الاستجابة المستمرة من جانب الجسم البشري للقلق تخفي في واقع الأمر ظاهرتين نفسيتين (وبيولوجية) مختلفتان. الأولى ــ دعنا نسميها «قلق النمو» ــ هي استجابة لتحديات غير مريحة ولكن يمكن التعامل معها. والأخرى ــ نسميها «القلق السام» ــ تنشأ من مواقف تتجاوز قدرة المرء على التعامل معها. وهذا يشبه الفرق بين العثور على تسرب مياه في منزلك، وبين خسارة منزلك في إعصار.
القلق الناتج عن النمو والقلق السام له تأثيرات مختلفة بشكل ملحوظ في أدمغتنا وأجسامنا. وعلى مدى العقد الماضي، اكتسب القلق – من أي نوع – سمعة سيئة باعتباره سببًا في تدمير الصحة. ويبذل الناس من جميع الأطياف قصارى جهدهم للهروب منه، من خلال الأدوية أو أنماط الحياة التي تعزز الهدوء. والواقع أن القلق السام قد يكون ضارًا بيولوجيًا ونفسيًا. ولكن القلق الناتج عن النمو قد يعزز الصحة والقدرة على الصمود، تمامًا كما قد تساعدنا التمارين البدنية على أن نكون أكثر لياقة.
السمة الأساسية للقلق المرتبط بالنمو هي أنه رغم كونه غير مريح، إلا أنه لا يتجاوز قدرة الشخص على التكيف. بشكل عام، يتبع أداء الشخص تحت الضغط دالة U المقلوبة: مع ارتفاع الضغط، يرتفع الأداء إلى الذروة، ثم ينخفض. تم وصف هذه العلاقة، التي تسمى قانون يركس/ دودسون، لأول مرة في عام 1908.
الشيء المذهل في قلق النمو هو أنه يمكن أن يعزز المرونة في العقل والجسم على حد سواء. تشير دراسات على الحيوانات ومن ثم البشر إلى أن تجربة الإجهاد القابل للسيطرة – مقارنة بالإجهاد الذي لا يمكن السيطرة عليه أو حتى عدم وجود إجهاد – يمكن أن تحمي الفرد من الآثار السلبية للضغوط الحالية والمستقبلية. ويرجع ذلك – على الأرجح – إلى أن القلق الحاد يؤدي لزيادة قصيرة في هرمونين للإجهاد (الكورتيزول والنورادرينالين). يدفع الكورتيزول الجسم إلى إطلاق الجلوكوز للحصول على الطاقة وتعزيز وظيفة المناعة. وفي الوقت نفسه، يزيد النورادرينالين، وهو قريب من الأدرينالين، من معدل ضربات القلب وضغط الدم، ما يعدك للهروب أو القتال، ويجعلك حاد التركيز. ولهذا السبب فإن المنشطات مثل (أديرال وريتالين)، التي تزيد من النورادرينالين بقوة أكبر من القلق اليومي، لها تأثيرات منشطة قوية.
الجميع تقريبا يعلمون من التجربة أن المشي بقلب ينبض بقوة، وعلى استعداد لتوجيه لكمة عند أول تهديد تراه، قد يكون أمرا غير مريح في تلك اللحظة. ولكن ما دامت هذه التأثيرات لا تدوم طويلا، فإنها قد تكون مفيدة بشكل جدي. إن جرعة قصيرة من الكورتيزول، إلى جانب استجابات فسيولوجية أخرى للإجهاد الحاد، يمكن أن تعزز الروابط بين الخلايا العصبية في الحُصين، وهي منطقة في الدماغ ضرورية للذاكرة والتعلم. وتشير نتائج الدراسات المستمدة من الفئران والبشر الذين يعانون من الإجهاد، إلى أن التعرض القصير للكورتيزول يمكن أن يمنع ظهور سلوكيات تشبه مرض الهلع أو اضطراب ما بعد الصدمة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الإجهاد المزمن والقلق الناتج عنه ليسا صحيين ولا مفيدين. فالارتفاع المستمر في مستويات الكورتيزول والنورادرينالين يمكن أن يزيد من فرص الإصابة بمرض السكري والسمنة وارتفاع ضغط الدم مع إضعاف الوظائف الإدراكية. وفي حين أن التحدي قصير الأمد يمكن أن يتسبب في نمو الخلايا العصبية في الحُصين، فإن التعرض المزمن للكورتيزول يمكن أن يؤدي إلى انكماشها. في دراسة أجريت عام 2009، تابع الباحثون عشرين طالب طب يتمتعون بصحة جيدة خلال الشهر الذي درسوا فيه الامتحان وهي الفترة التي عانوا فيها من إجهاد شبه مستمر. ووجد الباحثون أن الطلاب في مجموعة الامتحانات عالية الإجهاد كانوا أبطأ في اختبار المرونة الإدراكية، وكان لديهم اتصال وظيفي أقل في قشرة الفص الجبهي (المنطق الرئيس للدماغ) مقارنة بالمجموعة الضابطة. وعندما أعيد تقييم الطلاب بعد شهر من خضوعهم للامتحان، اختفت هذه التأثيرات السلبية.
في بعض الأحيان، لا يمكن تجنب القلق السام. يمكن أن تتسبب بيئات العمل والعلاقات الاجتماعية في إجهاد ضار لا هوادة فيه، في هذه الحالات، قد يتطلب العلاج العثور على وظيفة أو شريك مختلف. ويمكن للأشخاص الذين يعانون من قلق شديد في غياب أي عامل ضغط الاستفادة من التقييم الطبي لعلاج اضطراب القلق المحتمل.
ولكن بالنسبة لمعظم الناس، فإن تحويل (القلق السام) إلى (قلق النمو) هو في متناول اليد. كل واحد منا لديه حساسية مختلفة للتوتر في التحدي نفسه، مثل تقديم عرض أمام جمع من الناس، قد يكون مرعبًا لشخص ما ومثيرًا لآخر. ولكن بغض النظر عن مدى تحملك للتوتر، فإن حتى التدخلات الصغيرة – مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة الرياضة – يمكن أن تساعد في تحقيق نتائج مذهلة. لا ينبغي لنا أن نخشى قلق النمو أكثر من خشيتنا للألم الذي يأتي مع التمارين البدنية. يمكن أن يكون كلاهما غير مريح ولكنه يجعلنا أقوى على المدى الطويل.
نقلاً عن : الوطن السعودية