أجبرت الانتفاضة الشعبية في تونس، في يناير (كانون الثاني) 2011، وبعد أربعة أسابيع من الاحتجاجات، الرئيس الراحل زين العابدين بن علي على مغادرة البلاد بعد حكم استمر 23 سنة، حيث بدأت بإحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجاً على استهداف مصدر رزقه من قبل الشرطة البلدية بمحافظة سيدي بوزيد وسط تونس، ثم توسعت وانتقلت إلى مدن ومحافظات أخرى، منددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع البطالة، لكن بعد 14 سنة من الثورة لا تزال الشعارات والمطالب نفسها ترفع يومياً.

عدم تغير الأوضاع إلى الأفضل جعل فئة من التونسيين يحنون إلى أيام ما قبل يناير 2011 ومنهم موظف حكومي يعتبر أن “الأحزاب التي أمسكت بزمام الأمور بعد الثورة بددت أحلام التونسيين في تونس أفضل، وجعلتها بلداً يفر منها الشباب للبحث عن آفاق أرحب”. ويضيف “لا يمكن أن نعتبر ما حدث ثورة إذا لم تكتمل كل أهدافها وأهمها تحقيق الكرامة الاجتماعية وتحسين الوضع الاقتصادي”.

شغل حرية كرامة وطنية

أما آمال عمار طبيبة بأحد المستشفيات الحكومية فتقول إن “الوضع تدهور بعد 2011 حتى إن المستشفيات لم تعد ذلك المكان الآمن”، مستدركة، “صحيح أن التغيير السياسي مهم من أجل ضمان الحرية لكن أيضاً لا بد من حكومة قوية تفرض تغييرات سياسية حقيقية تهم التونسيين وتغير حالهم الاجتماعي للأفضل”، معتبرة أن “تونس قبل 2011 كانت أفضل من الناحية الأمنية ومن ناحية المعيشة، وبالإمكان إرجاع تونس أفضل مما كانت عليه إذا توافرت الإرادة والعزيمة”.

وتعيش تونس منذ ثورة يناير 2011 مصاعب عدة على جميع الصعد، السياسية والاقتصادية والأمنية، وصلت إلى حد فرض الرئيس الحالي قيس سعيد إرادته وإبعاد كل الأحزاب التي اعتبرها الشعب التونسي السبب الرئيس في تدهور الأوضاع، إلا أن المطالب الشعبية نفسها لا تزال قائمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا السياق، يعتقد الصحافي بسام حمدي أن “الشعارات والمطالب التي رفعها التونسيون عام 2011 ما زالت قائمة إلى اليوم  ولا يزالون يطالبون بالشغل والحرية والكرامة الوطنية على رغم تغير الشخصيات السياسية والتداول على أعباء الحكم”، معتبراً أن الوضع في تونس يحتاج إلى ثورات اقتصادية وتشريعية من أجل تغييره جذرياً نحو الأفضل.

ولذلك وبحسب حمدي فإن “جزءاً كبيراً من التونسيين يعتبر أن هذه الثورة لم تحقق مكاسبها، وكذلك جزء آخر منهم يرون أنه كان بالإمكان منح الفرصة للرئيس الراحل زين العابدين بن علي للإصلاح أفضل من التغيير الكلي، وهذا ما يفسر وجود فئة كبيرة من المجتمع تحن إلى فترة حكم بن علي”، مستدركاً “لكن جزءاً آخر يرى أنه لا يمكن المقارنة بين حكم بن علي وبعده بخاصة في مجال الحريات، إلا أن التجربة أظهرت أن الشأن الاقتصادي والاجتماعي هي المجالات التي تهم التونسيين وتؤثر مباشرة في جودة الحياة”، مضيفاً “التونسيون اليوم يملون كثرة التجاذبات السياسية ويعتبرونها سبباً في الفشل الاقتصادي وخلق مناخ اجتماعي متوتر”.

أيام بن علي

من جهتها، تؤكد الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي أن فئة كبيرة من التونسيين يحنون في الحقيقة إلى السلم الاجتماعي وإلى الأوضاع الاقتصادية المستقرة وإلى أن تكون القدرة الشرائية في متناول الجميع، وليس لنظام بن علي في حد ذاته، قائلة “اليوم للأسف نعيش وضعاً صعباً بخاصة من الجانب الاقتصادي وغلاء المعيشة وتصاعد مستوى الجريمة الذي أسهم في مخاوف أمنية”.

وتضيف الجلاصي أن “سنوات ما بعد الثورة أثبتت أن التونسيين لا يحبون الزبونية وحكم الأحزاب الذين حكموا البلاد بكثير من المصالح الحزبية والمحاصصة الشيء الذي أثر مباشرة في حياتهم من الجانب الاجتماعي والاقتصادي، حيث فشلت هذه الأحزاب في تحقيق ما يرنو إليه التونسيون من شغل وحرية وكرامة وطنية، وهذا ما يفسر انتخابهم وبنسبة كبيرة لقيس سعيد باعتباره بعيداً من الأحزاب وباعتباره إنساناً وطنياً غايته الوحيدة تطوير البلاد وليست مصالح شخصية أو حزبية”.

يقول الباحث في التاريخ والمحلل السياسي محمد ذويب، “بعد الثورة بفترة قليلة كانت الأصوات التي تتأسف على نظام بن علي خافتة جداً لكن اليوم أصبحت هذه الأصوات عالية وتعلن بكل ثقة بالنفس أن الأوضاع في عهد بن علي كانت أفضل مما عليه بعد الثورة”، مضيفاً “للأسف هذا هو الواقع”، موضحاً “كل المؤشرات الاقتصادية تظهر جلياً أن الوضع كان أفضل”.

ويرى ذويب أن “نجاح حزب نداء تونس بعد الثورة وتصاعد أسهم حزب الدستوري الحر إلى حدود 25 يوليو (تموز) 2021 يؤكد أن التونسيين يحنون إلى الوجوه التجمعية أي الشخصيات السياسية المنتمية سابقاً إلى الحزب الحاكم في عهد بن علي”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية