ربما يجد معارضو دونالد ترمب أنفسهم يتنهدون بتهكم، في ما يؤدي اليمين الدستورية ويقسم أن يصبح رئيساً يصون دستور الولايات المتحدة الأميركية، ويأملون ألا يفي بوعوده للانقضاض على الوثيقة التي أرست أسس أميركا المعاصرة في الساعات التي تلي تسلمه مهماته. أما في أوكرانيا، فلا آمال من هذا النوع.
إذ يعلم سكان العاصمة الأوكرانية حق العلم أن الرئيس الـ47 للولايات المتحدة ليس صديقهم الصدوق، بل يرون أنه يكن مودة كبيرة لفلاديمير بوتين، لكن ذلك قد يصب في مصلحتهم عندما يحين وقت تجديد الدعم العسكري لدولة تقاوم الكرملين.
يتبنى المسؤولون هنا موقفاً فلسفياً ودبلوماسياً، حتى في الأحاديث الخاصة، في شأن الرئيس القادم. فهم يرغبون ببناء علاقة جديدة وناجحة معه، ويعلمون كذلك أن ترمب لا يريد أبداً أن يسجل عليه بأنه كان بيدقاً بيد الرئيس الروسي.
خلال ولاية ترمب الأولى، لاحقته ادعاءات وتحقيقات حول التدخل الروسي لصالحه في انتخابات 2016، وبذل قصارى الجهد لمنع الأميركيين من حضور اجتماعاته مع بوتين، وأبقى تفاصيل لقاءاتهما طي الكتمان وغالباً ما أيد الجانب الروسي، معارضاً توصيات أجهزة الاستخبارات والأمن في بلاده.
وبعدما كشف للسفير الروسي لدى واشنطن عن معلومات استخبارية بالغة الحساسية تتعلق بمخططات إرهابية وضعتها “داعش”، أصبحت أجهزة الاستخبارات في دولتين حليفتين للولايات المتحدة في الأقل تعتبر ترمب “خطراً” وفق المصادر الاستخبارية. ولم تمح هذه النظرة إليه من أذهان أجهزة الاستخبارات، التي عادة ما تشارك الولايات المتحدة أكثر أسرارها حساسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، وقد تراجع مسؤولوه عن هذه المهلة التي أعادوا تحديدها بستة أشهر في الأقل، وفيما لا يقدم فريقه إجابة واضحة حول كيفية إنهاء الحرب، يستطيع ترمب أن يشل الدفاعات الأوكرانية عن طريق تقليصه المساعدات العسكرية لكييف.
وسبق أن أشار الرجل إلى أنه ربما يمكن إقناع بوتين بإنهاء حملة أزهقت عدداً هائلاً من الأرواح حتى الساعة، عن طريق السماح له بالاحتفاظ بالأراضي الشرقية التي استولت عليها قواته في أوكرانيا، كما لفت فريق ترمب إلى احتمال تجميد طموحات أوكرانيا بالانضمام إلى الناتو في محاولة لإرضاء بوتين.
لكن لا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولا مواطنوه، يقبلون بهذه الشروط. صحيح أن عدداً من الأوكرانيين يبدون استعداداً لمقايضة الشرق المحتل بالسلام، لكنهم لا يعتقدون أن السلام سيحل فعلاً إن أقدموا على هذه الخطوة.
كما أن ترمب قادر على دفع زيلينسكي للجلوس على طاولة المفاوضات إن رفض مساعدة بلاده في حربها، لكن الرئيس الأميركي قد يتكبد تكاليف باهظة إن اتخذ هذا الموقف.
وأنفقت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار (81 مليار جنيه استرليني) على المساعدات التي أرسلتها لأوكرانيا، خصص نحو 60 مليار دولار منها للمساعدات العسكرية، وأنفق القسم الأكبر من هذا المبلغ داخل الولايات المتحدة. أرسلت ذخائر قديمة إلى أوكرانيا، فيما تصنع ذخائر جديدة لاستبدالها.
وهذا شكل من تصنيع الأسلحة التقليدي والواضح الذي يشغل العمال اليدويين، أي الصناعة التي يقول ترمب إنه يريد إعادة تفعيلها داخل الحدود الأميركية. وتستحدث صناعة الأسلحة، شأنها في ذلك شأن صناعة الصلب والسيارات، عشرات آلاف الوظائف التي تستفيد منها فئة الناخبين الذين صوتوا لصالح ترمب في ولايات مثل بنسلفانيا.
وبالتالي، فإن تقليص الإنفاق على أوكرانيا يفضي إلى اقتطاع الوظائف في أميركا، وبحلول موعد انتخابات الكونغرس في منتصف عهده، قد يتكبد المرشحون الجمهوريون المؤيدون لترمب ثمن تقييده إرسال الأسلحة لزيلينسكي.
وثم تبرز مشكلة بوتين.
إن كان ترمب يدرس إمكان إرغام أوكرانيا على التوجه إلى المفاوضات بدل تسليح ديمقراطية غربية بوسائل الدفاع عن نفسها وتدمير القوات المعادية، فلا بد أنه يفكر أيضاً في الصورة التي يعكسها هذا السلوك.
خلال السنوات القليلة الماضية، أعرب بوتين وكبار مسؤوليه عن اعتقادهم بأن دول البلطيق الأعضاء في الناتو ليست في الواقع سوى محافظات روسية، وأن بولندا العضو في “الناتو” “محتلة بصورة موقتة”، وأن مولدوفا تواجه خطر ضمها أو الاستحواذ عليها، وكل هذه الدول حليفة لأميركا وصديقة لها.
لا بد أن ترمب يدرك بأنه لن يظهر بمظهر صانع السلام إن ساعد بوتين في تجميد الصراع في أوكرانيا، بصورة تفسح المجال للقوات الروسية كي تعيد التسلح والتدريب واستئناف القتال.
لكن إن كان الرئيس الأميركي الجديد لا يرى هذه الصورة وإن بدا أنه يقف في صف بوتين، فالاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من هذا الوضع واحد، لا ثاني له.
نقلاً عن : اندبندنت عربية