استبشر اللبنانيون خيراً من الأحداث التي شهدتها البلاد في الأسابيع القليلة الماضية، واعتبروا أنها بداية نهاية المرحلة السوداء التي استمرت أعواماً إيذاناً ببدء مرحلة جديدة أشبه بـ”الفرصة الأخيرة” التي قد ينالها هذا البلد الغارق بأزماته الأمنية والسياسية والاقتصادية.

فبعد سنتين وأكثر من الفراغ الرئاسي، انتخب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية في التاسع من يناير (كانون الثاني) الماضي وبعدها بأربعة أيام كلف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة، وهما شخصيتان بنظر جزء كبير من اللبنانيين بعيدين من المنظومة التي حكمت لأعوام طويلة، مما يعني نهجاً جديداً في الحكم مغاير عما سبق، وانعكاساً إيجابياً في السياسة والأمن، والأهم في الاقتصاد المتهالك.

بعدها أتى موعد الـ26 من يناير ليشكل “خرقاً” أو فرملة للإيجابية التي سادت أخيراً، مع بقاء القوات الإسرائيلية في بلدات جنوبية عدة، على رغم انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار، واستهدافها لعشرات الجنوبيين الذي عادوا إلى بلداتهم، مما أدى إلى وقوع العشرات بين قتلى وجرحى. 

كذلك شهدت شوارع رئيسة في العاصمة بيروت وبعض مناطق الجنوب مسيرات لدراجات نارية سار بها أنصار “الثنائي الشيعي”، أي “حزب الله” وحركة “أمل”، حملت شعارات حزبية وطائفية، ونظر إليها على أنها استفزاز مباشر للخصوم في السياسية وكذلك رسالة واضحة للعهد الجديد، بأن الحكومة لا بد أن تأخذ بمطالب هذا الفريق عند التشكيل، أو أن للشارع كلمته. 

إيجابية مشوبة بالأخطار

عند هذه المحطة، توقف متابعون لقراءة المشهد في أبعاده المرحلية والمستقبلية، معتبرين أن الإيجابية التي سادت في لبنان لفترة أسبوعين، بدت اليوم مشوبة بكثير من الأخطار وهو ما سيعني حكماً أن البلاد لا تزال تحتاج إلى مرحلة مخاض طويلة الأمد لتبدأ مرحلة التعافي الفعلي.

وفي الاقتصاد يترجم هذا الكلام بأن لا انتعاشة اقتصادية قريبة، ولا عودة لمستثمرين عرب أو أجانب للانطلاق بمشاريع جديدة أو أقله استئناف ما كان قائماً قبل أعوام طويلة. كذلك فإن المساعدات الضرورية لعملية إعادة الإعمار، التي تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار، لن تأتي حكماً بالسهولة التي يتوقعها كثر، وهي منوطة بصورة مباشرة باستقرار أمني وسياسي مع حكومة لا تشبه سابقاتها.

توقف مشاريع استثمارية

في هذا السياق، كان لافتاً إعلان أحد رجال الأعمال الخليجيين في لبنان قبل أيام قليلة عن إلغاء جميع المشاريع الاستثمارية وبيع جميع الممتلكات على الأراضي اللبنانية.

وفق متابعين لم يكن توقيت هذا القرار مفهوماً لأكثر من سبب، فهو يأتي في مرحلة توصف إلى حد ما بأنها أفضل مما سبق، بالمقارنة مثلاً مع الحرب القاسية قبل أشهر، كما أن في البلاد عهد جديد يأمل منه خيراً في تغليب منطق الدولة والأمان وحصر السلاح غير الشرعي، وهو ما كان ينظر إليه قبل أعوام قليلة على أنه من “مستحيلات الدينا”. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول مصادر مقربة من حزب القوات اللبنانية، إن سبب اتخاذ هذا القرار كان نتيجة “طبيعية” لحركة الاستفزازات التي شهدتها الشوارع اللبنانية قبل أيام قليلة، والتعنت الذي يقوده الثنائي في ملف الحكومة مع إصرارهما على تولي وزارة المالية وفق منطق المحاصصة الذي كان قائماً في السابق.

في المقابل، تقول أجواء مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، إن القرار الذي اتخذه رجل الأعمال المعني لم يأتِ بصورة عبثية أو “عفوية” بل هو “استفزاز” مقصود للضغط أكثر في السياسة على “حزب الله” وحركة “أمل” وتحميلهما مسؤولية خسارة لبنان استثمارات كبرى في هذه المرحلة.

معلومات عن “شبه اتفاق”

وتكشف معلومات بعيدة عما سبق، نقلتها شخصية إعلامية مقربة من رجل الأعمال، عن أن ما حصل كان نتيجة “اتفاق” كان قائماً في السابق، وربما لم يعد موجوداً.

وفي التفاصيل تكشف هذه الشخصية الإعلامية أن رجل الأعمال كانت لديه أموال في المصارف اللبنانية تقدر بنحو 600 مليون دولار أميركية عالقة مع الودائع الأخرى التي يصعب سحبها بسبب الأزمة الاقتصادية التي حصلت عام 2019.

وبهدف تحرير هذه الأموال كان هناك “شبه اتفاق” بين رجل الأعمال ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أن يتم إخراجها من المصارف عبر مشاريع استثمارية في المرحلة المقبلة وليس بصورة نقدية لصعوبة الأمر وعدم توفر السيولة الكافية.

ومع مجيء نواف سلام مكلفاً تشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لميقاتي، يبدو أن هذا الاتفاق لم يعد سارياً، وأن الرئيس الجديد أوصل رسالة إلى رجل الأعمال بأن التعامل مع ودائعه سيكون كباقي الودائع الأخرى، فكان قرار الأخير بأن يرحل عن لبنان.

وللوقوف أكثر عند هذه المعلومات مع من يعنيهم الأمر مباشرة، حاولت “اندبندنت عربية” التواصل مع مكتب رجل الأعمال للحصول منهم على رد مقابل هذه المعلومات، من دون أن تلقى أي جواب.

في المقابل تؤكد أوساط ميقاتي في رد مباشر أن الأخير يكن كل الاحترام لجميع الإخوة العرب الذين يقومون باستثمارات في لبنان ويساندون هذا البلد، وأنه أبدى كل استعداد لتسهيل عمل المستثمرين ضمن القوانين المرعية والظروف القائمة، من دون نفي أو تأكيد المعلومات المذكورة أعلاه.

نقلاً عن : اندبندنت عربية