تعتمد تونس بصورة أساسية في تمويل موازناتها العامة على العائدات الضريبية التي تشكل حجماً لافتاً في موارد الدولة في ظل تعطل بعض الموارد المالية من قطاعات اقتصادية عدة، أبرزها الاستثمار والتصدير.

وعلى امتداد عقود عدة، بنت تونس سياستها الجبائية (الضريبية) على تحصيل العائدات من الأجراء (العمال والموظفين) والشركات الاقتصادية لإعادة تمويل هذه العائدات في مختلف المشاريع التنموية، لا سيما منها المشاريع ذات الطابع الاجتماعي كجزء محوري في سياسة تونس الاجتماعية التي تعززت ضمن موازنة عام 2025، تجسيداً لتوجهات الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يراهن على البعد الاجتماعي للدولة، وعلى رغم هذا التوجه في السياسة الضريبية للبلاد، لم تعبأ الحكومات المتعاقبة بالتداعيات السلبية للضغط الضريبي على الأفراد وعلى الشركات على حد السواء وما ينجم عنه من تأثيرات في مستوى القدرة الشرائية من ناحية وفي مناخي الاستثمار والأعمال من ناحية أخرى.

تونس الأولى أفريقياً في الضغط الضريبي

في غضون ذلك، كشف تقرير حديث لمنظمة “التعاون الاقتصادي والتنمية” صدر في أواخر عام 2024 تحت عنوان “إحصاءات العائدات الجبائية في أفريقيا”، عن أن تونس أحتلت المركز الأول قارياً في مجال الضغط الجبائي بنسبة 33.5 في المئة من الناتج الإجمالي الداخلي عام 2022، مقابل 16 في المئة لكامل القارة الأفريقية و34 في المئة في الدول الغنية منها.

وزادت نسبة الضغط الجبائي من 32.5 في المئة عام 2021 إلى 33.5 في المئة عام 2022 وفق التقرير، مما يمثل النسبة الأعلى لتونس في أفريقيا.

وخلال الأعوام الـ10 الأخيرة، سجلت تونس مع السنغال أعلى نسب ضغط ضريبي بتطور بنسبة 18.7 في المئة، مقابل معدل 7.4 في المئة لكامل القارة “السمراء” ومعدل 4.2 في المئة في الدول الغنية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

بسبب الاقتطاعات ذات البعد الاجتماعي

في الأثناء، أرجعت المنظمة هذا الارتفاع الكبير في نسبة الضغط الجبائي في تونس إلى حجم الاقتطاعات للتغطية الاجتماعية، وأوضحت أنه في صورة عدم احتساب الحاصل الإجمالي للعائدات الجبائية من دون احتساب الاقتطاعات الاجتماعية، فإن الضغط الجبائي في تونس سيهبط إلى 24.3 في المئة.

واعتبرت المنظمة أن تونس تمتلك أعلى نسبة عائدات جبائية في أفريقيا بنسبة 25.7 في المئة مقابل 7.4 في المئة كمعدل عام لكامل القارة الأفريقية ومعدل 24.8 في المئة في الدول الغنية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالتوازي مع ارتفاع الاقتطاعات الجبائية تحت بند التغطية الاجتماعية، أفاد التقرير بأن النظام الضريبي التونسي هيمن عليه نوعان من الضرائب والأداءات (الرسوم)، يتعلق الأول بالضريبة على دخل الأجراء التي تمثل 30.8 في المئة من إجمال العائدات الضريبية في البلاد والثاني الأداء على الخيرات والخدمات التي توفر عائدات جبائية 37.4 في المئة.

وأشار التقرير إلى أن نحو 71.1 في المئة من الضريبة على الدخل يوفرها الأشخاص الطبيعيون لتسجل ارتفاعاً خلال العقدين الأخيرين مقارنة بـ64.6 في المئة عام 2000، بينما لم توفر الشركات سوى 35.4 في المئة عام 2000 لتتراجع النسبة إلى 28.9 في المئة عام 2022.

ومن جهة أخرى، تطرق التقرير إلى الضرائب على القيمة المضافة التي قال إنها “وفرت 56.6 في المئة من إجمال الأداءات المفروضة على الخدمات عام 2022، مقابل 48.1 في المئة عام 2000″، وأشار إلى أن العائدات غير الجبائية ارتفعت عام 2022 لتصل إلى 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.8 في المئة عام 2021.

مسالة معطلة للاستثمار

وتعليقاً على هذه المؤشرات، قال المتخصص الاقتصادي وعضو المكتب التنفيذي لـ”كونفيدرالية المؤسسات التونسية المواطنة” (منظمة أعراف مستقلة) شكيب بن مصطفى إن “احتلال تونس المرتبة الأولى أفريقياً في مجال الضغط الضريبي أمر مقلق، وفي الوقت نفسه معوق لتطوير الاستثمار وعامل سلبي في مناخ الأعمال”.

وأشار إلى أن الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس تمثل نحو 90 في المئة من نسيج الاقتصاد الوطني، وهي تعاني ضغطاً ضريبياً مرتفعاً ينعكس سلباً على نتائج أعمالها وتنافسيتها.

الحد من الاستهلاك والإنفاق

وترى الجمعية التونسية للشركات المتوسطة والصغرى (جمعية مستقلة) من جانبها أن الضرائب على دخل الأفراد والضرائب تمثل على الشركات معاً 50 في المئة من الإيرادات الضريبية.

وأوضحت أن وزارة المالية تعتمد بصورة كبيرة على الضرائب غير المباشرة مثل الأداء على القيمة المضافة (21 في المئة) والضرائب الأخرى، مما يشير إلى عبء أكبر على الاستهلاك ويؤثر في القدرة الشرائية ويحد من الإنفاق على منتجات المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

وأكدت أن “الضغط الضريبي المرتفع ستكون له نتائج على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، إذ إن الاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة قد يزيد من كلف الإنتاج، مما يضع ضغطاً على هوامش أرباح المؤسسات الصغرى والمتوسطة، فضلاً عن أن محدودية الإيرادات غير الضريبية قد تضعف برامج الدعم الحكومي الموجهة لهذه المؤسسات”.

التعويل على الموارد الضريبية

ويرى المتخصص في شؤون الضرائب أنيس الوهابي أن “أحد أهم أسباب تصنيف تونس في مرتبة متقدمة أفريقياً من ناحية الضغط الضريبي يعود لضعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الذي لا يتعدى 180 مليار دينار (58 مليار دولار) من بينها 43 مليار دينار (14.3 مليار دولار) من الضرائب”.

وأشار إلى أن تونس تعول بصورة كبيرة على الموارد الضريبية التي قد تصل إلى مستوى 90 في المئة لتمويل الخزانة بسبب تدهور القطاعات التي كانت تدر إيرادات غير ضريبية وأبرزها إنتاج الفوسفات وتصديره، مما يفسر من وجهة نظره خيار الدولة رفع الضرائب على الأفراد والشركات، لافتاً إلى أن “إحساس التونسيين، لا سيما طبقة الأجراء بالضغط الضريبي العالي مرده إلى عدم القدرة على النفاذ إلى الخدمات والمرافق العمومية ذات الجودة المحترمة، مما يدفعهم الى تحمل نفقات إضافية على رغم مواصلة الدولة الإنفاق على قطاع الصحة والتعليم والتكفل بأكثر من 240 ألف عائلة فقيرة”.

وأوضح الوهابي أن “25 في المئة من الاقتطاعات الضريبية تذهب إلى فائدة خزانة الدولة، بينما تحول الثمانية في المئة الباقية إلى الصناديق الاجتماعية”.

تعديل جدول الضريبة على الدخل

وأمام الارتفاع الضريبي العالي في البلاد وسعياً إلى تخفيف وطأته، خصوصاً على الأجراء، قررت الحكومة التونسية إدخال بعض التعديلات على جدول الضريبة على الدخل في خطوة منها لتحقيق العدالة الضريبية.

وفي هذا الإطار، أقر الفصل 36 من قانون المالية لعام 2025 تنقيح جدول الضريبة على الدخل للأشخاص الطبيعيين وجعلها تصاعدية بحسب قيمة الدخل السنوي الصافي الذي فُعّل بداية من يناير (كانون الثاني) الجاري، من خلال إعفاء الأشخاص المقدر دخلهم من 0 إلى 5 آلاف دينار (1562 دولاراً) في العام من هذه الضريبة وخفضها إلى 15 في المئة لأصحاب الدخل الذين يتراوح دخلهم ما بين 5 و10 آلاف دينار (3125 دولاراً)، على أن تزيد الضريبة إلى 25 في المئة بالنسبة إلى أصحاب الدخل السنوي الصافي الذين يتراوح دخلهم ما بين 10 و20 ألف دينار (6250 دولاراً)، بينما ترتفع إلى 30 في المئة بالنسبة إلى أصحاب الدخل الذين يتراوح دخلهم ما بين 20 و30 ألف دينار (9375 دولاراً)، في حين تصل نسبة الضريبة إلى 33 في المئة بالنسبة إلى الأفراد الذين يتراوح دخلهم الصافي ما بين 30 و40 ألف دينار (12500 دولار) و36 في المئة لأصحاب الدخل الذين يتراوح دخلهم ما بين 40 و50 ألف دينار (15625 دولاراً) و38 في المئة للذين  يتراوح دخلهم ما بين 50 و70 ألف دينار (21875 دولاراً)،  وتصل هذه النسبة إلى 40 في المئة بالنسبة إلى الأفراد الذين يتجاوز دخلهم 70 ألف دينار سنوياً (21875 دولاراً).

نقلاً عن : اندبندنت عربية