منذ عشرينات القرن الماضي طور العلماء على مدى عقود من الزمن ومنذ انطلاق عصر الفضاء نوعين رئيسين من العدسات أو المقاريب التي تطلع بمهمة التقاط وإرسال صور دقيقة للفضاء.

النوع الأول القديم منها هو المقاريب الثابتة الموجودة على سطح الأرض، وأما النوع الثاني وهو الأحدث فهو المقاريب المتحركة التي ترسل إلى الفضاء الخارجي لتقوم بمهام التقاط صور للفضاء العميق من كثب، وأشهرها مقراب “هابل” الذي أطلق للفضاء عام 1990.

وأصبحت الصور الدقيقة التي تصل إلينا أخيراً بشكل شبه يومي من الفضاء العميق بمثابة الإنجازات الرفيعة المتعلقة بأشخاص يعملون لمصلحة وكالات الفضاء الرسمية والتجارية حول العالم، لكن ما يصل إلينا اليوم من صور مدهشة ما هو من وجهة نظر علمية إلا تمهيد لتحقيق إنجازات علمية كبيرة في هذا المجال بناءً على هذه الصور.

وعلى رغم ذلك يسهب ملتقطو هذه الصور بالحديث عن نوع الكاميرات التي جهزت لها وملابسات أخذ الصورة بوصفها كواليس مثيرة للمتابعين، إذ نشرت مواقع إخبارية وفضائية كبرى أخيراً منها موقع “أصدقاء ناسا” وبمناسبة العام الجديد 2025 ما سمته صورة الأسبوع. وهي عبارة عن صورة دقيقة للغاية التقطت بعدسة متحركة مصنعة خصيصاً لهذه الغاية، وهي تصوير ورصد أدق التفاصيل في عدد من المجرات تحت اسم Abell S636.

 

ويستمتع كثيرون بمشاهدة الصور الدقيقة المبهرة التي تأتينا من الفضاء، إلا أن كثيراً من هذه الصور التي تقدم لنا بمثابة إنجازات رفيعة للعلم والتي تعبر عن تقدم ملحوظ في تقنيات الفضاء ما هي في جوهرها العميق إلا إنجاز قديم وبدائي في هذا المجال، إذ شق طريقه في عصر غزو الفضاء منذ عشرينيات القرن الماضي عبر مراقيب متحركة مثل “هابل”.

ومفارقة هذه الصور فائقة الدقة أحياناً أنها تشتت انتباه الناس عن التراجع الكبير الذي طرأ على كثير من برامج غزو واستكشاف الفضاء منذ مطلع الألفية الحالية وحتى وقتنا الراهن. وعلى رغم ذلك تلعب هذه الصور دوراً هاماً في هذا المجال العلمي الذي ما زالت البشرية في أمس الحاجة له.

إنجاز رفيع

وفي تفاصيل هذه الصور تشير المواقع عادة إلى معلومات هامة منها مكان ونوع التلسكوب الذي التقطت به واسم الدولة الذي وضعت فيها وكالة الفضاء عدستها، وموقع المجرات الذي يبعد ملايين السنين الضوئية عن مجرتنا.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن نشر هذه الصور المبهرة بصرياً صار يغطي أحياناً على الفكرة الأعمق من ورائها وهي محاولة التعمية أحياناً على تراجع المهام الفضائية لوكالات الفضاء الرسمية والتي يقول بعض العلماء إنها أصبحت ذات طابع جمالي أكثر من كونها تهدف إلى تحقيق مزيد من المنجزات العلمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل أصبحت هذه الصور اليوم بمثابة إنجاز رفيع لهذه الوكالات حل محل تلك البرامج التي أعلنت وكالات الفضاء العالمية عن كونها غير واقعية أو كونها طموحة للغاية والتي كان أشهرها على الإطلاق برنامج غزو الفضاء التابع لوكالة “ناسا” الفضائية الذي أعلنت وكالة الفضاء الأميركية عن إلغائه في 2013.

ومطلع هذا العام نشر موقع أصدقاء ناسا “فريندز أوف ناسا” صورة دقيقة لما يسمى عنقود أنتليا Abell S636 وهو عبارة عن مجموعة من 230 مجرة في الأقل تقع على بعد نحو 130 مليون سنة ضوئية في اتجاه كوكبة Antlia (مضخة الهواء) التي تستضيف مجموعة متنوعة غنية من أنواع المجرات، بما في ذلك المجرات العدسية والمجرات غير المنتظمة والأقزام فائقة الصغر. ويهيمن على العنقود مجرتان بيضاويتان ضخمتان هما NGC 3268 وNGC 3258.

تفاصيل لا تصدق

وأفاد الموقع بأن هذه الصورة التقطت باستخدام كاميرا الطاقة المظلمة المصنعة بدقة 570 ميغابكسل DECam، والتي تم تركيبها على تلسكوب Víctor M. Blanco الذي يبلغ طوله 4 أمتار التابع لمؤسسة العلوم الوطنية الأميركية NSF في مرصد سيرو تولولو للبلدان الأميركية في تشيلي. وهو برنامج تابع لـ NSF NOIRLab. ويلتقط هذا المرصد جزءاً من 230 مجرة عثر عليها حتى الآن لتشكل عنقود أنتليا. وتعرض الصورة الدقيقة للغاية مجموعة متنوعة من المجرات داخل وخارج العنقود بتفاصيل لا تصدق.

 

وأكدت مقالات متخصصة عن الفضاء نشرت عبر مختلف الموسوعات العلمية العالمية ومنها الموسوعة العلمية الأوروبية “ويكيبيديا” على أن فكرة التقاط صور للفضاء العميق من مراصد ثابتة أو متحركة ما هي إلا فكرة تقليدية أو حتى بدائية تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، وتحديداً إلى فترة إطلاق مقراب “هابل” الفضائي عام 1990 ولكن الفكرة لقيت رواجاً إعلامياً كبيراً في الفترة الراهنة من عمر برامج الفضاء التابعة لوكالات الفضاء الحكومية الكبرى الرائدة ومنها الوكالة الأوروبية والصينية والروسية وعلى رأسها “ناسا” الأميركية.

ومقراب “هابل” الفضائي أو مرصد “هابل” الفضائي (بالإنجليزية: Hubble Space Telescope ويدعى اختصاراً HST)‏ هو مرصد فضائي يدور حول الأرض، وقد أمد الفلكيين بأوضح وأفضل رؤية للكون على الإطلاق بعد طول معاناتهم من المقاريب الأرضية التي تقف في طريق وضوح رؤيتها كثير من العوائق سواء من ناحية جو الأرض المليء بالأتربة والغبار أم المؤثرات البصرية الخادعة لهذا الجو والتي تؤثر في دقة النتائج.

وتنظر المقاريب الأرضية إلى الفضاء من خلال غلاف الأرض الجوي، الذي يكون معتماً للغاية، لذلك نشرت الصورة الدقيقة على الموقع المذكور “أصدقاء ناسا” مع الإشارة إلى نوع العدسة المتقدمة التي استعملت لهذه الغاية وبواسطة كاميرا الطاقة المظلمة المصنعة بدقة 570 ميغابكسل DECam. وحتى عندما يكون الغلاف الجوي شفافاً، فإن عديداً من المركبات الكيماوية الموجودة في الهواء، مثل الماء وثنائي أكسيد الكربون والميثان تعوق عمل المقاريب. في المقابل لا تستطيع حتى المقاريب الفضائية الحالية مثل “هابل” وغيرها دراسة هذه النطاقات بسهولة، وذلك لأن مراياها ليست باردة بدرجة كافية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية