تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطاب التنصيب، أمس الإثنين، استخدام مخزونات النفط الأميركية لخفض أسعار النفط، بالتالي أسعار الوقود بمحطات البنزين، في سياق وعد أوسع بخفض الأسعار إجمالاً. يذكر أن تحرير إدارة بايدن السابقة جزء من المخزون الأميركي في منتصف فترة رئاسته أدى إلى هبوط الأسعار العالمية بنحو النصف.
وتعهد ترمب إلغاء “الصفقة الخضراء”، أي سياسة إدارة الرئيس السابق جو بايدن للتحول في مجال الطاقة بالاستثمار في الطاقة من مصادر متجددة على حساب الاستثمار في الوقود الأحفوري من نفط وغاز، وهو ما كرره ترمب منذ أيام حملة الانتخابات الرئاسية في العام الماضي بأنه سيطلق العنان للتنقيب والاستكشاف وإنتاج النفط والغاز لزيادة حصة الولايات المتحدة من سوق الطاقة العالمية.
لكن الهم الأول للرئيس الجديد، الذي سيركز عليه في عشرات الأوامر التنفيذية التي سيوقعها في ساعات رئاسته الأولى، هو خفض الأسعار وفي مقدمها أسعار الوقود للمستهلكين الأميركيين، فتلك مسألة في غاية الحساسية للسياسيين عموماً، ولترمب وفريقه خصوصاً.
وفي استجابة اعتمدت كثيراً على ما يسمى في السوق “رد الفعل النفسي” تراجعت أسعار النفط قليلاً في تعاملات أول أيام الأسبوع الإثنين، وأن يظل برميل “خام برنت” القياسي عند حاجز 80 دولاراً، ويتوقع أن تشهد الأسعار تذبذباً في الأيام القليلة المقبلة قبل أن تستقر مع اتضاح توجه سياسات الطاقة للإدارة الجديدة. ومن بين العوامل التي أدت إلى هدوء السوق وتراجع الأسعار قليلاً تقدير أن إدارة ترمب قد تلغي العقوبات الأخيرة التي فرضتها إدارة بايدن على النفط الروسي مما يعني استمرار وفرة العرض في السوق مقابل الطلب.
التحول إلى النفط والغاز
من غير الواضح كيف ستستخدم إدارة ترمب المخزونات الأميركية لخفض أسعار النفط، فهل ستفرج عن كميات كبيرة وتطرحها في السوق بما يزيد من تخمة المعروض ويهوي بالأسعار، أم ستلجأ إلى زيادة السحب التدريجي حتى تنخفض الأسعار بنسبة كبيرة وتبدأ في ملء حاويات المخزون. وفي ضوء ما ستفعل بما يؤثر في أسس السوق من عرض وطلب، سيكون رد فعل أسواق الطاقة في تحديد الأسعار.
من بين الأوامر التنفيذية، أي القرارات الرئاسية بقوانين التي لا تحتاج إلى موافقة الكونغرس لإنفاذها، سيكون قرار إلغاء سياسة التحول في مجال الطاقة للإدارة السابقة. ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في الإدارة الأميركية الجديدة قوله إن الرئيس سيوقع أمراً تنفيذياً يعلن حال طوارئ وطنية في قطاع الطاقة بهدف “إطلاق العنان لقطاع طاقة أميركي موثوق وبأسعار معقولة”. وأشار ترمب بالفعل في خطاب تنصيبه إلى إعلان حال طوارئ في قطاع الطاقة.
وسيوقع ترمب أيضاً أمراً تنفيذياً يتعلق بولاية ألاسكا، كما ذكر المسؤول الأميركي في تصريحه للوكالة في إشارة إلى أهمية الولاية للأمن القومي الأميركي، وإمكانية أن يسمح ذلك بتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى أنحاء أخرى من الولايات المتحدة وإلى حلفائها. وأكد المسؤول أنه لا يوجد هدف محدد لسعر النفط، مضيفاً أن إدارة ترمب تهدف إلى ضمان وفرة من الطاقة الأميركية تسمح بانخفاض الأسعار.
كل ذلك في سياق المتوقع منذ فترة في أسواق الطاقة، التي “هضمت” تلك المتغيرات القادمة، من ثم لا يتوقع أن يكون تأثيرها كبيراً على حركة السوق، خصوصاً أن أسس العرض والطلب لن تتغير بسرعة، لكن التحول في مجال الطاقة من مصادر متجددة كالرياح والشمس وغيرها إلى عودة التركيز على النفط والغاز من شأنه أن يزيد من اختلال معادلة العرض والطلب في السوق العالمية لمصلحة العرض، من ثم مزيداً من انخفاض الأسعار.
العقوبات وسوق الطاقة
تنتظر أسواق الطاقة العالمية تفاصيل الإجراءات الجديدة لإدارة ترمب وتأثيرها في السوق، إلا أنها تتطلع أيضاً لما ستفعله الإدارة الجديدة في شأن تنفيذ وعود ترمب بوقف الحرب في أوكرانيا بصفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وإذا كانت الأسواق ردت آخر قرارات العقوبات على النفط الروسي التي أعلنتها إدارة بايدن قبل أيام من مغادرتها البيت الأبيض بارتفاع أسعار وسط مخاوف في شأن الإمدادات الروسية، فإن احتمال تراجع ترمب عن تنفيذ تلك الحزمة وارد، خصوصاً أنها عقوبات فرضتها أميركا، بالاشتراك مع بريطانيا.
ثم إن احتمال الإسراع بحل أزمة الحرب الأوكرانية سيطمئن الأسواق في شأن النفط الروسي، الذي يشكل نسبة 10 في المئة من الحاجات النفطية العالمية. وكان المتعاملون والمحللون يخشون من تراجع صادرات النفط الروسي بنحو مليون برميل يومياً، بسبب حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة، وهو ما كان من شأنه سحب القدر الأكبر من وفرة العرض في السوق.
في المقابل تنتظر أسواق الطاقة موقف إدارة ترمب الجديدة من إعادة فرض عقوبات على إيران، على غرار ما فعل ترمب في فترة رئاسته الأولى عام 2018 بسياسة “الضغط الأقصى” التي قلصت صادرات النفط الإيرانية قرب الصفر تقريباً.
تشير عودة العقوبات الأميركية على إيران إلى احتمال غياب نحو مليوني برميل يومياً من السوق، أي سحب غالب تخمة المعروض النفطي، مع استقرار الطلب نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. يذكر أنه بعد فرض العقوبات المشددة من جانب إدارة ترمب السابقة أصبحت صادرات إيران النفطية لا تتجاوز 400 ألف برميل يومياً، أما بنهاية فترة رئاسة بايدن أخيراً فوصلت تلك الصادرات إلى 1.8 مليون برميل يومياً.
زيادة الإنتاج
ربما الأهم بالنسبة إلى أسواق الطاقة العالمية هو السياسات على المدى المتوسط، التي طالما كررها ترمب حتى قبل انتخابه ورددها أركان إدارته قبل دخولهم البيت الأبيض، والتي تستهدف زيادة الإنتاج الأميركي من النفط والغاز. كانت تصريحات ترمب المتفائلة كررت الوعد بزيادة إنتاج النفط بمقدار 4 ملايين برميل يومياً في فترة رئاسته، أي بحلول عام 2028، إلا أن وزير الخزانة الجديد أكد العمل على زيادة الإنتاج بنحو 3 ملايين برميل يومياً في هذه الفترة المقبلة.
تتربع أميركا حالياً على قمة كبار منتجي النفط في العالم بمعدل إنتاج وصل بنهاية العام الماضي إلى 13.5 مليون برميل يومياً، وأصبحت منذ بضعة أعوام “مصدراً صافياً” للنفط، بعدما كانت لفترة طويلة “مستورداً صافياً” على رغم إنتاجها الكبير وتصدير بعضه، إلا أن استهلاكها الكبير كان يجعلها بلداً مستورداً للطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى غالب المحللين في أسواق الطاقة والاقتصاديين وشركات الأبحاث والاستشارات أن وعود إدارة ترمب بزيادة إنتاج النفط “مبالغ فيها”، وربما لا تكون قابلة للتحقق حتى رغم إلغاء سياسات بايدن بالتحول في مجال الطاقة، وتقديم الحوافز لقطاع النفط والغاز وتعديل القوانين والقواعد والإجراءات لتسهيل الاستكشاف والإنتاج.
حتى إدارة معلومات الطاقة الأميركية تضع توقعات متحفظة لزيادة الإنتاج في الأعوام المقبلة، بمقدار يقل عن نصف مليون برميل يومياً (نحو 400 ألف برميل يومياً)، وحتى أكثر التقديرات المستقلة تفاؤلاً لا تزيد توقعاتها على إضافة نحو مليون برميل يومياً للإنتاج الأميركي بنهاية العقد الحالي.
يرجع ذلك لأسباب ليست في يد إدارة ترمب أساساً، أولها وصول إنتاج الغاز والنفط الصخري إلى ذروته قبل أعوام. وتشير دراسات الشركات وأبحاث السوق إلى أن غالب الحقول الكبرى تراجعت احتياطاتها بصورة كبيرة، وأن غالب الشركات الصغيرة التي كانت تعمل في هذا القطاع إما أفلست أو توقفت أو اندمجت أو استحوذت عليها شركات الطاقة الأميركية الكبرى.
ولأن شركات الطاقة الكبرى شركات خاصة مسجلة في البورصة، من ثم تخضع في الأساس لرغبة مستثمريها ومساهميها فهي ليست مستعدة لتلبية رغبات الحكومة على حساب أوضاعها المالية، وفي الأعوام القليلة الأخيرة يريد المستثمرون من تلك الشركات تركيز استخدام أرباحها في توزيعات على الأسهم أو إعادة شراء الأسهم، أي إعادة الأموال لحملة الأسهم أكثر من الاستثمار في توسع الإنتاج.
ربما تكون الفرصة أفضل للحقول البحرية، خصوصاً مع المتوقع من تحرير إدارة ترمب لعلميات منح الامتيازات والتراخيص التي قيدتها إدارة بايدن، لكن العمليات البحرية تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تصبح ضمن شبكة الإنتاج، وغالباً ما يأخذ الأمر ما بين منح الامتياز وبدء الإنتاج 10 أعوام في الأقل.
ينطبق ذلك على الإنتاج الأميركي من النفط، لكن تظل هناك فرصة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره مع تحرير قيود مد خطوط الأنابيب ومنح الامتيازات والتراخيص، ويشجع على ذلك أيضاً زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال من قبل الدول الأوروبية التي وقفت عن استيراد الغاز الروسي منذ بدء حرب أوكرانيا.
نقلاً عن : اندبندنت عربية