بينما كان قادة العالم والرؤساء التنفيذيون يضعون اللمسات الأخيرة على استعداداتهم لحضور الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، كانت الحرائق في لوس أنجليس تثير صدمات في العالم المالي، وكانت صور مدينة لوس أنجليس الثانية من جهة الحجم في أميركا مشتعلة بمثابة تذكير حي بالتهديدات المتزايدة التي يشكلها تغير المناخ.

وكانت شركات التأمين تستعد لخسائر بمليارات الدولارات، بينما كانت هوليوود تحذر من تعطيل جداول الإنتاج، وكانت المدن حول العالم تعيد تقييم هشاشتها أمام هذه الأخطار.

كان القادة الاقتصاديون والسياسيون المتوجهون إلى دافوس يستعدون لأسبوع من المناقشات حول كيفية التكيف مع عالم دافئ في وقت يواجهون فيه واقعين جديدين، الأول هو أن العالم يعيش أعلى درجات حرارة سجلت على الإطلاق، والثاني هو أن دونالد ترمب سيعود رئيساً للولايات المتحدة.

لقد أصبحت درجات الحرارة أمراً لا مفر منه، بعد تسجيل عام 2024 كأدفأ عام في التاريخ، وشهدت الأعوام الـ10 الأخيرة تسجيل أعلى 10 درجات حرارة على الإطلاق، في حين حدد المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع الطقس القاسي كأحد أبرز الأخطار العالمية في الأعوام المقبلة.

وحتى وإن لم يكن ترمب حاضراً شخصياً في “دافوس”، فإن حضوره سيكون محسوساً، إذ إنه من المتوقع أن يلقي خطاباً عبر الفيديو الخميس المقبل، مما يزيد من تعقيد المناقشات المطروحة.

تداعيات الإدارة الثانية لترمب

وقال الرئيس التنفيذي لشركة “سيلزفورس” وأحد المشاركين الدائمين في الاجتماع السنوي مارك بنيوف إلى صحيفة “نيويورك تايمز” إن “ترمب هو قوة جاذبية لا تفلت من دافوس، فلن يتحدث دافوس إلا عن شيء واحد، وهو ترمب رئيس للولايات المتحدة وما يعنيه ذلك للعالم”.

وقال المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا جايسون بوردوف “من المؤكد أن انسحاب الولايات المتحدة من عملية باريس ومن الأهداف المناخية ومن التعاون المتعدد الأطراف في هذه القضايا ليس مفيداً، وهذا سيكون له تأثير في قدرة بقية العالم على التصعيد وزيادة الطموحات”.

وقال نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور، في مقابلة مع الصحيفة نفسها “سأبذل قصارى جهدي لضمان أن يكون المناخ جزءاً كبيراً من التركيز”، مستدركاً “لكن كثيراً من الذين يحضرون ’دافوس‘ سيكونون ممزقين، إنهم يحاولون فهم جميع هذه التغيرات في البيئة الجيوسياسية”، مضيفاً أنهم “يحاولون أن يتلمسوا الطريق لفهم مدى تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهم قلقون في شأن الاقتصاد الصيني ويبحثون عن أي إشارات لفهم كيفية تفسير بعض التصريحات الحادة التي أدلى بها ترمب”.

وتوقع آل غور أن يطلق ترمب سلسلة من الأوامر التنفيذية في أول يوم له في المنصب، بما في ذلك التي ستستهدف حماية البيئة، مضيفاً “حقيقة أن أول يوم في منصب ترمب سيكون أيضاً أول يوم من ’دافوس‘ ستجعل الوضع مثيراً”.

وكان بنيوف أكثر تفاؤلاً بأن ترمب سيكون مستعداً للعمل مع الشركات والدول الأخرى لمعالجة القضايا البيئية.

وقبل خمسة أعوام في “دافوس”، في آخر عام من ولاية ترمب الأولى، عمل بنيوف مع الرئيس على وضع خطة لزرع تريليون شجرة.

من المؤكد أن أولويات الإدارة المقبلة ستشكل الحوار في “دافوس”، ففي العام الماضي كانت قضايا المناخ في مؤخرة جدول أعمال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، ومن المرجح أن تكون الحال نفسها هذا العام، على رغم جهود بعض المدافعين البيئيين المخلصين.

ولكن ما يعنيه ذلك للعالم ما زال غير واضح، فحتى قبل أن يتولى منصبه، يضفي ترمب مستوى جديداً من عدم اليقين على الساحة العالمية من خلال تقويض التحالفات الطويلة الأمد ورفع المخاوف من حروب تجارية جديدة من خلال تهديداته بفرض تعريفة جمركية مرتفعة.

ومع ذلك فإن تداعيات الإدارة الثانية لترمب على المناخ أكثر وضوحاً، بعدما دعا ترمب إلى التوسع السريع في الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز والفحم، وتعهد بتقليص الاستثمارات في الطاقة النظيفة التي أولتها إدارة بايدن الأولوية، أيضاً قال إنه سينسحب من اتفاق باريس للمناخ، وهو تعهد دولي لمحاولة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

“مخاطرة أخلاقية”

وقال بنيوف هذا العام إنه يأمل في إشراك ترمب في جهد لحماية محيطات العالم، لقد كانت درجات حرارة المحيطات حول العالم غير مفسرة وساخنة لأكثر من عام حتى الآن، مما أدى إلى تبييض الشعاب المرجانية وأربك العلماء.

وأضاف “آمل في أن تكون المحيطات شيئاً يمكننا الحصول على دعم حزبي لها”، موضحاً أن جهوده للعمل مع إدارة بايدن في هذا المسعى قوبلت بالرفض، وأنه لا يزال يأمل في أن يكون ترمب شريكاً راغباً في هذه القضية.

عملية تغير المناخ لا يمكن معالجتها بحلول جزئية، فقد أكد العلماء لعقود أن الطريقة الوحيدة لوقف ارتفاع درجة حرارة الأرض هي تقليل كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يطلقها البشر في الغلاف الجوي كل عام.

وتأتي معظم هذه الانبعاثات من حرق الوقود الأحفوري، الذي لا يزال يشكل الغالبية العظمى من إنتاج الطاقة في العالم، وعلى رغم أن كمية الكهرباء المتجددة في ازدياد سريع، فإن الانبعاثات العالمية لا تزال لا تنخفض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت نفسه ومع زيادة الطلب العالمي على الطاقة، وطلب التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي لمزيد من الكهرباء، فإن إنتاج الوقود الأحفوري أيضاً في ازدياد.

لذا استجابة الولايات المتحدة في مثل هذه اللحظة يعد أمراً مهماً، فإذا كانت إدارة ترمب المقبلة ستسرع في جهودها لإنتاج الطاقة النظيفة فقد يكون بقية العالم أكثر ميلاً إلى تقليدها، ولكن إذا تمسكت الولايات المتحدة بالوقود الأحفوري فقد يؤسس ذلك سابقة خطرة.

وقالت نائبة رئيس “كاربون دايركت” نيلي غيلبرت، وهي شركة تساعد الشركات على خفض انبعاثاتها “القيادة الأميركية مهمة، إذ يقول البعض إذا كان بلد مثل الولايات المتحدة لا يفعل ذلك، فلماذا يجب علينا أن نفعل؟”.

في حين أن بعض المناطق أكثر احتمالاً من غيرها لمواصلة الجهود لزيادة إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حتى إذا تراجعت الولايات المتحدة عن أهدافها المناخية، وعلى مدى الأعوام الأخيرة، أثناء حرب أوكرانيا، كان الاتحاد الأوروبي يسعى إلى الابتعاد عن الغاز الروسي.

وقالت غيلبرت “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيظل مخلصاً لمساره، فهذه فرصة لهم للتمسك بما التزموه والسعي إلى تكثيف الجهود”.

الذكاء الاصطناعي وتحسين كفاءة الطاقة

وفي العام الماضي، أنتجت طاقة الرياح والطاقة الشمسية في أوروبا كهرباء أكثر من الوقود الأحفوري للمرة الأولى، والصين لا تظهر أي إشارات على تراجع جهودها في تبني الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، وتعتبر الصين هي مركباً للألواح الشمسية وأكبر مصدر للألواح والأجزاء.

وأعرب بنيوف عن تفاؤله أيضاً بأن العلاقات ما بين واشنطن وبكين ستتحسن تحت حكم ترمب، على رغم التصعيد في التصريحات، والنزاعات التجارية، والتوترات المتعلقة بسيادة تايوان، متوقعاً علاقة أفضل بكثير ما بين الولايات المتحدة والصين، إذ يعتقد أن الصين ستستمر في متابعة أهدافها المناخية.

وأضاف “هم في طريقهم ليكونوا، أعتقد، أول دولة ستكون متجددة تماماً، وسيكونون قيادة ضخمة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطبيق هذه التقنيات المتجددة، ونأمل في أن يغلقوا محطات الفحم لديهم”.

بينما تحتضن الصين بالفعل الطاقة الشمسية، فإنها أيضاً أكبر مستهلك للفحم في العالم، وهو من بين أكثر الوقود الأحفوري تلوثاً.

وعن ذلك قال جيسون بوردهوف “هناك كثير من الزخم وراء الطاقة النظيفة، وهذا رائع، ولكن لا يكفي تقريباً لتحقيق أهدافنا”، مضيفاً “في نهاية اليوم، سيكون من الضروري جهود منسقة من الدول حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتقليص الانبعاثات بصورة حقيقية”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية