تعرض المستثمرون للذعر مطلع الأسبوع الجاري مع عمليات البيع الحادة المفاجئة في أسهم التكنولوجيا الأميركية، مما أدى إلى تنامي مخاوف انتقال العدوى إلى باقي قطاعات السوق، لكن يبدو أن جرس الإنذار قد هدأ قليلاً بعد تراجع مؤشر “إس أند بي 500” بأقل من واحد في المئة مقارنة بخمسة أيام مضت.
ومن المؤكد أن هذا الخبر سيكون ساراً للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يعتبر أداء سوق الأسهم مؤشراً إلى نجاحه في البيت الأبيض، فقبل موجة الذعر في قطاع التكنولوجيا تفاخر بارتفاع مؤشر “إس أند بي 500” اثنين في المئة خلال أسبوعه الأول في منصبه، وهو أفضل بداية لرئيس أميركي منذ الفترة الثانية لرونالد ريغان عام 1985.
وعلى رغم أن تعثر أسهم التكنولوجيا أوقف الزخم الإيجابي للأسواق فإن المستثمرين لا يزالون يتوقعون أن تدعم سياسات ترمب الاقتصادية القوية عوائدهم خلال الأعوام الأربع المقبلة، لكن المخاوف لا تزال قائمة في شأن تأثير التعرفات الجمركية واحتمال اندلاع حروب تجارية، والإجراءات المتعلقة بالهجرة والتوترات الجيوسياسية المتزايدة.
الأسهم
وينظر إلى دونالد ترمب على أنه عامل إيجابي لقطاع التكنولوجيا، إذ استهل يومه الأول في منصبه بنبرة واثقة مسلطاً الضوء على مشروع “ستارغيت”، وهو مشروع مشترك بين “أوبن إيه آي” و”أوراكل” و”سوفت باك” يهدف إلى استثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار في البنية التحتية الأميركية للذكاء الاصطناعي، ولم يكن هذا الحدث الوحيد الذي يعكس دعم قطاع التكنولوجيا لترمب، فقد حضر كثير من المليارديرات في مجال التكنولوجيا حفل تنصيبه، إضافة إلى حصوله على دعم سياسي من الرئيس التنفيذي لشركة “تيسلا” إيلون ماسك.
ويتطلع المتفائلون إلى أن تكون رئاسة ترمب مفيدة أيضاً للشركات الصغيرة الأميركية، فقد قفز مؤشر “راسل 2000” الذي يتتبع أداء الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة ستة في المئة خلال اليوم التالي لنتيجة الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهي أفضل جلسة له منذ عامين، لأن السياسات الحمائية للتجارة التي يتبناها ترمب ستدعم الشركات التي تحقق معظم مبيعاتها في السوق المحلية.
وقال المتخصص في شركة الأبحاث “مورنينغستار” مايكل فيلد لـ “تايمز” إن “ترمب يريد للاقتصاد أن يسير بوتيرة سريعة وهو ما يصب في مصلحة الشركات الصغيرة، إذ تحقق معظم إيراداتها في الولايات المتحدة”، مضيفاً أنه “من المتوقع أيضاً أن يمارس ترمب ضغوطاً على الاحتياط الفيدرالي الأميركي لخفض الفائدة هذا العام، والشركات الصغيرة تكون أكثر تأثراً بأسعار الفائدة، فعلى سبيل المثال يمكن للشركات الكبيرة إصدار سندات وإصدار ديون بأسعار فائدة منخفضة، بينما تكون الشركات الصغيرة أكثر تعرضاً للقروض البنكية ذات الفائدة المتغيرة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار فيلد إلى أن الدفاع هو مجال آخر يمكن أن يحفز فيه ترمب زيادة في الإنفاق، إذ إن الصناعة تشهد بالفعل نمواً مع تزايد الإنفاق من قبل الحكومات الدولية نتيجة الحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، لكن التصريحات التي أدلى بها ترمب في شأن ضرورة أن تنفق دول الـ “ناتو” مزيداً من موازنتها على الدفاع قد تكون بمثابة دفعة إضافية للقطاع.
وقال مدير صندوق “تيندال نورث أميركان” فيليكس وينتل إن “زيادة الإنفاق الدفاعي قد لا تكون متساوية عبر القطاع”، مضيفاً أن “السؤال هو ما الذي ستنفق عليه الحكومات الأوروبية الموازنات الدفاعية الأكبر، فقد لا يكون الأمر بالقدر نفسه من التركيز على العقود طويلة الأمد أو أنظمة الطائرات، وقد يكون أقل على الجنود الميدانيين، ومن المرجح أن يكون التركيز أكثر على التكنولوجيا والأمن السيبراني والطائرات من دون طيار”.
وكان موقف ترمب المؤيد للنفط قد دعم أسهم الطاقة أيضاً، إذ ارتفع مؤشر “أس أند بي 500” للطاقة 3.5 في المئة في اليوم الذي تلا الانتخابات ليحقق أفضل جلسة له خلال عام، ومع ذلك شهد القطاع تقلبات منذ ذلك الحين بسبب المخاوف المتعلقة بالرسوم الجمركية والنمو الاقتصادي والإمدادات الزائدة المحتملة في السوق.
وقد دفع ترمب نحو خفض الأسعار، وفي أسبوعه الأول انخفض سعر النفط قليلاً بعد أن أعلن خططاً شاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، بينما طالب أيضاً منظمة “أوبك” بخفض أسعار النفط الخام، ومع ذلك أشار بعض المحللين إلى أن التهديد بعقوبات أميركية على منتجي النفط الرئيسين مثل روسيا وإيران قد يقوض هدفه في خفض كُلف الطاقة.
سندات الخزانة الأميركية
وكانت هناك مخاوف كبيرة قبل رئاسة ترمب في شأن حدوث تراجع في سوق السندات نظراً إلى الرقابة المتزايدة على استدامة الديون الأميركية وإمكان زيادة الحروب التجارية التي قد ترفع التضخم، لكن الأسبوع الأول من ولايته الثانية كان هادئاً في سوق السندات الأميركية بعدما تداول العائد عليها لأجل 10 أعوام حول 4.63 في المئة الجمعة الماضي، وهو مستوى مشابه للأسبوع السابق.
وارتفعت أسعار السندات الحكومية خلال انهيار الأسهم الذي قاده قطاع التكنولوجيا هذا الأسبوع، إذ سعى بعض المستثمرين إلى البحث عن أمان في الأصول الأقل مخاطرة، وأدى البيع المكثف إلى زيادة التوقعات بتيسير نقدي إضافي بعدما تكهن بعض الاقتصاديين بأن زيادة الإنتاجية الناتجة من الذكاء الاصطناعي قد يكون لها تأثير انكماشي.
الدولار الأميركي
وارتفع الدولار بصورة قوية قبل بداية إدارة ترمب الثانية، إذ استعد المستثمرون لفرض رسوم جمركية حادة واحتمال ارتفاع التضخم، ويعزى جزء من ذلك إلى ضعف بعض العملات العالمية الأخرى التي تكون عرضة لسياسات ترمب الاقتصادية، بما في ذلك اليورو والدولار الكندي.
ومن منظور الأسهم فلا يعني ذلك كثيراً للشركات الأميركية، ولكن بالنسبة إلى الشركات المدرجة في “مؤشر فوتسي 100” القياسي في لندن، فإن ذلك يعتبر أمراً إيجابياً، إذ إن معظم مبيعاتها تجري خارج بريطانيا، وهذا يعني أنه عند تحويل العائدات إلى الجنيه الإسترليني تحصل أرباح الشركات على زيادة طفيفة بفضل تغييرات أسعار الصرف.
العملة المشفرة
وبالنظر إلى أوضح صفقة ناجحة لترمب حتى الآن فقد كانت سوق العملات الرقمية، إذ قال الرئيس الأميركي إنه يخطط لإصدار أمر تنفيذي يجعل من العملات الرقمية أولوية سياسية ويمنح قادة الصناعة صوتاً في إدارته، ومن المتوقع أيضاً أن يخفف من اللوائح التنظيمية ويؤسس احتياطاً إستراتيجياً من “بيتكوين”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية