فور الإعلان عن عقوبات أميركية – بريطانية جديدة ومحددة على قطاع النفط الروسي، ارتفعت أسعار خام “برنت” القياسي إلى مستوى قياسي للأسعار لم تشهده منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، نتيجة مخاوف السوق في شأن نسبة 10 في المئة من إنتاج العالم النفطي التي تضخها روسيا.
ومما زاد من التأثير النفسي في الأسواق، أن إعلان حزمة العقوبات غير المسبوقة جاء خلال وقت تكدست فيه ناقلات وسفن شحن قرب ميناء رأس عيسى اليمني في البحر الأحمر، بعد أن دمرت غارات إسرائيلية القاطرات التي تقوم بسحب تلك السفن إلى الشاطئ.
ومن بين تلك السفن 15 ناقلة نفط منها ناقلات تحمل نفطاً روسياً، وإن كانت أزمة تكدس الناقلات عند اليمن هي في النهاية مجرد تصعيد في مشكلة اختناق الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر منذ نحو عام نتيجة هجمات الحوثيين المدعومين من إيران على السفن في المنطقة، إلا أن خبر العقوبات الجديدة على قطاع النفط الروسي أثارت اضطراب السوق أكثر بتزامنها مع الهجوم الإسرائيلي على اليمن.
عقوبات على الناقلات والشركات
وتستهدف العقوبات الجديدة شركتي نفط روسيتين وعدداً كبيراً من الناقلات وشركات التأمين على الشحن البحري، وهي في معظمها تنقل النفط الروسي إلى المستوردين والمصافي في الصين والهند.
وكانت روسيا التي تنتج نحو 9 مليون برميل يومياً وتصدر منها ما بين 4 و5 ملايين برميل يومياً وجدت أسواقاً جديدة لصادراتها النفطية، بعد سلسلة العقوبات والحظر الأوروبي على استيراد النفط من موسكو بسبب حرب أوكرانيا، إذ تعد الصين والهند أهم وجهتين زادت موسكو صادراتها النفطية إليهما.
وحسب بيان الحكومة البريطانية ووثيقة من وزارة الخزانة الأميركية، فإن العقوبات الجديدة شملت شركتي “غازبروم نفط” و”سورغوت نفط أي غاز” وشركتي التأمين على السفن “إنغوس ستراخ” و”ألفا ستراخ أوفاني”، إضافة إلى نحو 180 ناقلة نفط.
وتصدر شركتا “غازبروم نفط” و”سورغوت نفط أي غاز” ما يصل إلى 800 ألف برميل من النفط يومياً، معظمها للصين والهند.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحسب الوثيقة المنسوبة لوزارة الخزانة الأميركية، والتي نقلت وكالة “رويترز” فحواها، فهناك فترة انتقالية حتى الـ12 من مارس (آذار) المقبل لإتمام التعاقدات السابقة على تصدير النفط الروسي تطبق بعدها العقوبات، ومع تطبيق العقوبات تصبح كل الأصول التابعة للشركات المستهدفة والموجودة في الولايات المتحدة أو تحت سيطرة أميركيين مجمدة.
وعدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين تلك العقوبات “إجراءات راديكالية ضد المصدر الأساس للدخل بالنسبة إلى روسيا”.
أما الحكومة البريطانية فأعلنت أن العقوبات استهدفت نحو مليون برميل يومياً من الصادرات النفطية الروسية، التي توفر لروسيا سنوياً 23 مليار دولار. وأضافت في بيان رسمي أن هذه الأرباح من شركتي “غازبروم نفط” و”سورغوت نفط أي غاز” تدعم المجهود الحربي لبوتين، وقد تطيل أمد الحرب.
لماذا العقوبات الجديدة الآن؟
يأتي الإعلان المتزامن للعقوبات الجديدة ما بين بريطانيا والولايات المتحدة خلال وقت تستعد الإدارة الديمقراطية للرئيس جو بايدن لتسليم السلطة إلى إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب الجمهورية الإثنين المقبل، إذ أراد بايدن توديع البيت البيض بإجراء قوي على خطى الدعم الأميركي المستمر منذ بداية الحرب لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
وتمثل العقوبات الجديدة ورقة ضغط إضافية يمكن أن يستخدمها ترمب في التفاوض مع بوتين، والذي كان وعد بوقف الحرب في أوكرانيا وحل الأزمة بصفقة مع الرئيس الروسي. فعلى رغم إنتاج روسيا الكبير من الغاز فإنها تعتمد في دخلها من صادرات الطاقة على بيع النفط أكثر من الغاز.
وربما أصاب بايدن عصفورين متناقضين بحجر واحد (العقوبات الجديدة المشتركة مع بريطانيا)، الأول أنه قام بإجراء مشترك مع الحليف المميز في لندن وأيضاً حافظ على خط دعم كييف حتى النهاية، وإن كان ذلك يساعد ترمب في محاولته تسوية الأزمة الأوكرانية إلا أنه أيضاً أدى إلى ارتفاع أسعار النفط في السوق، وتلك من أكثر الأمور حساسية لدى إدارة ترمب.
وكانت كل حزم العقوبات السابقة على قطاع الطاقة الروسي توازن بين الضغط على موسكو وعدم حدوث صدمة في السوق تؤدي إلى اشتعال الأسعار، لكن الإعلان الأخير تجاوز هذا التوازن التقليدي وترك مشكلة للإدارة الجديدة هي احتمال ارتفاع أسعار الوقود في محطات البنزين داخل الولايات المتحدة.
أما بالنسبة إلى حكومة “العمال” البريطانية بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر، فإن مشاركتها في العقوبات الأخيرة على تصدير النفط الروسي تشبه إلى حد كبير ما كان يفعله رئيس وزراء حكومة “المحافظين” السابقة بوريس جونسون، فقد كان جونسون “يزايد” على الأميركيين أحياناً (في الأقل بتصريحاته) في دعم أوكرانيا والتصدي لروسيا، وكلما كانت حكومته تواجه مشكلات داخلية يزيد من نبرة دعم أوكرانيا ومهاجمة موسكو.
وعلى رغم أن حكومة العمال لم تمض ستة أشهر في الحكم، فإنها بدأت تواجه كثيراً من المشكلات الداخلية، ويبدو أن ستارمر يتبع “تكتيك” جونسون بالهرب للأمام والتغطية على مشكلاته الداخلية، التي لا يبدو أنه يملك حلولاً لها بالتركيز على قضية خارجية هي حرب أوكرانيا، كما أن مشاركة لندن لواشنطن في العقوبات الأخيرة ربما توفر لستارمر فرصة للتواصل مع إدارة ترمب المقبلة بصورة أفضل، خصوصاً أن ترمب لا يكن كثيراً من الود للحكومة البريطانية الجديدة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية