عندما ظهر الرئيس ترمب عبر شاشة فيديو ضخمة في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بعد أيام من تنصيبه الشهر الماضي، اختير أربعة فقط من بين مئات الرؤساء التنفيذيين البارزين في المنتدى لطرح سؤال.

وكانت من بينهم رئيسة بنك “سانتاندير الإسباني”، آنا بوتين التي أخبرت ترمب بأنها تدير بنكاً يخدم 170 مليون عميل حول العالم، متفوقة بذلك على “أصدقائها” رئيس “جيه بي مورغان” جيمي دايمون، ورئيس “بنك أوف أميركا” براين موينيهان، الذي كان يجلس إلى جانبها.

وعزز هذا التصريح مكانتها العالمية على رأس بنك تبلغ قيمته 75 مليار يورو (77.7 مليار دولار)، مما يجعله أكبر من جميع بنوك بريطانيا باستثناء “أتش أس بي سي”.

ورغم هذه الشهرة العالمية تواجه بوتين، البالغة من العمر 64 سنة، دراما داخلية في بريطانيا، إذ تكافح لإخماد الإشاعات التي تشير إلى أنها بصدد إعادة تقييم عملياتها في بريطانيا.

وبدأت المخاوف في شأن نيات “سانتاندير” في بريطانيا في الظهور قبل أسبوع، عندما أفادت صحيفة “فايننشال تايمز” أن البنك الذي يوظف 18300 شخص يراجع عملياته، وزادت التكهنات في الأسبوع الماضي عندما أعلن رئيس العمليات في بريطانيا والرئيس التنفيذي السابق لبنك الاستثمار ويليام فيركير، عن نيته مغادرة منصبه هذا العام بعد خمسة أعوام أقل من المتوقع.

وهذا الأسبوع، كانت بوتين مصممة على إنهاء الإشاعات التي تدور في مدينة لندن قبل أن يستعد البنك للإعلان عن نتائج العام الكامل، الأربعاء المقبل.

وفي مقابلة مع “ذا صنداي تايمز”، قالت “البنك ليست للبيع. نحن نحب بريطانيا، وستظل سوقاً أساسية بالنسبة إلينا. نحن نراجع استراتيجية كل عام. بريطانيا مربحة، وتوفر لنا التنويع لأنها تعتمد على عملة مختلفة، وتمتلك موازنة عمومية منخفضة الأخطار، وسعيدة جداً بالتقدم الذي يحرزه فرعنا في بريطانيا”.

وتأتي تدخلاتها بعد تدقيق مكثف على بنك “سانتاندير”، الذي تمكن قبل 20 عاماً من الاستحواذ على شركة “آبي ناشيونال للتأمين” بـ8.5 مليار جنيه استرليني (10.5 مليار دولار). وعزز البنك وجوده في بريطانيا خلال أزمة البنوك في 2008 عندما أنقذ بنكي “أليانس أند ليستر” و”برادفورد أند بينغلي” اللذين كانا في السابق مؤسسات بناء.

وسلطت المناقشات حول أنشطة البنك في بريطانيا الضوء على فترة رئاستها منذ 2014، وما تواجهه من تحديات في محاولة إحياء سعر السهم الذي انخفض بنسبة 30 في المئة منذ توليها المنصب، ويرى البعض أن البنك أصبح هدفاً محتملاً للمستثمرين النشطاء، فمن هي بوتين وما هي خططها لبريطانيا؟

عائلة آنا بوتين الملكية

آنا باتريشيا بوتين سانز دي سوتولا إي أوشيا هي الأكبر بين ستة أطفال للمرحوم إميليو بوتين، سليل عائلة مصرفية، وبالوما أوشيا، الماركيزة وعازفة البيانو الماهرة.

وتأسس البنك عام 1857 لتسهيل التجارة بين ميناء “سانتاندير” الإسباني الشمالي وأميركا اللاتينية، لكن تورط عائلة بوتين بدأ في أوائل القرن الـ20 عندما تولى جدها الأكبر زمام القيادة، ولا تزال سيطرتهم مستمرة رغم أن العائلة تمتلك 1.2 في المئة فقط من الأسهم.

ووفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، فهذا يعني أنها ولدت في بيئة تشبه “العائلة المالكة” وعاشت “تحت المجهر” من قبل المراقبين، وفقاً لما قاله شخص مطلع على البنك.

بوتين كانت ترغب في أن تصبح صحافية، وليس أن تسير على خطى عائلتها، وتلقت تعليمها دولياً، إذ درست في مدرسة سانت ماري بآسكوت في بيركشاير، ثم حصلت على درجة في الاقتصاد من كلية بريين ماور النسائية الخاصة في بنسلفانيا، تلتها درجة الماجستير في هارفرد، ومن هناك انضمت إلى “جيه بي مورغان” في نيويورك.

وأمضت بوتين ثمانية أعوام مع البنك قبل أن تعود إلى إسبانيا لتقود التوسع السريع لبنك “سانتاندير” في أميركا اللاتينية تحت إشراف والدها، وغادرت فجأة عام 1998 بعد صراع على السلطة حول الاستحواذ على منافسها المحلي “سينترال هيبانو”، إذ كان القلق يدور حول هيمنة عائلة بوتين على الإدارة، وبعد أربعة أعوام، عادت لتدير البنك المحلي “بانستو” الذي جرى الاستحواذ عليه.

وفي عام 2010، عينت في إدارة فرع البنك في بريطانيا بعد استقالة رئيسه أنطونيو هورتا-أوسوريو، الذي ذهب لقيادة مجموعة “لويدز” المصرفية التي كانت في أزمة. وكان لديها ميل عاطفي نحو بريطانيا، إذ ظهرت على الساحة هناك وسط فضائح بنكية عقب الأزمة المالية، وبعد خمسة أعوام، منحت لقب “سيدة فخرية” في بريطانيا.

توفي والدها فجأة عام 2014 نتيجة نوبة قلبية عن عمر يناهز 79 سنة، مما دفعها للعودة إلى إسبانيا لتولي منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للمجموعة، وكان هذا الدور غير معتاد في الشركات البريطانية والأوروبية، ولا يزال للبنك رئيس تنفيذي، وهو منصب لم تخلُ تعييناته من التحديات، ففي عام 2018، حاولت تعيين المقرب من والدها أندريا أورسيل، الذي كان يلقب بـ”رونالدو البنوك” بفضل مهاراته في إبرام الصفقات، لكنهم اختلفوا في شأن مطالبه بعقد راتب يتجاوز 60 مليون يورو (62.1 مليون دولار)، ورفع أورسيل دعوى قضائية ضد البنك، قضت لمصلحته بتعويض قدره 43.4 مليون يورو (44.9 مليون دولار)، ولا يزال “سانتاندير” يعترض على التسوية.

رفضت بوتين الادعاءات التي تقول إن المحسوبية ساعدتها في الوصول إلى القمة، وفي عام 2004، قالت لمجلة “تايم” إنها “بدأت من القاع. لم تعط لي أي شيء”. ورغم أن ذلك قد يبدو غير مرجح، فإن اللورد بيرنز، المسؤول السابق الذي كان رئيس مجلس إدارة “آبي” حين اشترته “سانتاندير”، ذكر قائلاً “لم يمنحها والدها أي تفضيل على الإطلاق”.

وقال بيرنز الذي كان عضواً في مجلس إدارة المجموعة حتى عام 2014، “أود أن أقول إنه كان أكثر صرامة معها مقارنة ببقية المديرين التنفيذيين”. وقال أحد الأشخاص الذين يعرفون البنك جيداً، إن بوتين كانت تعرف نفسها من خلال معارضتها لوالدها.

كان أول عمل لها بعد توليها المنصب بعد وفاة والدها هو طلب تمويل بقيمة 7.5 مليار يورو (7.7 مليار دولار)، أي ما يعادل 10 في المئة من القيمة السوقية للبنك من أجل تعزيز موقفه المالي، وبينما كان هذا بداية عملية تعزيز قوة البنك، فإن سعر سهمه ظل ضعيفاً.

وتفضل بوتين التركيز على 32 مليار يورو (33.1 مليار دولار) أنفقت على إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح خلال الأعوام الـ10 الماضية، وقالت “أعتقد أن سعر السهم لديه كثير من الإمكانات والدليل في النتائج”.

ويفسر أداء سعر السهم السبب وراء التركيز الكبير على البنك في بريطانيا، التي أسهمت بنسبة 13 في المئة من أرباح ما قبل الضرائب البالغة 16.6 مليار يورو (17.2 مليار دولار) في 2023.

المشكلة البريطانية

وقال الرئيس المشارك لبحوث البنوك الأوروبية في “بنك أوف أميركا”، أنطونيو ريالي للصحيفة “إذا أردنا أن ندعم أسهم سانتاندير، فإن أحد الخيارات هو التخلص من تلك الشركات التي لا تغطي كلفة رأس المال، وإعادة نشر تلك الموارد في مكان آخر في المجموعة أو إعادتها إلى المساهمين. وبريطانيا هي واحدة من تلك الأسواق، وهي موضوع يثير اهتمام المستثمرين”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تحول بعض العملاء البريطانيين إلى منافسين أصغر مثل “سانتاندير”، فإن معظمهم لا يزالون يحتفظون بحساباتهم الجارية لدى اللاعبين الموثوق بهم والراسخين. ومن دون الأموال الموجودة في تلك الحسابات الجارية، يتعين على “سانتاندير” أن يستغل الأسواق المالية المكلفة للحصول على النقد لإقراض العملاء في الرهن العقاري والقروض الأخرى، وهذا هو السبب الذي يجعل البعض يعتقد أن الوقت قد حان بعد 20 عاماً من المحاولات. ويقول محلل البنوك في “رويال بنك أوف كندا” بنيامين تومز، “بالنسبة إلى بنك سانتاندير، فإن الأمر يتلخص في التخلص من أعمال التجزئة في بريطانيا أو شراء شيء ما لتنويعها وتنميتها”.

وتنتشر الإشاعات حول اقتراب “باركليز” من شراء فرع “سانتاندير” في بريطانيا، أو أن جمعية بناء قد تكون مهتمة بعد استحواذ “ناشيون وايد” على “فيرجن موني” العام الماضي.

ويتساءل البعض عما إذا كان “سانتاندير” قد يقلب الطاولة ويتقدم بعرض لشراء “باركليز” لمساعدة بوتين على تحقيق النمو في أميركا، إذ يتجه “سانتاندير” نحو الخدمات المصرفية الاستثمارية.

وبقدر ما يتعلق الأمر ببوتين، فإن الشركة ليست للبيع ولا توجد خطط للاستحواذ.

ويلاحظ المطلعون أن البنك كان يعمل على دمج أنظمة تكنولوجيا المعلومات البريطانية مع أنظمة الشركة الأم الإسبانية، وقال أحدهم “نحن نتشابك مع المجموعة أكثر فأكثر… هذا ليس تصرف بنك يتطلع إلى بيع قسم”.

فيما يعتقد البعض الآخر أن “سانتاندير” يعتزم السعي إلى النمو في بريطانيا من خلال إطلاق بنكه الرقمي، “أوبن بنك”، الذي يطرح في أميركا في أقرب وقت من العام المقبل.

وفي مواجهة القيود التنظيمية البريطانية الشاقة، غالباً ما تبدو العائدات أعلى في أماكن أخرى.

وبعد 10 أعوام من توليها زمام القيادة، وسعر السهم في حال ركود، قد تواجه بوتين أسئلة من المستثمرين حول المدة التي قد تبقى فيها في منصبها، إذ توفي والدها وهو في الـ79 من عمره، بينما تقاعد والده في الـ83 من عمره. وتقترب بوتين من عيد ميلادها الـ65 وهي ليست في مزاج يسمح لها بالانسحاب، ربما لأن أفراد الأسرة لم يعدوا ليحلوا محلها.

وقالت بوتين، “سأظل في منصبي طالما أراد مجلس إدارتي ومساهمو الشركة ذلك. لدي كثير من الطاقة. يمكنك بناء الطوب في إسبانيا حتى تبلغ 68 سنة. يمكنني بالتأكيد الجلوس على مكتب طالما أمارس الرياضة وأعيش حياة صحية”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية