انتهجت تونس منذ عام 1966، سياسة التنظيم العائلي، من أجل التحكم في نسبة النمو الديمغرافي، التي كانت في حدود خمسة في المئة، وبلغ عدد السكان وقتها أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، فيما كان المجتمع بدائياً يعتمد بشكل شبه كلي على الزراعة وتربية الماشية، وهو ما دفع الدولة الخارجة للتو من استعمار فرنسي جثم على البلاد 75 عاماً إلى اعتماد سياسة تهدف للحد من النمو السكاني لتحقيق النهوض الاجتماعي، وتوفير موارد الرزق.
مجلة الأحوال الشخصية التونسية
وفي أواخر الخمسينيات، سنت مجلة الأحوال الشخصية التونسية، التي منعت تعدد الزوجات، وحددت سن الزواج، وهو ما ساهم في تدعيم مكانة المرأة في المجتمع وعزز انخراطها في الدورة الاقتصادية.
وأفضت السياسة السكانية التي اعتمدتها تونس إلى تراجع نسبة النمو السكاني إلى 1.8 في المئة عام 2004، ثم حوالي 0.8 في المئة حالياً. كما تراجعت نسبة وفيات الأطفال والرضع بتحسن المؤشرات الصحية، إذ كانت في حدود من 200 حالة وفاة لكل ألف مولود جديد، بينما اليوم النسبة في حدود 15 حالة لكل ألف مولود.
ومن مظاهر التحولات والتغيرات العميقة في المجتمع التونسي هي عزوف الفئة العمرية بين 35 و40 سنة عن الارتباط، وتغير النظرة لمؤسسة الزواج، فضلاً عن ضعف وعي الشباب بأهمية الإنجاب.
تحولات ديمغرافية
وتكشف هذه المؤشرات عن تحولات ديمغرافية فارقة في المجتمع التونسي الذي بدأ مع الاستقلال مجتمعاً ذي خصوبة عالية، إلى مجتمع مهدد بالتهرم. وبينت الملامح الأولية للتعداد العام للسكان والسكنى تقلص متوسط حجم الأسرة في تونس، حيث تراجع من خمسة أفراد في منتصف التسعينيات إلى أقل من أربعة أفراد حالياً. والتساؤل الآن، هل تدعو هذه المؤشرات إلى مراجعة السياسة الإنجابية في تونس؟ وهل بات المجتمع مهددا بالتهرم؟
ويعتبِر خبراء الديمغرافيا أن السياسة السكانية التي انتهجتها تونس حققت أهدافها في فرملة النمو السكاني، علاوة على تراجع نسبة الخصوبة، وتأخر سن الزواج بالنسبة إلى الذكور والإناث، وهي إكراهات جديدة تواجهها البلاد التي بدأت تعداداً عاماً للسكان هو الـ12 من نوعه منذ الاستعمار الفرنسي، خصصت له الدولة موازنة 50 مليون دينار (18 مليون دولار)، والذي على ضوئه سترسم ملامح المخطط التنموي القادم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا مراجعة في السياسة السكانية
وترسخت في المجتمع التونسي فكرة الأسرة المتوازنة طيلة العقود الأخيرة والتي تقوم على “الأسرة النواة” المتكونة من عدد قليل من الأفراد بعد أن كانت متعددة. واستبعد أحمد عبدالناظر، المتخصص في قضايا السكان والتنمية، أن “تُراجع تونس سياستها السكانية على رغم كل المؤشرات التي تعكس متغيرات كبيرة طارئة على المجتمع، أو أن تتم دعوة التونسيين إلى الإقبال على الإنجاب”. وقال عبدالناظر إن “التونسي اليوم وبالنظر إلى ما راكمه من معرفة ووعي بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكنه أن يغير قناعاته في تكوين أسرة بصرف النظر عما ترسمه الدولة من سياسات أسرية وسكانية”.
ولا يبدي المختص في قضايا السكان والتنمية تخوفا من التهرم السكاني، “الظاهرة التي لا تخلو منها مجتمعات العالم القائمة على تنظيم الأسرة وانتشار الوعي، وتراجع حجم الأسرة من الأسرة المتعددة إلى الأسرة النواة”، داعياً إلى وضع الآليات والبرامج الملائمة للتعاطي مع التشيخ للتخفيف من الأعباء الاجتماعية والصحية الإضافية التي ستتحمّلها الدولة.
يشار إلى أن نسبة من هم فوق 65 سنة في تونس في تزايد بشكل لافت، إذ أصبحت النسبة 10.4 في المئة عام 2021 بعد أن كانت سبعة في المئة عام 2014. في المقابل، تراجعت فئة ما بين 15 سنة و39 سنة لتصبح 33.8 في المئة من مجموع السكان عام 2021، بينما كانت في حدود 40.8 في المئة عام 2014، والمفارقة أن ما تعيشه تونس من أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، جعلت الفئة النشيطة غير قادرة على الإنتاج والعمل، لعدم توفر مواطن الشغل.
وأوضح عبدالناظر أن التشجيع على الإنجاب ليس مطروحاً اليوم في تونس، وهو قرار سيادي، لا يمكن اتخاذه بسهولة بالنظر إلى تبعاته، لافتاً إلى أن انخفاض نسبة الخصوبة لا يدعو بالضرورة إلى التشجيع على الإنجاب. وثمن حفاظ الدولة التونسية على الاستمرار في تنظيم التعداد العام للسكان والسكنى كل عشرة أعوام، بالإضافة إلى المسوحات التي تتم كل خمسة أعوام من أجل أن تواكب المؤشرات الإحصائية سياسات الدولة التنموية”.
خطط التنمية
وفي السياق، أكد عبدالقادر الطلحاوي، المدير الفني للتعداد العام للسكان والسكنى في المعهد الوطني للإحصاء، في تصريح خاص، أن “الإعلان عن المؤشرات العامة لعملية التعداد العام للسكان والسكني ستبدأ في نهاية مارس (آذار) المقبل”، لافتاً إلى أن “المؤشرات تبدو واضحة بالاستناد إلى تعداد سنة 2014 بخاصة في متوسط حجم الأسرة الذي ما انفك يسجل تراجعاً من عام إلى أخر”. وأوضح الطلحاوي أنه “تم تجميع أكثر من 98 في المئة من بيانات الأسر والأفراد”، معتبرا ذلك “مؤشراً مهماً يعكس مدى وعي المواطن بأهمية التعداد في رسم ملامح المرحلة المقبلة في تونس اقتصادياً واجتماعياً”. وخلص المدير الفني للتعداد العام للسكان والسكني، إلى أن “التعداد تم برمجته قبل مخطط التنمية (2026 – 2030)، وسيتم تقديم جميع المؤشرات إلى الوزارات المعنية لرسم السياسات الاجتماعية والاقتصادية في مخطط التنمية المقبل”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية