاعتقلت الشرطة البريطانية عناصرها وانتهى الأمر بإصدار أوامر قضائية ضد المتورطين.

المرضى النفسيين الذين يستغلون الأطفال لإشباع رغباتهم الجنسية يعكسون عقلية فاسدة وميولاً إجرامية بغض النظر عن العرق واللون والقومية التي ينتمون إليها، وربما لم يكُن لأحد أن يتذكر قضية عصابات الاستمالة، فضلاً عن أن يكون محل جدل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لولا أن أثارها إيلون ماسك مالك منصة “إكس” وهو مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأعلن ماسك دعمه العلني للناشط اليميني المتطرف البريطاني تومي روبنسون على منصة “إكس” خلال الأيام الأخيرة، كما سمح بنشر الفيلم الوثائقي المثير للجدل الذي أخرجه تومي روبنسون على المنصة، بل قام بنشره أيضاً.

الفيلم الوثائقي “Silenced” لروبنسون هو في الأساس محاولة لتحريض المشاعر ضد المجتمع المسلم في المملكة المتحدة، إضافة إلى ذلك، دين تومي روبنسون المذكور بنشر دعاية كاذبة ضد طفل مسلم في قضية أخرى وحكم عليه بالسجن، ويدير إيلون ماسك الآن حملة منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بإطلاق سراحه.

 

 

المثير للقلق هنا أن مستشار الرئيس الأميركي المقبل يدعم علناً وبصورة واضحة رجلاً عنصرياً تمت إدانته من المحاكم إلى جانب دعمه للحرب السياسية العنصرية الألمانية قبل بضعة أيام، فهل هي بداية موجة عنصرية جديدة ضد المسلمين في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة؟.

وتقول الكاتبة نادين اسبالي في هذا الصدد “أثار إيلون ماسك الموجة الأخيرة من المشاعر المعادية للإسلام مستخدماً منصة ’إكس‘ وربط قضية عصابات الاستمالة بالمسلمين، كما شوه سمعة السياسيين مثل كير ستارمر وجيس فيليبس من خلال اتهامهم بأنهم سهلوا ’عمليات الاغتصاب‘”.

وتضيف اسبالي أنه “من الصعب تجاهل اللغة التي استخدمها ماسك”، لافتة إلى أن الحديث عن “اغتصاب بريطانيا” يعزز فكرة أن “الأجانب العنيفين وغير الأخلاقيين (أي المسلمين) يأتون إلى بريطانيا ويهاجمون السكان المحليين، فهو يصور كل المسلمين والمهاجرين على أنهم أعداء لبريطانيا، متجاهلاً حقيقة أن المسلمين مثلي كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي البريطاني لقرون عدة”.

وتكمل أنه “إذا نظرت إلى ماضي ماسك، فستجد أنه روّج لآراء يمينية متطرفة ومعادية للاجئين ومعادية للإسلام، كما حدث في العام الماضي عندما ادعى كذباً أن مهاجمي ساوثبورت كانوا مسلمين، مما أدى إلى أعمال شغب ومهاجمة مساجد لطالبي اللجوء، إلى جانب حرق الفنادق، فمن الواضح أن هذه القضية أيضاً تستخدم لتشويه سمعة المسلمين أكثر من تحقيق العدالة لضحايا الاستمالة”.

خلفية روبنسون العنصرية

وتظهر مفارقة عجيبة عند النظر في خلفية الرجل الذي يدعمه إيلون ماسك، إذ يدعي تومي روبنسون أنه صحافي، لكنه كان في مقدمة من ينشرون المشاعر المتطرفة والعنصرية المعادية للإسلام والمهاجرين في بريطانيا على مدى العقدين الماضيين.

إضافة إلى ذلك، أدار روبنسون منظمة “رابطة الدفاع الإنجليزية” العنصرية في بريطانيا لفترة من الوقت، وفي حين أن سجل المنظمة مليء بأحداث عدائية إلا أن أبرزها هو ارتباط المتورط بأسوأ هجوم إرهابي في تاريخ النرويج بهذه المنظمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أندرس بريفيك، الإرهابي النرويجي المتعصب للبيض الذي قتل 77 شخصاً في هجمات أوسلو الإرهابية، وضع منظمة “رابطة الدفاع الإنجليزية” التي كان يديرها روبنسون في بيانه الرسمي الذي أعده بنفسه، ووفقاً لتقارير إعلامية فإن بريفيك لم يكُن فقط متأثراً بالمنظمة، بل كان على اتصال مع نشطائها.

الأمر إذاً ليس متعلقاً بسمعة المجتمع الباكستاني فحسب، بل إن التوجه العنصري الجديد وحملاته المنظمة يضع مستقبل المسلمين عموماً والباكستانيين بصورة خاصة على المحك.

استمالة مضادة

وهناك طريقة جديدة يستخدمها المهتمون بقضية تورط المهاجرين في جرائم الاستغلال الجنسي ضد الأطفال لتصيد الرجال الأجانب بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وانتحال شخصية الأطفال ومن ثم التواصل مع الرجال المستهدفين عن طريق المحادثة، بعضهم يظهر أن عمره بين 13 و14 سنة، ويظهر اهتمامه بإقامة علاقة معهم، وما أن يقبل أحدهم بمقابلة الطفل المنتحل أو الظهور معه على المكالمة المرئية حتى تفضحه هذه الحسابات أمام الجميع بأنه متحرش بالأطفال ويهدد بتسليمه إلى الشرطة.

ومن خلال إجراء بحث بسيط، يظهر أن صديق إيلون ماسك تومي روبنسون كان أيضاً يقوم بهذه العمليات، كما أن هناك مئات الحسابات العنصرية على منصة “إكس” التي تروج لمثل هذه الأمور، ويبدو كأنها جزء من حملة منظمة، إذ إن الأشخاص الذين يديرون هذه الحسابات لديهم ميل واضح إلى العنصرية البيضاء ومعاداة اللاجئين وكراهية الإسلام.

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد لم يؤدِّ اليمين الدستوري بعد وإيلون ماسك لم يتسلم حقيبة الوزارة إلى الآن، وقيادة أوروبا لم تذهب بالكامل إلى القوة السياسية اليمينية، لذا هناك حملات مناهضة للإسلام لكنها لم تترجم بعد بالسياسات والقوانين والإجراءات الرسمية.

المسرح لمثل هذه الإجراءات أعدّ، والرأي العام شُكّل من خلال تأجيج مثل هذه القضايا، وفي مثل هذا الوضع سيتعين على المسلمين في أوروبا وأميركا وبريطانيا العظمى وكندا وأستراليا، بخاصة الجالية الباكستانية أن ينشطوا سياسياً واجتماعياً حتى لا يقعوا ضحية حملة عنصرية.

أخيرا، المتحرشون بالأطفال لا يستحقون أي رحمة أو دعم ويجب محاسبتهم وفق القانون، لكن في الوقت ذاته ينبغي ألا نغفل عمن يستغل هذه القضايا من العنصريين لتأجيج الرأي العام ضد مجتمعات وجاليات بأسرها.

نقلاً عن : اندبندنت عربية