كشفت ملفات الاستخبارات البريطانية المنشورة حديثاً عن أن أجهزة الأمن في المملكة المتحدة كانت تراقب الحركة القومية الاسكتلندية وتخشى أن تكون الحكومة الفرنسية تدعمها.

الملفات المرتبطة بهذه القضية كانت جزءاً من آلاف الوثائق التي أفرج عنها جهاز الاستخبارات الداخلية الذي يعرف اختصارا بـ”أم آي 5″ ونشرها عبر الأرشيف الوطني أمس الثلاثاء وتظهر رئيس الجهاز من عام 1965 إلى عام 1972 مارتن جونز كان يراقب الجماعات القومية في اسكتلندا وويلز.

وفي إحاطة قدمها خلال أبريل (نيسان) عام 1968، كشف جونز عن قلق حكومة لندن التي كان يقودها العمالي هارولد ويلسون، إزاء احتمال وجود روابط بين الحكومة الفرنسية والقوميين في المملكة المتحدة، بخاصة في اسكتلندا.

وفي تلك الإحاطة، قال جونز إنه “يأمل في أن تقود الترتيبات الأمنية إلى نفي وجود أي صلة بين الحكومة الفرنسية والحركات القومية في اسكتلندا وويلز”، مما يؤكد أن “أم آي 5” كان يراقب أنشطة القوميين في الإقليمين، وتحقيقات الجهاز لم تؤكد حتى تلك اللحظة وجود أي صلة بينهم وبين باريس.

وفق كتاب صادر عن جامعة أكسفورد عام 2020، بدأت القومية الاسكتلندية الانفصالية في التبلور في سبعينيات القرن الـ20 وبلغت نضجها الأيديولوجي الحالي خلال الثمانينيات والتسعينيات، ونوّه إلى أن “هذه القومية غير عادية لأنها تطالب بالاستقلال ليس دفاعاً عن ثقافة أسلاف مهددة، بل باعتبارها الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز أجندة اليسار”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثائق الاستخبارات المنشورة حديثاً تلفت إلى أن الاتصالات الفرنسية الوحيدة كانت حينها مع الحركة الانفصالية في منطقة بريتاني، وتتم هذه الاتصالات تحت رعاية “مؤتمر شباب السلتك” الذي تأسس في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1965، وأهدافه تعزيز التعاون وتبادل الأفكار بين حركات ثقافية انتشرت حينها في كل من إيرلندا وفرنسا واسكتلندا وويلز، إضافة إلى منطقة كورنوال في إنجلترا وجزيرة إيل أوف مان التابعة للمملكة المتحدة.

ولفتت الوثائق إلى أن الاستخبارات البريطانية كانت تشكك في عدد أعضاء “حركة بريتاني” المعلنة والبالغة 200 عضو في المملكة المتحدة، لكنها متأكدة من أن غالبية هؤلاء موجودون في ويلز، كما أنها استبعدت حينها أن تدعم باريس هذه الحركة بسبب طابعها الانفصالي الذي تواجهه فرنسا ذاتها في المنطقة الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد.

وشددت الاستخبارات البريطانية في الوثائق المنشورة على أنه ومع ذلك، فإن قروناً من الاتصال الثقافي بين الاسكتلنديين والفرنسيين، دفعتهم إلى تتبع احتمالات التواصل بين باريس والقوميين في اسكتلندا، وقالت إن “أي نهج من جانب الحكومة الفرنسية في هذا الإطار سيلقى استجابة أسرع هناك مقارنة بويلز”.

وكشفت وثيقة بريطانية لاحقة تعود لمايو (أيار) عام 1968 عن استمرار تحقيق جهاز “أم آي 5” في هذا المجال، لكنها للمرة الأولى “تأتي على ذكر ألمانيا وتؤكد عدم وجود صلات بين أي حزب سياسي ألماني والقوميين في اسكتلندا أو وويلز”.

الوثيقة ذاتها تناولت مقابلة الصحافة الكندية مع زعيم “جيش ويلز الحر” جوليان كايو إيفانز الذي ادعى وجود روابط بينه والانفصاليين في كيبيك وتلقي عضو في جماعته للتدريبات على الأسلحة والمتفجرات من قبل الكنديين، فقالت الاستخبارات البريطانية حينها إن “إيفانز يميل إلى المبالغة بغرض الدعاية، لذلك يفضل التعامل مع تصريحاته بحذر”.

 

وتشكل الوثائق التي تتناول القوميين الاسكتلنديين والويلزيين وارتباطاتهم المحتملة بالخارج، جزءاً صغيراً من الوثائق التي كشفت عنها الاستخبارات البريطانية أخيراً والتي جمعت في 100 مستند قسمت إلى أربعة أجزاء رئيسة، أولها مرتبط بالحرب العالمية الأولى، والثاني يخص أشخاصاً اتهموا بالتجسس لمصلحة أطراف أجنبية، وثالث يتعلق بتاريخ الجهاز نفسه، والرابع يحمل عنوان ملفات سياسية كانت ضمنها الحركات القومية في المملكة المتحدة.

ويخطط جهاز الاستخبارات الداخلية لنشر جزء من الوثائق الحديثة إضافة إلى غيرها خلال معرض يقيمه في لندن بالتعاون مع “الأرشيف الوطني” للمرة الأولى طوال تاريخ الجهاز الممتد على أكثر من 115 عاماً، وقال السير كين مكالوم، المدير العام لـ”أم آي 5″، إن “المعرض يعكس التزام الجهاز الشفافية قدر الإمكان ومن دون المساس بسرية العمل الاستخباراتي”.

وبحسب مارك دونتون، المؤرخ في “الأرشيف الوطني” والمسؤول عن المعرض المرتقب، “تكمن متعة ملفات الاستخبارات في أنه يمكن قراءتها كروايات تجسس مشوقة، كما تسلط الضوء على العمل المذهل لضباط الاستخبارات المخلصين مثل تين آي ستيفنز وجين سيسمور اللذين حققا بلا كلل في خلية ’جواسيس كامبردج الخمسة‘”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية