من المفارقة أنه بينما يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لحفل تنصيبه وعودته إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض خلال ساعات، يعاني الجناح الغربي من الولايات المتحدة حرائق غير مسبوقة يلعب فيها تغير المناخ دوراً أساساً، إذ أدت موجة الجفاف الطويلة والرياح القوية إلى خلق ظروف قاسية أدت إلى تأجيج حرائق الغابات المدمرة داخل منطقة لوس أنجليس في كاليفورنيا، والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ، القضية التي ينكرها ترمب ويصفها بأنها “كذبة صينية”. 

خلال فترة ولايته الأولى، تنصل ترمب لللوائح المناخية وسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس الدولي للمناخ، وهي الخطوة التي تعهد تكرارها بعدما أعاد خلفه الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن بلاده للاتفاق. 

وطوال حملته الانتخابية عام 2024، واصل ترمب مهاجمة العمل المناخي واعتمد شعار “احفر يا عزيزي، احفر” التي تشير إلى سعيه إلى تخفيف القيود البيئية وزيادة الإنتاج النفطي المحلي، إذ من المتوقع أن ينهي الإيقاف الموقت لتصاريح تصدير الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى الإعلان عن رغبته في “إنهاء” الإنفاق على ما يسمى “الصفقة الخضراء الجديدة”، التي تتعلق بخطة مناخية تستهدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة إلى الصفر، من خلال اتباع مجموعة من السياسات الاقتصادية والاستثمارية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثمة قلق واسع يتزايد في الأوساط المعنية بالمناخ في شأن عودة ترمب إلى البيت الأبيض، إذ وجد تحليل أجراه موقع “كاربون بريف” المعني بقضايا المناخ، داخل المملكة المتحدة، أن انتخاب ترمب قد يؤدي إلى 4 مليارات طن إضافية من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (GtCO2e) من انبعاثات الولايات المتحدة بحلول عام 2030 مقارنة بخطط بايدن، خلال وقت يحتاج فيه العالم إلى خفض الانبعاثات الحالية إلى النصف بعد خمسة أعوام من الآن، أي تقريباً بنهاية إدارة ترمب. 

وتاريخياً، تعد الولايات المتحدة أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإجمالي تراكماتها بين عامي 1913 و2013 يتجاوز 10 أضعاف الهند، بينما في المستويات الحالية تعد الصين أكبر ملوث باعتبارها أكبر مصدر في العالم للانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، بنحو أكثر من الربع على مستوى العالم، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن معهد الموارد العالمية، وهي أكبر مستهلك للفحم (أكثر مصادر الطاقة تلوثاً) في العالم.

لكنها في المقابل أكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة، ووفقاً للإحصاءات الدولية أصدرت الصين ما يقارب ضعفين ونصف ضعف انبعاثات الولايات المتحدة عام 2019، بنصيب 27 في المئة من حصة الانبعاثات العالمية، تليها الولايات المتحدة بـ11 في المئة، ثم الهند والاتحاد الأوروبي بـ3.4 و3.3 في المئة على التوالي، تليها إندونيسيا وروسيا والبرازيل واليابان بحصص أقل من اثنين في المئة لكل منها، وأخيراً إيران والسعودية بأقل من واحد في المئة.

الوقود الأحفوري

يؤيد ترمب بشدة الوقود الأحفوري، وخلال حملته الانتخابية أفادت تقارير صحافية بأنه طلب مساهمات بمبلغ مليار دولار من أقطاب صناعة النفط في الولايات المتحدة، مقابل وعود بأنه سيتراجع عن القواعد التنظيمية البيئية التي تقيد عمليات الحفر والتنقيب عن النفط إذا عاد إلى البيت الأبيض. وقال الرئيس المنتخب إنه سيلغي الحظر الذي فرضه سلفه على إصدار تصاريح جديدة بالتنقيب عن النفط البحري، ورشح الرئيس التنفيذي لشركة “ليبرتي إنرجي” كريس رايت، الذي اتهمه السيناتور الديمقراطي جيف ميركلي بتأجيج المعلومات المضللة المتعلقة بالمناخ، لرئاسة وزارة الطاقة.

ووفق رئيس قسم السياسة الدولية في جامعة برمنجهام ديفيد أتش دون فإن تركيز ترمب على الطاقة والبيئة يعد ركيزة أساس في تفكيره الاقتصادي. ويوضح أن هيمنة الطاقة على برنامجه تبدأ في الداخل، إذ وعد الرئيس المنتخب مراراً وتكراراً بخفض كلف الطاقة للشعب الأميركي بنسبة 50 في المئة خلال عامه الأول، ويعتقد ترمب أن المفتاح هو وفرة العرض التي ستتحقق من خلال تفكيك ما يعده تنظيماً وبيروقراطية غير ضروريين، مما يفتح فرصاً جديدة للإنتاج.

والولايات المتحدة هي بالفعل أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، ومنذ عام 2023 أصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال. وبلغت الصادرات مستويات قياسية خلال عام 2024، إذ تشير بيانات تتبع السفن لشركة “كبلر” إلى شحن 86.9 مليون طن، أي أكثر بـ720 ألف طن على العام السابق. ومع ذلك، فإن الرئيس المنتخب يرغب في تصدير الغاز المسال بمستوى غير مسبوق لتكون له اليد العليا على الدول المنتجة للنفط الأخرى. 

ويستند جزء كبير من استراتيجية ترمب لضح مزيد من الطاقة على ممارسة عملية التكسير الهيدروليكي المثيرة للجدل. وخلال عام 2023، أضاف التكسير الهيدروليكي ما يقارب 3 مليارات برميل من النفط الخام إلى إنتاج الولايات المتحدة، بنحو 64 في المئة من إجمال إنتاج البلاد. ووفق خبراء تحدثوا إلى “يورو نيوز” فإن التكسير الهيدروليكي هو أحد أكثر الطرق تأثيراً في البيئة لاستخراج الوقود الأحفوري، إذ يمكن للمواد الكيماوية المستخدمة أن تلوث مياه الشرب، ويتم إطلاق غاز الميثان وملوثات الهواء الأخرى، ويمكن أن تؤدي العملية حتى إلى حدوث زلازل طفيفة. ومع ذلك يشير آخرون إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك البنية الأساس اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي المسال بالحجم الذي يتوقعه ترمب. 

الانسحاب من اتفاق باريس

ثمة ترقب دولي لأول القرارات التنفيذية التي سيتخذها ترمب خلال الأشهر الأولى لولايته، والتي سيكون من بينها قراراته البيئية، إذ من المتوقع أن يعيد انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ، العملية التي ستستغرق نحو عام من وقت تفعيل ترمب لها، مما يعني أن الولايات المتحدة ستظل جزءاً من اتفاق باريس عندما تعقد محادثات المناخ “كوب 30” في البرازيل خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. 

وأفادت تقارير إعلامية بأن فريق ترمب يفكر أيضاً في محاولة أكثر جرأة تتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ (UNFCCC)، وهي الأداة التي تدعم العمل المناخي العالمي. وفي حين أن الانسحاب من ميثاق باريس سيكون مباشراً من الناحية القانونية، فإن الخبراء منقسمون حول ما إذا كان ترمب قادراً على سحب الولايات المتحدة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ، دون موافقة مجلس الشيوخ. 

وفي مستهل ولايته الأولى عام 2017 عندما أعلن ترمب أن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق باريس، شن هجوماً عنيفاً على صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة ورفض تقديم أي جزء آخر من تعهد بقيمة 3 مليارات دولار للصندوق، قدمه سلفه باراك أوباما.

وقالت رئيسة السياسة المناخية الدولية في مركز التقدم الأميركي فرانسيس كولون للصحافيين هذا الأسبوع، إن دور واشنطن في مؤتمر الأطراف الـ30 “غير واضح”. وأضافت “سيبذل الدبلوماسيون قصارى جهدهم، لكن سيتعين عليهم معرفة ما إذا كان البيت الأبيض مهتماً على الإطلاق بالمشاركة في محادثات مؤتمر الأطراف، وهذا لا يزال سؤالاً مفتوحاً”.

الانسحاب من اتفاق باريس يعني أن الولايات المتحدة لن تضطر بعد إلى الإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي كل عام، وستكون لديها مسؤوليات قانونية أقل لتوفير التمويل المناخي للدول النامية لتبني الطاقة النظيفة والتكيف مع التغيرات المناخية. وفي هذا الصدد، قال المدافع البارز عن التمويل المناخي الدولي في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في نيويورك جو ثويتس، إن إدارة ترمب من المتوقع أن تحاول خفض توفير التمويل المناخي الدولي في كل مكان تستطيعه، لكن هذا لا يعني أن التمويل سينخفض ​​إلى الصفر.

تمويل العمل المناخي

ويتوقع مراقبون في واشنطن ألا تدفع الولايات المتحدة 4 مليارات دولار مدينة بها الآن لصندوق المناخ الأخضر، بعد أن قدمت إدارة بايدن وعداً بضخ مزيد. ومع ذلك، ربما يصرف بعض الأموال المخصصة إذا أبقى الكونغرس على موافقته لتمويل المنظمات، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومرفق البيئة العالمية التي تدعم مشاريع المناخ في الخارج. وقال ثويتس “الأمر لا يتعلق فقط بما يريده ترمب، وفي المرة الأخيرة رأينا ذلك كثيراً… لم يحصل على ما يريده”.

بلغت مخصصات التمويل المناخي الدولي نحو 600 مليون دولار سنوياً عندما كان ترمب في منصبه سابقاً. وهذا بعيد كل البعد من نحو 11 مليار دولار سنوياً التي وُفِّرت بحلول نهاية إدارة بايدن، لكن المدافعين يخططون مرة أخرى للضغط بقوة لضمان عدم وقف الضخ. وقال ثويتس إن التمويل المناخي الدولي “استثمار حيوي”، لافتاً إلى أن هناك أبعاداً تتعلق بالمصلحة الذاتية للغاية حول سبب رغبة الولايات المتحدة في الاستمرار بتقديم هذا النوع من التمويل، ومن المرجح أن يستمر الشركاء المهمون جيوسياسياً مثل الدول الجزرية الصغيرة النامية في المطالبة بذلك كأولوية.

ويقول مراقبون إن العالم أصبح الآن أكثر استعداداً لرئيس أميركي متشكك في المناخ، مقارنة بالصدمة خلال عام 2016. فخلال مؤتمر “كوب 29” في باكو، جرى الاتفاق على احتساب كل التمويل القادم عبر البنوك المتعددة الأطراف نحو الهدف المتمثل في توفير تمويل حكومي بقيمة 300 مليار دولار سنوياً، لتمويل العمل المناخي بحلول عام 2035، مما يعني أن المساهمات التي قدمتها الولايات المتحدة يمكن تضمينها في الإجمالي، حتى لو انسحبت من اتفاق باريس. وتُشجَّع الاقتصادات الناشئة الأكثر ثراء مثل الصين على تقديم مساهمات طوعية، مما قد يساعد في تعويض أي عجز بسبب الولايات المتحدة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية