بعد انتخاب دونالد ترمب توقّع مراقبون عودة فورية للدفء بين واشنطن وموسكو، إلا أن الرئيس الأميركي خالف التوقعات ورمى سهامه على فلاديمير بوتين مهدداً بمزيد من العقوبات، فردّ الكرملين ببرود قائلاً إن التهديد يعكس غرام ترمب المعروف بالعقوبات، وإن روسيا مستعدة لدخول محادثات مع الولايات المتحدة إذا تلقت إشارات إيجابية جديدة.
وفي ظل صعوبة عقد لقاء بين الرئيسين في موسكو أو واشنطن فقد نقلت “رويترز” اليوم الإثنين عن مصادر روسية بأن موسكو تنظر في إمكان أن تستضيف السعودية والإمارات قمة بين ترمب وبوتين، مشيرة إلى أن مسؤولين روس كباراً زاروا السعودية والإمارات خلال الأسابيع الأخيرة.
القاسم المشترك
وذكر أحد المصادر بأن بعض الدبلوماسيين ومسؤولي الاستخبارات الروس يعارضون هذا المقترح بسبب الروابط الأمنية الوثيقة التي تجمع الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات، لكن في ضوء علاقات ترمب وبوتين الوطيدة مع قادة البلدين فإن هذين الخيارين يبدوان أكثر قبولاً، بينما استبعدت المصادر الروسية تركيا التي استضافت محادثات سلام فاشلة في مارس (آذار) 2022.
وفيما لم تؤكد أي من الدول الأربع هذا التقرير إلا أن ترمب قال اليوم إن إدارته لديها “اجتماعات ومحادثات مجدولة مع أطراف مختلفة، بما فيها أوكرانيا وروسيا”، وعندما سُئل عن تلك التصريحات قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الاتصالات “مخطط لها مسبقاً على ما يبدو”.
وتوقع الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط عودة أبو ردين أن الروس سربوا عمداً هذه التقارير حول القمة بين ترمب وبوتين، واصفاً السعودية بأنها “مكان مثالي” لاستضافة الاجتماع، مرجحاً تفضيل الرئيس الأميركي عقد القمة في الرياض لصعوبة عقدها في أوروبا بسبب رغبة بلدانها في اتخاذ موقف أشرس ضد الرئيس الروسي، ومشيراً إلى امتلاك السعودية علاقات وثيقة مع طرفي النزاع، روسيا وأوكرانيا، ودعمها للأخيرة بنحو 400 مليون دولار.
الحياد والوساطة
حافظت السعودية والإمارات على الحياد طوال الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلا أنهما استغلا هذا الموقف للوساطة في عمليات تبادل الأسرى، وعلى رغم ترسيخهما علاقة متزنة مع موسكو لكنهما ضخا مساعدات إنسانية لأوكرانيا بمئات ملايين الدولارات، وأكدت السعودية مراراً استعدادها للوساطة بين طرفي النزاع ودعم الجهود الرامية إلى الوصول لحل سياسي، كما أعرب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في اتصال مع ولي العهد السعودي في سبتمبر (أيلول) 2022 عن شكره لجهوده في عملية تبادل الأسرى، مقدراً للأمير محمد بن سلمان “قبوله دور الوسيط”، وكذلك قال بوتين الذي زار السعودية في ديسمبر (كانون الأول) 2023 إنه ممتن لوساطة ولي العهد التي ساعدت في تنفيذ أكبر عملية تبادل أسرى بين موسكو وواشنطن منذ الحرب الباردة، كما أثمرت وساطة الأمير محمد بن سلمان في عملية تبادل أسرى في سبتمبر 2022 نتج منها إفراج موسكو عن 10 من مواطني المغرب وأميركا وبريطانيا والسويد وكرواتيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته زار رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد روسيا مرات عدة خلال الحرب، وقال أثناء زيارته الأخيرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إنه مستعد لدعم الجهود الرامية إلى إيجاد السلام في أوكرانيا.
وفي ديسمبر 2024 أعلنت الإمارات نجاح وساطة قامت بها بين روسيا وأوكرانيا في إنجاز عملية تبادل أسرى حرب جديدة شملت 150 أسيراً من الجانب الأوكراني ومثلهم من الجانب الروسي، ويرى المحلل الروسي فيودور لوكيانوف، وهو أحد مسؤولي “نادي فالداي” الذي يلتقي أعضاؤه بانتظام مع بوتين، إن الرئيسين الروسي والأميركي لا يملكان خيارات كثيرة، مشيراً إلى أن الجانب الروسي يقدر الأدوار المهمة للسعودية والإمارات، إلا أنه ينظر بحذر إلى تحالفهما الوثيق مع الولايات المتحدة.
ويعتبر الكاتب السياسي السعودي منيف الحربي أن سياسة السعودية في اتباع الحياد الإيجابي أسهم في تعميق وتجذير علاقاتها مع قوى العالم مما جعل الرياض العاصمة الوحيدة التي استطاعت استضافة زعماء أميركا والصين وروسيا خلال عامين، وقال الحربي إن هناك علاقة وثيقة وشخصية تربط ولي العهد السعودي مع الرئيسين ترمب وبوتين، مما يجعل السعودية أفضل مكان لعقد الاجتماع بين الرئيسين لمناقشة سبل حل الأزمة الروسية – الأوكرانية.
الاقتصاد الروسي
ولم يستبعد ترمب الذي وعد بإنهاء الحرب في أول 24 ساعة من تسلمه الرئاسة تشديد العقوبات على روسيا في حال لم تستجب لمساعيه، إذ خفضت إدارته سقف التوقعات مشيرة إلى أن الحل قد يأتي في غضون 100 يوم، إذ يسعى الرئيس الأميركي إلى استغلال ورقة الاقتصاد الروسي المنهك بالعقوبات للضغط على بوتين لقبول تسوية في أوكرانيا.
وفي الـ 23 من يناير (كانون الثاني) الماضي ذكرت “رويترز” أن الرئيس الروسي محبط من أداء اقتصاده وبات أكثر قلقاً حيال وضعه بعد الحرب، وعلى رغم أن الاقتصاد الروسي نما بفضل صادرات النفط والغاز والمعادن على مدى العامين الماضيين مع العقوبات الغربية، لكن النشاط المحلي ضعف خلال الأشهر الأخيرة بسبب نقص العمالة وارتفاع أسعار الفائدة، وبدا ترمب في خطابه أمام منتدى “دافوس” راغباً في ممارسة مزيد من الضغط على بوتين من خلال خفض أسعار النفط، وهو ما يتطلب تنسيقاً مع السعودية التي تقود تحالف “أوبك+”، لكن الرياض رفضت طلبات الرئيس السابق جو بايدن برفع إنتاج النفط في إطار حملته ضد روسيا، وشددت مراراً على أنها لا تتخذ قرارات نفطية مسيسة، لكن ترمب هدد بفرض عقوبات إضافية ورسوم جمركية على روسيا إذا لم يدخل بوتين في المفاوضات، مضيفاً أن روسيا تتجه نحو مشكلة كبيرة في اقتصادها.
ويرى فريق من النخبة الروسية أن تسوية الحرب أمر مرغوب فيه، إذ قال نائب رئيس البنك المركزي الروسي السابق أوليج فيوجين إن “روسيا مهتمة اقتصادياً بالتفاوض على نهاية دبلوماسية للصراع”، مشيراً إلى خطر التشوهات الاقتصادية المتزايدة مع زيادة روسيا الإنفاق العسكري والدفاعي.
وأقر المتحدث باسم الكرملين بوجود إشكالات في الاقتصاد، لكنه قال إنه ينمو بمعدل مرتفع وكان قادراً على تلبية “جميع المتطلبات العسكرية بشكل تدرجي”، وكذلك جميع حاجات الرعاية الاجتماعية، وفيما أبدى الروس استعدادهم لمناقشة خيارات وقف إطلاق النار مع ترمب لكنهم أصروا على قبول المكاسب الإقليمية التي حققوها في أوكرانيا وتخلي الأخيرة عن مساعيها إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وقبل أيام قليلة من تنصيب ترمب فرضت إدارة بايدن حزمة أوسع من العقوبات على عائدات النفط والغاز الروسية، وهي الخطوة التي قال مستشار الأمن القومي آنذاك جيك سوليفان إنها ستمنح الرئيس ترمب نفوذاً في أية محادثات مع روسيا.
من جانبه قال بوتين إن روسيا يمكنها الاستمرار في القتال مهما طال الوقت وأنها لن تنحني أبداً أمام قوة أخرى على حساب مصالحها الوطنية، وقد أظهر اقتصاد روسيا البالغ 2.2 تريليون دولار حتى وقت قريب قدرة تحمل ملحوظة خلال الحرب، ولذلك أشاد بوتين بكبار المسؤولين الاقتصاديين ورجال الأعمال لتجاوزهم أشد العقوبات الغربية صرامة، فبعد الانكماش عام 2022 نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بوتيرة أسرع من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال عامي 2023 و2024، ومع ذلك توقع البنك المركزي وصندوق النقد الدولي هذا العام نموا أقل من 1.5 في المئة على رغم توقعات الحكومة الأكثر تفاؤلاً.
نقلاً عن : اندبندنت عربية