ضج الشارع السوري خلال اليومين الماضيين بخبر وصول رجل الأعمال السوري محمد حمشو إلى دمشق قادماً من بيروت لتسوية وضعه مع السلطات الجديدة، وقالت مصادر لـ “اندبندنت عربية” إن هذه الزيارة لم تكن لتحصل لولا وساطة رجال أعمال آخرين مقربين من القيادة السورية الجديدة، وكذلك وجود وساطة قطرية لإتمام الأمر.
“الله يهنيكم بالبلد”
وفي السياق جرى تداول خبر مفاده أن حمشو قدم مليار دولار لإنجاز هذه التسوية، لكن المصادر ذاتها أكدت أن الخبر غير صحيح وأن الرجل زار دمشق لساعات فقط قبل أن يغادرها، قائلاً لمقربين منه “الله يهنيكم بالبلد”، فيما لم ترشح أية معلومات إضافية عن مجريات الزيارة وبمن التقى رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السابق الذي أسقطت عضويته نهاية حكم بشار الأسد بسبب حمله الجنسية التركية، وهو ما يمنعه القانون السوري، أي ازدواج الجنسية للمسؤولين، على رغم أن حمشو يعتبر واحداً من أبرز وأهم أذرع النظام الاقتصادية والمالية والإعلامية.
وكان حمشو دخل مجلس الشعب في الانتخابات التي جرت أواسط يوليو (تموز) الماضي محرزاً نحو 100 ألف صوت في العاصمة دمشق، كانت كفيلة لإيصاله إلى البرلمان وسط استهجان وتساؤل شعبي حول كيفية حصول مرشح في اللاذقية على 600 ألف صوت، بينما حصل حمشو بكل ضخامة العاصمة وتعداد ساكنيها على 100 ألف لتكون كافية لترتيب فوزه.
من هو محمد حمشو؟
ولد في دمشق وهو واحد من أبرز رجال الأعمال السوريين الممسكين باقتصاد الظل في عهد بشار الأسد، وهو سليل عائلة اقتصادية تمكنت من بناء إمبراطوريتها الاقتصادية نتيجة قربها من دائرة الحكم، وعلى وجه الخصوص علاقته المتينة بماهر الأسد شقيق الرئيس السابق بشار، وتنوعت أعماله في القطاعات الاقتصادية المختلفة لتشمل التجارة والاتصالات والصناعة والنفط، مع إنشائه عشرات الشركات المتداخلة والمتشابكة، وقد فرضت عليه عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر من مرة، نتيجة اتهامه بدعمه المباشر لعائلة الأسد وتمويل نشاطاتهم العسكرية اقتصادياً.
امتيازات فردية
استفاد حمشو بصورة موسعة من الحرب السورية وبنى علاقات سياسية متنوعة امتدت داخل البلاد مع رجال أعمال آخرين، ووصلت حتى لبنان والعراق، وحصل على امتيازات جعلته في عرف التجارة “شهبندر التجار”، ومن بين تلك الامتيازات كونه الشخص الوحيد الذي يملك قناة تلفزيونية تتبع القطاع الخاص داخل سوريا، وهي قناة “سما” الفضائية التي انطلقت بداية تحت مسمى “الدنيا” وجرى لاحقاً تغيير هيكليتها واسمها بعد حجبها من إدارة القمر الاصطناعي “نايل سات”.
وأسند حمشو إدارة القناة الواقع مقرها في ساحة الأمويين إلى شقيق زوجته فراس الدباس، وسرعان ما اصطبغت القناة باللون المحلي البحت المطابق للتلفزيون الرسمي في نشراتها ومواضيعها وبرامجها وسياق الفساد المستشري داخلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول مقربون من حمشو لـ “اندبندنت عربية” إنه لعب دوراً كبيراً في تمويل المجموعات الرديفة التي قاتلت إلى جانب قوى الأمن العسكري في ريف دمشق والبادية السورية، وإنه كشخص لين المعشر ويتمتع بشخصية براغماتية ودبلوماسية من الطراز الرفيع، لكن الوصول إليه شبه مستحيل لإحاطة نفسه بحاشية تتولى شؤون من يحتاج لقاءه، وينطبق ذلك على الموظفين في شركاته المختلفة باستثناء قلة قليلة للغاية.
غضب شعبي
وتسبب نبأ وصول حمشو إلى العاصمة السورية بغية إجراء تسوية غير مفهومة الملامح موجة من الغضب العارم في الشارع السوري، فرجل الأعمال هذا يعتبر في مفهوم الحرب آلة مغذية للقمع والقتل الموجه ضد السوريين خلال عقد ونصف، نتيجة نشاطاته الاقتصادية المشبوهة التي سهلت له أن يحظى بالحصة الكبرى من التسهيلات والمناقصات والقرارات المفصلة على مقاسه، وتالياً تمويله المستمر للأعمال القتالية والعسكرية حتى أكثر مما كان يطلب منه كنوع من تقديم فروض الطاعة المطلقة، بعدما تمكن من أن يصبح ذراع ماهر الأسد الضاربة على حساب آلاف التجار والصناعيين الذي كانت هجرة كثير منهم على يده، بحسب مصادر متقاطعة.
تأديب ورضا
وعلى رغم فيض النفوذ فمن المعروف أن نظام الأسد لم يكن لديه عزيز، والشواهد كثيرة وأبرزها إذلال واستبعاد رامي مخلوف ابن خال الرئيس السابق من المشهد الاقتصادي عام 2019، وحينها كان حمشو عضواً في مجلس الشعب، وفي الانتخابات التالية عام 2020 ارتكب حمشو خطأ لا يغتفر بالنسبة إلى الحُكام وهو تحالفه مع قائمة إسلامية غير مرضي عنها، فجرى إجباره على الانسحاب من السباق الانتخابي عبر بيان صدر عنه.
ولاحقاً تدارك حمشو الأمر وعاد كاقتصادي مطيع نادماً على خطأ نتج من سوء تقدير، وخلال انتخابات العام الماضي ترشح مجدداً بدعم مطلق من السلطة، ونجح بالترتيب الأول في العاصمة، قبل أن تعقد جلسة طرده من البرلمان بعد مضي أقل من شهرين على فوزه بداعي حمله جنسية أخرى، علماً أن الجميع كان يعلم ذلك، وهو ما فسرته أوساط مراقبة بأنه واحد من ملامح الخلاف القديم الجديد بين أسماء الأسد وماهر الأسد حول طريقة العمل الاقتصادي وتوزيع الغنائم والولاءات.
البراغماتية السياسية
ولأن حمشو قبل سقوط النظام وبعده لا يزال حوتاً في الاقتصاد، فإن شخصيته البراغماتية دفعته نحو طلب إجراء تسوية مع القيادة الجديدة، ولأن القيادة الجديدة براغماتية هي الأخرى بدورها فقد قبلت حضوره إلى دمشق، وهو ما أكده قائد العمليات أحمد الشرع خلال أكثر من مناسبة بأن الثورة انتهت والآن يجب التركيز على بناء الدولة لا الثأر الشخصي.
نقلاً عن : اندبندنت عربية