تمكنت البيانات الزلزالية الحديثة التي جمعتها مركبة الهبوط InSight التابعة لوكالة ناسا من تقديم إجابات حول لغز طالما حير العلماء لمدة 50 عامًا بشأن البنية الفريدة لكوكب المريخ. حيث يظهر الكوكب انقسامًا واضحًا بين الأراضي المنخفضة في الشمال والمرتفعات في الجنوب، مع وجود اختلافات كبيرة في الارتفاع وسمك القشرة الأرضية بين المنطقتين.

ويعرف هذا الانقسام بـ “الانقسام المريخي”، وهو ظاهرة ألقت بظلال من الغموض على الدراسات العلمية لعقود. وتشير الأدلة الزلزالية الحديثة إلى أن هذا الانقسام قد نجم عن عمليات قديمة حدثت داخل باطن الكوكب، وليس نتيجة لتأثيرات خارجية مثل اصطدامات الكويكبات.

رؤى جديدة من البيانات الزلزالية

وفي دراسة نشرت في مجلة “Geophysical Research Letters”، تم تحليل الموجات الزلزالية التي سجلتها مركبة InSight للكشف عن الفروقات بين نصفي الكرة الأرضية. وبفضل موقعها بالقرب من حدود الانقسام، تمكن المسبار من رصد كيفية انتقال الموجات الزلزالية عبر الوشاح الكامن تحت كل من المناطق الشمالية والجنوبية.

وقد أظهرت النتائج أن الطاقة الزلزالية تتبدد بشكل أسرع في المرتفعات الجنوبية، مما يشير إلى أن الوشاح أسفل هذه المنطقة أكثر سخونة مقارنةً بالشمال. وهذا يوضح أن النشاط التكتوني القديم على المريخ قد يكون هو السبب المحتمل لهذا الانقسام، حيث يعتقد العلماء أن حركة الصفائح التكتونية في المراحل المبكرة للكوكب، جنبًا إلى جنب مع ديناميكيات الصخور المنصهرة، ربما كانت وراء تشكيل هذا الانقسام. وعندما توقف النشاط التكتوني، تحول المريخ إلى هيكل “الغطاء الراكد”، مع الحفاظ على هذا الانقسام على مر العصور.

العمليات الداخلية أم التأثيرات الخارجية؟

وفي تعليقه على هذه النتائج، أشار الدكتور بنيامين فرناندو، الباحث الرئيسي في الدراسة، إلى أن الأدلة تدعم فرضية العمليات الداخلية التي تسببت في الانقسام. وأوضح أن الصهارة الموجودة تحت المرتفعات الجنوبية ربما كانت قد دفعت للأعلى، بينما انخفضت في نصف الكرة الشمالي نحو مركز الكوكب، وهو ما يتماشى مع التغيرات التي تم رصدها في سمك القشرة ودرجة حرارة الوشاح.

رغم أن الدراسة ترجح الأصل الداخلي للانقسام، إلا أن الباحثين يؤكدون على ضرورة جمع مزيد من البيانات الزلزالية ونماذج كوكبية متقدمة لتأكيد هذه النتائج. وتظل التأثيرات الخارجية مثل اصطدام الكويكبات خيارًا محتملًا، وفقًا لبعض الدراسات الحديثة.