غالباً ما تروى قصة بروك شيلدز من منظور عمرها. كانت لا تزال رضيعة في شهرها الـ11 عندما شاركت في أول إعلان لها لصابون “آيفوري”. وعند بلوغها الـ11، أدت دور فتاة صغيرة تعمل في الدعارة في فيلم “طفلة جميلة” Pretty Baby للمخرج لويس مال عام 1978. وفي الـ14 من عمرها، ظهرت مع كريستوفر أتكينز، الذي كان في الـ18 من عمره، في فيلم “البحيرة الزرقاء” The Blue Lagoon، حين جسدا دوري ابني عم عالقين في جزيرة نائية، يكتشفان معاً أسرار النضوج والجنس. وعندما أصبحت في الـ15، لعبت دور مراهقة أسيرة مشاعر الرغبة في فيلم فرانكو زيفيريلي “حب لا ينتهي” Endless Love. وفي العام نفسه، أبهرت الجميع بإعلانها الأول لسروال جينز من تصميم كالڤن كلاين، حين قالت أمام الكاميرا بجرأة لا تُنسى جملتها الشهيرة: “أتريدون معرفة ما الذي يفصل بيني وبين سروال كالڤن الذي أرتديه؟ لا شيء”.
تقديم قصة شيلدز بهذا الشكل يبرز كم كانت صغيرة عندما عاشت هذه المحطات المفصلية، وكم كانت شابة حين أصبحت رمزاً للجمال الأميركي المثالي. بالنسبة إلى كثر تبقى صورة شيلدز، التي تبلغ من العمر الآن 59 سنة، محفورة في الأذهان؛ مراهقة بغمازتين بارزتين وحاجبين كثيفين، وكأنها فراشة محنطة داخل مادة شفافة. لذلك، ليس غريباً أن يحمل كتابها الجديد عنواناً يلخص هذه الفكرة ببراعة: “بروك شيلدز ممنوعة من التقدم في العمر: خواطر حول التقدم في السن كامرأة” Brooke Shields Is Not Allowed to Get Old: Thoughts on Ageing as a Woman.
ينتمي الكتاب إلى موجة حالية من الكتب والأفلام التي تتناول موضوع الشيخوخة عند النساء. الأسبوع الماضي، مُنحت خمسة ترشيحات لجوائز “غولدن غلوب” لفيلم الرعب الجسدي “المادة” The Substance، الذي تدور قصته حول نجمة يخبو ألقها مع تقدم العمر، وتلعب بطولته ديمي مور. والشهر المقبل، ستصدر نعومي واتس مذكراتها التي تسلط الضوء على تجربتها مع انقطاع الطمث، تحت عنوان صريح ومباشر: “هل أجرؤ على قول ذلك؟ كل ما كنت أتمنى معرفته عن انقطاع الطمث” Dare I Say It: Everything I Wish I Knew About Menopause.
لا توجد تجربة موحدة للتقدم بالعمر، وبالتأكيد، ليست التجربة الحياتية لنجمة مشهورة وثرية جداً يتفق الجميع على جمالها الأخاذ، النموذج الافتراضي. على الورق، قد تبدو شيلدز بعيدة كل البعد من المرأة العادية التي قد تختار قراءة هذا الكتاب. ومع ذلك، فهي في نواحٍ أخرى الشخصية المثالية لهذا الموضوع، فهي امرأة ارتبطت قيمتها ارتباطاً وثيقاً بشبابها منذ لحظة ظهورها الأول على الشاشة، حين كانت طفلة صغيرة مفعمة بالحيوية في إعلان صابون “آيفوري” الذي ترد فيه عبارة: “للحصول على بشرة شابة كهذه …”،
تنقل شيلدز أفكارها في الكتاب عبر 14 فصلاً خفيف الطابع ومكتوبة بأسلوب حواري. وغالباً ما يتكرر تساؤلها الصادم: “ما الذي يحدث بحق الجحيم؟” في نبرة تجمع بين العفوية والصراحة، وكأنها تتحدث مع صديقتها المقربة. أسلوبها هنا يشبه إلى حد كبير كتابي مذكراتها السابقين “كانت هناك فتاة صغيرة” There Was a Little Girl و”انهمر المطر” Down Came The Rain، اللذين تناولا وفاة والدتها ومعاناتها مع اكتئاب ما بعد الولادة. لكن على عكس تلك المواضيع، تقول شيلدز إن التقدم في السن ليس شيئاً تجب معاناته أو تجربة علينا النجاة منها؛ بل هو شيء يجب احتضانه والاستمتاع به.
إذاً، ما الذي نتعلمه عن بروك شيلدز؟ يبدو أننا نكتشف كثيراً عن تاريخها الطبي، بالتأكيد. في أحد الفصول الأكثر إثارة وتنويراً، الذي يتجاوز السطحية التي تهيمن على الكتاب، تسلط شيلدز الضوء على أهمية الدفاع عن النفس في المجال الطبي. في منتصف الثلاثينيات من عمرها، خضعت شيلدز لفحص خزعة في عنق الرحم بعد نتيجة غير طبيعية لفحص مسحة عنق الرحم. تقول: “لم يكلف أحد نفسه عناء إخباري، على سبيل المثال، بأنهم قد حشوا رحمي بالشاش لوقف النزف… عندما سقط هذا الشاش فجأة… حسناً، أنا لا أبالغ حين أقول إنني اعتقدت أنني أنزف حتى الموت، أو ربما ألد شيئاً لم أكن أعلم حتى بوجوده. شعرت وكأن رحمي بأكملها قد سقطت على أرضية الحمام”.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل حتى إن أحداً لم يخبرها أن هذا النوع من الخزعات قد يجعل الحمل أمراً صعباً – وهو أمر اكتشفته شيلدز بعد أعوام، عندما بدأت تحاول الإنجاب. وفي النهاية، اضطرت إلى الخضوع لسبع تجارب من التلقيح الاصطناعي قبل أن ترزق بابنتها الأولى – وهو ما تشير إليه بصورة سريعة ضمن اعتراف مقتضب بالفرص التي ربما لم تكن متاحة للجميع. في موضع آخر من الكتاب، تتذكر كيف اضطرت إلى القتال من أجل الحصول على صورة شعاعية ثانية بعد خضوعها لجراحة في عظم الفخذ تسببت لها بآلام مبرحة لكن الأطباء كانوا مصرين على أنه مجرد انزعاج طبيعي بعد العملية، ليتضح لاحقاً أن الجراح قد ارتكب خطأ.
لا أندم على قيامي بتلك الأعمال لأنها وفرت لي مصدر دخل وأسلوب حياة مريحاً، لكن يمكنني الآن النظر إلى الخلف ورؤية أنني أسهمت في ترسيخ خرافات معينة متعلقة بالشكل المثالي للمرأة.
بروك شيلدز في حديثها عن مساهمتها في معايير الجمال غير الواقعية
في لحظة صادمة بصورة خاصة، تسرد شيلدز ما حدث لها مع طبيب آخر قرر بمحض إرادته أن “يهديها” عملية “تجديد مهبلي غير مرغوب فيها”، تركتها في حال من الانزعاج والألم لأشهر عدة بعد ذلك. (يقول لها الطبيب بمرح متوقعاً أن تشكره: “لقد ضيقت مهبلك!”) لكنها ترد قائلة: “لم يكن هذا شيئاً أريده. شعرت بالخدر. ارتديت ملابسي، ذهبت إلى سيارتي، وقدتها عائدة إلى المنزل في حال من الذهول”. وتضيف لاحقاً: “غير هذا الرجل جسدي جراحياً من دون موافقتي. وكان يعتقد أنه أسدى إليَّ ’معروفاً‘ بإضافة ’إجراء إضافي‘”.
ربما تعد هذه الحادثة الوحيدة التي يمكن وصفها بالصادمة في مذكرات تطرح أفكاراً عامة. على مدى الكتاب، تعيد شيلدز سرد لحظات من حياتها (مهمة وثانوية) من خلال عدسة الحكمة التي اكتسبتها عبر الزمن، حين تعيد تقييم بعض المواقف وتلقي عليها نظرة جديدة. تقول: “لو حدث ذلك الآن، لما كنت متسامحة إلى هذا الحد”.
يتميز كتاب “بروك شيلدز ممنوعة من التقدم في العمر” بإيجابية طاغية، لدرجة تجعله أشبه بدليل تربوي. تمسكي بموقفك؛ عبّري عن نفسك؛ تقبّلي عيوبك؛ اكتشفي القوة في معرفة حدودك – استمعي إلى نصائح بروك! الكتاب الممتد على مدى 234 صفحة، يعد مصدراً لا يستحي من كونه متفائلاً لدرجة قد تكون مرهقة أحياناً.
في الفصل الذي يسرد سلسلة الأزمات الصحية التي مرت بها، تواجه شيلدز فكرة الموت. ولكنه ينتهي باستنتاجها المنتصر بأن الحياة ثمينة حقاً كما يقول الجميع. وتضيف “تعلمت أن وقتنا محدود. وأنه من الصحي والممتع أكثر بكثير، أن تحتفي بما لديك بدلاً من الشكوى حول ما ينقصك. وأن كل يوم هو هدية بالفعل. كل تلك الكليشيهات؟ اتضح أنها حقيقية!”.
كثير مما تتحدث عنه شيلدز ليس جديداً، ومع ذلك، هناك قيمة في صدور كتاب كهذا – تماماً مثلما هناك قيمة في حديث ديمي مور عن التمييز على أساس العمر في هوليوود، أو صراحة نعومي واتس حول مرحلة انقطاع الطمث. يبدو أننا ندخل عصراً جديداً من مذكرات المشاهير: فهي أقرب إلى كتب المساعدة الذاتية وأبعد عن السير الذاتية الممجدة للنفس التي يؤلفها كتّاب الظل. قد يصف بعضهم المذكرات مثل تلك التي كتبتها شيلدز بأنها تأملات نرجسية لا أكثر، ومن المؤكد أن مجرد الاعتراف بالمشكلات لا يحمل قيمة بصورة دائمة، كما أنه ليس مفيداً للآخرين دائماً. ومع ذلك، أعتقد أنه يمكن قول مزيد هنا.
ذكرت شيلدز أنها وضعت الكتاب كي تشعر النساء الأخريات بأنهن لسن وحيدات. عام 1972، كانت سيمون دو بوفوار تسعى إلى تحقيق الهدف ذاته. فقد نشرت الفيلسوفة النسوية كتابها “التقدم في العمر” The Coming of Age بهدف “كسر مؤامرة الصمت” التي ما زالت تحكم قبضتها علينا، بعد 50 عاماً.
مما يثير الدهشة أن فصلاً واحداً فقط من الكتاب (يحمل عنوان “أكثر من مجرد وجه جميل”)، يتناول بصورة صريحة التأثيرات الجسدية للتقدم في العمر. في هذا الفصل، تكتب شيلدز عن التغيرات التي طرأت على جلد فخذيها، واصفة إياه بأنه يبدو “كما لو أن عجينة الصلصال التي يلعب بها الأطفال قد ذابت لتشكل تجاعيد العبوس حول ركبتيّ!”. وفي جزء سابق من الكتاب، تتذكر لحظة إدراكها القاسية بأن أنظار المارة في شوارع نيويورك لم تعد موجهة نحوها، بل نحو ابنتيها – “تلكما الجميلتان الواقفتان إلى جانبي”.
السؤال حول العلاقة الوثيقة التي تربط بين الجمال والشباب بالنسبة إلى النساء يلوح في أفق كتاب شيلدز، لكن لا يُتناول بعمق كافٍ يروي فضول القارئ. بدلاً من ذلك، تتبنى شيلدز منظور امرأة تجاوزت هذه المرحلة، وخرجت منها “بتقدير لكل التفاصيل والسمات الفريدة، سواء كانت داخلية أو خارجية، التي تجعلك أنت”. مع ذلك، لا تقدم شيلدز دليلاً شاملاً للوصول إلى هذا التقدير سوى تأكيد عابر مفاده: لا تقلقي، سيأتي الوقت وستصلين.
ويحسب لها اعترافها بدورها في ترسيخ بعض هذه المعايير المثالية مستحيلة التحقق. في سياق حديثها عن مسيرتها المهنية في عرض الأزياء، التي شهدت ظهورها في إعلانات بملابس “كالڤن كلاين الضيقة” وعلى أغلفة مجلة “لايف” مرات عدة مرتدية بيكيني أحمر “ضئيلاً” تقول: “لا أستطيع إنكار أنني كنت جزءاً من تعزيز تلك المعايير… لا أندم على قيامي بتلك الأعمال لأنها وفرت لي مصدر دخل وأسلوب حياة مريحاً، لكن يمكنني الآن النظر إلى الخلف ورؤية أنني أسهمت في ترسيخ خرافات معينة متعلقة بالشكل المثالي للمرأة”. وتكشف شيلدز عن أنها لا تزال أسيرة بعض هذه الأساطير حتى اليوم، معترفة بأنها تلجأ إلى لف شريط لاصق حول فخذيها لتبدو ساقاها أكثر نحافة.
في بداية الكتاب، تستشهد شيلدز بمارلين مونرو لتوضيح فكرتها حول مفهوم الجمال. تقول: “أتذكر رؤية صورة لما قد تبدو عليه مارلين مونرو لو كانت لا تزال على قيد الحياة اليوم، وكان من المستحيل حقاً استيعاب ذلك… لكنها رحلت وهي لا تزال مارلين مونرو كما عرفها الجميع. أما أنا، ومع تغيّر وجهي وجسدي بطرق طبيعية كما يجب أن يحدث… ينتابني أحياناً شعور من قبيل ’كيف تجرئين؟ لم يكن هذا جزءاً من الخطة أيتها الشابة!‘ ولأكون صادقة تماماً، جعلني هذا الإحساس في بعض الأحيان أشعر وكأنني مخيبة للآمال”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن شيلدز تؤكد، بإصرار، أن التقدم في العمر ليس خالياً من الجوانب الإيجابية. على سبيل المثال، تشك في أنها كانت ستملك الجرأة على مواجهة توم كروز علناً في شأن تعليقاته على الهواء حول استخدامها مضادات الاكتئاب، لولا أن الحادثة وقعت بعد شهر واحد فقط من احتفالها بعيد ميلادها الـ 40. وتستشهد شيلدز بدراسات وإحصاءات تؤكد أن التقدم في العمر يحمل في طياته فوائد كثيرة.
وجدت أستاذة علم النفس لورا كارتنسن، مؤسسة مركز ستانفورد لطول العمر، أن الأشخاص الذين تجاوزوا الـ 50 من العمر يبلّغون عن مشاعر إيجابية أكثر وسلبية أقل – وأن المشاعر السلبية التي يعانونها تكون أقل حدة حتى. بمعنى آخر: يميل كبار السن إلى أن يكونوا أكثر سعادة. أو في الأقل، كما تكتب شيلدز، أنهم يميلون إلى الشعور بـ “نوع أعمق من السعادة” تغذيه أعوام من التجارب، سواء كانت جيدة أو سيئة.
من السهل أن ينغمس القارئ في النبرة الإيجابية التي تبثها شيلدز في كتابها. وعودها بالحكمة وحب الذات في سن متقدمة تبدو مغرية، تلمع كضوء في نهاية نفق طويل. لكن التفكير الإيجابي وحده محدود – وحتى شيلدز تعترف بذلك في مقدمة كتابها. كتبت عن دخولها عمر الـ40: “كنت أعمل بكل طاقتي… إضافة إلى ذلك، كنت قد وصلت إلى مكان من تقبّل الذات… ومع ذلك، ومع تقدمي من الأربعينيات نحو الخمسينيات، بدأت ألاحظ أن التصورات الخارجية لم تكن متوافقة مع إحساسي الداخلي بنفسي”. على سبيل المثال، تقول: “لم تعد الصناعة التي أعمل فيها تستقبلني بالحماسة نفسها التي كنت قد اعتدت عليها”.
قد نرى أنفسنا جميلين وأعلى قدراً عندما نصل إلى سن أكبر، لكن إذا كان مجتمعنا لا يتفق معنا في ذلك، فإننا بلا شك سنتأثر بتلك العواقب. لا يمكننا إخراج أنفسنا من مجتمع مليء بالتمييز الجنسي وكراهية التقدم في السن بمجرد التحلي بـ “تفكير إيجابي”. يتطلب ذلك جهداً يتجاوز ذواتنا، لتغيير نظمنا ومؤسساتنا. وقد يكون ما تتحدث عنه شيلدز، على ما أظن، مجرد بداية جيدة.
يتوفر كتاب “بروك شيلدز ممنوعة من التقدم في السن” للقراءة حالياً من دار ليتل براون للنشر.
نقلاً عن : اندبندنت عربية