يعتمد قطاع الرعاية الصحية اليوم بصورة متزايدة على التقنيات الرقمية، وهذا ما يدل على التزام قوي باستخدام أدوات متقدمة لرعاية المرضى وإدارة البيانات بصورة أكثر كفاءة. لكن هذا التطور الكبير جعل قطاع الرعاية الصحية في المقابل هدفاً مربحاً لمجرمي الإنترنت.

وتقدم خوارزميات التعلم الآلي حلاً واعداً في هذا السيناريو الصعب لردع الهجمات السيبرانية، وهكذا تجاوز التعلم الآلي كونه مجرد مصطلح شائع ليصبح أداة قوية في حماية بيانات الرعاية الصحية الأكثر حساسية.

ما أهمية بيانات الرعاية الصحية؟

وثمة أسباب جوهرية تجعل بيانات الرعاية الصحية جذابة للغاية لمجرمي الإنترنت، ويعود السبب الأول إلى القيمة العالية لمعلومات الصحة الشخصية، والتي تتضمن تاريخاً طبياً مفصلاً ومعلومات التأمين وبعض المعلومات الشخصية، ويمكن بيع هذه البيانات في السوق السوداء أو استخدامها في مخططات سرقة الهوية.
وتتعرض أنظمة الرعاية الصحية للخطر أيضاً بسبب منصاتها المتكاملة، والتي تراوح من السجلات الصحية الإلكترونية إلى بوابات المرضى، إذ تقدم كل منها نقاط وصول محتملة لمجرمي الإنترنت.
أخيراً وليس آخر تأتي الطبيعة الحرجة لخدمات الرعاية الصحية، وتجعل هذا الجانب من القطاع هدفاً جذاباً لهجمات برامج الفدية، من ثم تجعل العاملين فيها ضحية وتجبرهم على دفع الأموال بسرعة لاستئناف العمليات الجراحية ورعاية المرضى.

التهديدات السيبرانية للرعاية الصحية

وكثر لا يعرفون عن أخطار الهجمات السيبرانية على خدمات الرعاية الصحية، وهي متعددة وتشمل من ضمنها سرقة بيانات المرضى، فغالباً ما يستهدف مجرمو الإنترنت سجلات المرضى لبيعها في السوق السوداء أو استخدامها في مخططات الاحتيال.
وهناك أيضاً تهديدات داخلية تمكن الموظفين أو الشركاء الذين لديهم إمكانية الوصول إلى أنظمة الرعاية الصحية من إساءة استخدام وصولهم لتحقيق مكاسب شخصية أو التسبب عن غير قصد بخرق البيانات. وهناك هجمات برامج الفدية التي ذكرناها آنفاً وتتضمن تشفير بيانات المؤسسة والمطالبة بالدفع مقابل فك التشفير.
ونضيف إلى ما ذكرناه، عمليات التصيد الاحتيالي التي تخدع الموظفين للكشف عن معلومات حساسة أو بيانات اعتماد، وتكون نتيجتها الوصول غير المصرح به إلى أنظمة الرعاية الصحية.

كيف يعزز التعلم الآلي أمن الرعاية الصحية السيبراني؟

ويمثل التعلم الآلي خطوة كبيرة إلى الأمام في مجال أمن الرعاية الصحية السيبراني مقارنة بالطرق القديمة مثل الكشف القائم على التوقيع، والتي أثبتت محدودية في الفعالية. وفي الأساس تعمل هذه الطريقة القديمة عبر مطابقة أنماط الفيروسات المعروفة، لكنها لا تستطيع اكتشاف الفيروسات الجديدة أو التي تغيرت قليلاً والتي لا توجد بالفعل في قاعدة بياناتها. لذا، فهي ليست مثالية في اكتشاف أنواع جديدة من التهديدات السيبرانية التي تستمر في التغير.

وعلى النقيض من ذلك، يستخدم التعلم الآلي خوارزميات تتعلم من البيانات، وتتكيف باستمرار مع المعلومات الجديدة. وتسمح هذه القدرة لأنظمة التعلم الآلي بتحديد التهديدات والاستجابة لها في الوقت الفعلي، وهي ميزة حاسمة في الأمن السيبراني للرعاية الصحية.
ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحليل مجموعات البيانات المعقدة والمتنوعة بصورة أكثر فاعلية من الطرق التقليدية، وتالياً تكشف عن الأنماط والارتباطات المخفية التي قد تشير إلى تهديد أمني، مما يوفر نظرة أعمق إلى نقاط الضعف المحتملة.

من ناحية ثانية، يمكن للتعلم الآلي أتمتة الاستجابات للتهديدات المكتشفة، وهذا ما يقلل بصورة كبيرة من الوقت والموارد اللازمة للتدخل اليدوي. وهذه الأتمتة حيوية في الرعاية الصحية، إذ تكون الاستجابة السريعة للحوادث الأمنية، أمراً بالغ الأهمية.
وتتعامل حلول التعلم الآلي بكفاءة مع الكميات الهائلة من البيانات التي أُنشئت في الرعاية الصحية، ويمكنها التوسع مع نمو حجم البيانات، فتضمن بذلك الحماية المتسقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قدرات التوقع

إلى ذلك تكشف أنظمة التعلم الآلي الأخطار الأمنية المستقبلية من خلال النظر في أنماط البيانات والاتجاهات، وتحلل خوارزمياتها بسرعة البيانات لتحديد الانحرافات عن السلوك الطبيعي، مثل محاولات تسجيل الدخول غير العادية أو الوصول غير المتوقع إلى البيانات. ويتيح هذا الفعل لمنظمات الرعاية الصحية اكتشاف ومنع الخروق أو الهجمات المحتملة على الفور.
وبما أن مرشحات البريد الإلكتروني التقليدية غير قادرة على التعامل مع محاولات التصيد الاحتيالي المعقدة، يسد التعلم الآلي هذه الفجوة، فتحلل خوارزمياته محتوى البريد الإلكتروني، بما في ذلك الإشارات والأنماط الدقيقة التي يتم تجاهلها عادة، لتحديد رسائل التصيد الاحتيالي ووضع علامة عليها.
وبعد ذلك يمكن للتعلم الآلي المساعدة في إنشاء آليات دفاع مناسبة، ومن خلال فهم التكتيكات المتطورة لمجرمي الإنترنت، يمكن لمنظمات الرعاية الصحية تكييف استراتيجيات الأمن السيبراني الخاصة بها وفقاً لذلك.
إضافة إلى ما تقدم، تجمع أنظمة التعلم الآلي وتحلل معلومات التهديد من مصادر مختلفة. ويتيح هذا التجميع والتحليل الآلي المستمر للبيانات لمنظمات الرعاية الصحية البقاء على بينة من نقاط الضعف واستراتيجيات الهجوم الجديدة، مما يضمن أن تكون تدابير الأمن الخاصة بها مناسبة دائماً.

نماذج من شركات عالمية

وتعتمد كبرى المستشفيات العالمية راهناً على أنظمة متطورة لحماية بياناتها، أبرزها أنظمة اكتشاف الشذوذ من شركة “أي بي أم” الأميركية التي تستخدم التعلم الآلي الخاضع لغربلة مجموعات البيانات الكبيرة. وفي بيئة الرعاية الصحية، قد يعني هذا الأمر اكتشاف الوصول غير المصرح به إلى سجلات المرضى أو اكتشاف أوقات تسجيل الدخول التي لا تتوافق مع الأنماط المعتادة.
من جهتها، تقدم شركة “بالو ألتو نيتوركس” الأميركية عبر أنظمتها القدرة على معالجة كميات هائلة من بيانات إنترنت الأشياء خلال الوقت الفعلي، مما يتيح الكشف السريع عن التهديدات والاستجابة لها،ويخفف هذا المستوى من الأتمتة الضغط على القطاع الصحي مع تقليل أخطار الخطأ البشري أثناء المواقف عالية الضغط.

وتكتشف خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية في شركة “مايكروسوفت” الأميركية الأنماط واللغة الضارة داخل رسائل البريد الإلكتروني، وتميز بين محاولات التصيد الاحتيالي والاتصالات المشروعة. ويمكن لمعالجة اللغة الطبيعية تحليل بنية رسائل التصيد الاحتيالي وتمييزها عن الرسائل الحقيقية، وهي قدرة بالغة الأهمية لمنظمات الرعاية الصحية، والتي غالباً ما تكون أهدافاً رئيسة للتصيد الاحتيالي بسبب البيانات الحساسة التي تتعامل معها.

نقلاً عن : اندبندنت عربية