يشكل السجناء السوريون في لبنان شريحة واسعة من نزلاء السجون اللبنانية، وبلغ عددهم حتى وقت قريب وفق مصادر في وزارة الداخلية 2351 سجيناً، أي نحو 36 في المئة من السجناء في لبنان من الجنسية السورية، منهم 350 سجيناً صدرت في حقهم أحكام قضائية نهائية، بينما لا يزال الباقون قيد التوقيف أو المحاكمة، ويقبع معظمهم في سجن رومية المركزي (جبل لبنان). وتعد قضية هؤلاء السجناء من القضايا التي كثيراً ما أثارت جدلاً سياسياً وإنسانياً في لبنان، بخاصة في ما يتعلق بالظروف القانونية والإنسانية التي يعيشونها في السجون.
ينقسم الموقوفون السوريون في لبنان إلى فئتين، الأولى هم معتقلون لأسباب أمنية: تتعلق بدعم المعارضة السورية أو المشاركة في أحداث أمنية، والثانية هم موقوفون بتهم جنائية تشمل السرقة والاعتداءات أو الإقامة غير الشرعية. وتواجه السلطات اللبنانية انتقادات في شأن اعتقالها معارضي النظام السوري، وتشير تقارير حقوقية إلى أن سبب توقيف نسبة كبيرة من السوريين في لبنان تعود لكونهم من معارضي نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إذ تم تلفيق أدلة ضدهم وتقديمهم لمحاكمات صورية، إضافة إلى تعرضهم للتعذيب خلال الاستجواب، في حين تنفي جهات أمنية رسمية هذه الادعاءات موضحة أن تأخير المحاكمات وإطالة مدة توقيف كثر منهم مرتبط بالإرباك المؤسساتي الحاصل في لبنان، ولا سيما القضاء.
المرحلة الأولى
يبدو أن ملف السجناء السوريين الموقوفين في لبنان اقترب من خواتيمه بعد اللقاء الذي جمع قائد الإدارة السورية أحمد الشرع مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، والذي اتفق خلاله على معالجة القضايا العالقة بين البلدين من ضمنها تسليم الموقوفين السوريين في لبنان إلى السلطات السورية، في حين تؤكد المعلومات أن وزارة الداخلية اللبنانية بدأت بالتنسيق مع وزارة العدل دراسة ملفات وأعداد السجناء السوريين، وتحديد الأشخاص الذين ينطبق عليهم قرار الترحيل إلى سوريا، كما أن هناك سعياً إلى تسريع الإجراءات القانونية لإنجاز هذا الملف.
وبحسب المعلومات ستقتصر المرحلة الأولى من عملية الترحيل على السجناء السوريين المحكومين وعددهم 350 سجيناً، في خطوة تتماشى مع الاتفاقية القضائية الموقعة بين لبنان وسوريا عام 1951، ووفق المعطيات، وفي حال قرر قاضي التحقيق أو المحكمة إخلاء سبيل أي سجين سوري، فيمكن تسليمه إلى الأمن العام اللبناني لترحيله إلى سوريا، شرط ألا يشكل ذلك خطراً على حياته.
ووسط المطالبة بتسريع وتيرة المحاكمات وإصدار الأحكام، تصبح الدولة اللبنانية قادرة على تسليم السجناء السوريين إلى بلادهم بعد التواصل مع السلطات السورية المعنية لاستكمال الإجراءات القانونية في حقهم.
“الجيش السوري الحر”
وفي السياق كشف الصحافي المتخصص في الشؤون القضائية يوسف دياب عن أن لجنة خاصة تم تشكيلها من قبل وزارة الداخلية للتعاون مع إدارة السجون بهدف دراسة ملفات السجناء السوريين وتحديد الأعداد التي ستستفيد من قرار الترحيل. وأضاف أن هذه اللجنة ستقوم بإعداد تقرير مفصل سيرفع إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار النهائي. ولفت إلى أنه على رغم وجود تواصل سابق مع دمشق في عهد بشار الأسد، “لم يكن هناك تجاوب من قبل النظام آنذاك. لكن اليوم، مع التغيير الحاصل في النظام السوري، طلبت الجهات السورية تسليم الموقوفين السوريين الموجودين في لبنان، مما يعكس تغيراً في الموقف من الطرف السوري”.
وفي ما يتعلق بالأسباب التي أدت إلى توقيف عديد من هؤلاء السجناء أكد دياب أن “العدد الكبير من الموقوفين السوريين تم لأسباب أمنية بعد اندلاع الثورة السورية، إذ تم إخضاع بعضهم للمحكمة العسكرية، منهم من صدر في حقهم أحكام، وكان هؤلاء يتهمون بالقيام بأعمال إرهابية وأمنية”. وأوضح دياب أن عديداً من هؤلاء الموقوفين كانوا جزءاً من ” السوري الحر” أو من المعارضة السورية. وأكد أن من سيتم استثناؤهم من الترحيل هم أولئك الذين عليهم دعاوى شخصية، مثل قضايا السرقة، “فهؤلاء لن يتم تسليمهم قبل تسوية تعويضات المواطنين اللبنانيين المتضررين، أما بالنسبة إلى الآخرين الذين ما زالوا موقوفين، فيمكن تسليمهم للسلطات الأمنية اللبنانية لترحيلهم إلى سوريا بعد انتهاء مدة التوقيف الاحتياط”.
“الثورة السورية”
من جانبه أوضح مدير مركز “سيدار” للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح أن “ملف السجناء السوريين بدأ منذ بداية الثورة السورية، وتم تصنيف أي شخص يقف ضد النظام السوري على أنه متهم بالإرهاب”. وأضاف أن هذا التصنيف طاول عديداً من الأشخاص الذين كانوا جزءاً من “الجيش السوري الحر” أو من معارضي للنظام، “على رغم أن هذا الجيش غير مصنف إرهابياً في معظم دول العالم”. وأشار إلى أن القضاء العسكري في لبنان كان قد صنف هؤلاء الأشخاص على أنهم إرهابيون بسبب حربهم ضد “حزب الله”.
وتحدث صبلوح عن الظروف القاسية التي يعانيها السجناء السوريون، مشيراً إلى “وجود تعذيب واسع في السجون”. وأوضح أن عديداً منهم تعرضوا لأساليب غير إنسانية لاستخراج الاعترافات بالقوة. وأشار إلى تقرير أعدته “منظمة العفو الدولية” عن هذه الانتهاكات مؤكداً أن “التعذيب الذي يتعرض له السجناء السوريون في لبنان مشابه لما يحدث في سجون النظام السوري”.
وتناول صبلوح قضية المحاكمات غير العادلة في لبنان، مشيراً إلى أن “القضاء العسكري لا يحاسب مرتكبي جرائم التعذيب بصورة جدية”. وأكد أن “عديداً من المتهمين حوكموا بناءً على تهم غير دقيقة أو بسبب توجهاتهم السياسية فقط”، وذكر مثالاً عن أحد السجناء الذي تعرض للتعذيب القاسي، إذ رفضت المحكمة العسكرية النظر في تقرير طبي يؤكد التعذيب الذي تعرض له.
وعن ملف ترحيل السجناء السوريين أشار صبلوح إلى أن “الحكومة اللبنانية بدأت تتحرك في هذا الملف بعد فترة من المماطلة، وتم تشكيل لجنة لدراسة ملفات السجناء السوريين”، وعلى رغم أن بعض السجناء السوريين قد صدرت في حقهم أحكام نهائية، فإن صبلوح رأى أن هذه الخطوة قد تكون محاولة لتخفيف الضغط عن السجون، لكنه حذر من أن هذه الإجراءات قد تكون أيضاً “وسيلة للمتاجرة بالملف أمام المجتمع الدولي”. وكشف عن “استغلال سياسي لهذه القضية”، لافتاً إلى أن بعض السياسيين اللبنانيين قد يستخدمون ملف السجناء السوريين كوسيلة للضغط على المجتمع الدولي للحصول على مساعدات مالية، متسائلاً “لماذا لم يتم ترحيل هؤلاء السجناء إلى سوريا حتى الآن؟”. وأضاف أن الإدارة السورية الجديدة مهتمة بهذا الملف، لكنها في حاجة إلى ضمانات قانونية لعدم تعرض السجناء للإساءة أو التعذيب بعد عودتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضغط الأهالي
وتزايدت الضغوط أخيراً على السلطات اللبنانية من قبل الأهالي في قضية الموقوفين السوريين في سجون لبنان، حيث نظم عديد منهم احتجاجات أمام “قصر العدل” في بيروت، مطالبين بتسليم المعتقلين السوريين إلى الدولة السورية، ووجه الأهالي رسالة إلى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع طالبوا فيها بتسليم المعتقلين إلى السلطات السورية، مشيرين إلى أن هؤلاء الموقوفين يقبعون في سجون لبنان منذ عام 2013 من دون أي أفق لحل قضاياهم. ووفقاً للمحتجين، فإن النظام اللبناني كان قد وعد سابقاً بتسليم السجناء السوريين إلى بلادهم في وقت مبكر، إلا أن الأمر تأخر بصورة كبيرة.
وأبدى الأهالي استياءهم من بقاء المعتقلين في سجون لبنان طوال هذه السنوات من دون الإفراج عنهم أو محاكمتهم، مشيرين إلى أنه، في السابق، كان هناك وعد من الحكومة اللبنانية بتسليم هؤلاء المعتقلين إلى السلطات السورية، وهو ما لم يتم حتى الآن، علماً أنهم لا يسعون إلى الحصول على عفو عن المساجين بصورة عامة، بل يطالبون فقط بتسليم المعتقلين السوريين إلى بلدهم.
أزمة الاكتظاظ
وترى بعض الأوساط الأمنية أن ترحيل السجناء السوريين إلى سوريا يشكل خطوة مهمة نحو تخفيف أزمة الاكتظاظ في السجون اللبنانية، وهو ما سيسهم في تحسين وضع السجون، كما يساعد في تسريع المحاكمات وتخفيف الضغط على النظام القضائي، لا سيما أن السجون اللبنانية تعاني أزمة اكتظاظ غير مسبوقة نتيجة العدد الكبير من السجناء الموجودين داخلها، مما يسبب تدهوراً في الظروف الإنسانية للسجناء.
وتصل السعة القصوى للسجون اللبنانية إلى ما يقارب 7 آلاف سجين، لكن وفقاً للتقارير الرسمية، يبلغ عدد السجناء في لبنان حالياً بين محكومين وموقوفين ما بين 11 و12 ألف سجين، ثلثهم من السوريين، مما أدى إلى تدهور الظروف الصحية للمساجين، إذ يصعب توفير الرعاية الصحية اللازمة للسجناء، وصولاً إلى تزايد التوترات داخل السجون بسبب ضيق المساحات وازدحام الزنازين. علاوة على ذلك، يؤدي الاكتظاظ إلى ضغط إضافي على الكوادر الأمنية والإدارية في السجون، مما يفاقم من المشكلات الإدارية والتنظيمية.
وتخفيف الضغط عن السجون لا يعني فقط تحسين الظروف المعيشية داخلها، بل يخفف من العبء على القضاء اللبناني الذي يعاني بالفعل تراكم القضايا، إذ إن أكثر من 80 في المئة من السجناء في لبنان هم موقوفون من دون محاكمة، مما لا يؤثر فقط في حياة السجناء الذين يظل مصيرهم معلقاً لفترات طويلة، بل يزيد أيضاً من العبء على القضاة والمحامين وموظفي المحكمة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية