هل يريد ترمب دولاراً قوياً؟ لا

هل يريد ترمب أسعار نفط مرتفعة؟ لا

هل يريد ترمب انخفاض أسواق الأسهم؟ لا

هل يريد ترمب أن تنخفض أسعار العملات المشفرة؟ لا

ولكن الذي حصل يوم أمس عكس كل ما يريده ترمب، لأن حروبه التجارية مبنية على العواطف والشعبوية أكثر من كونها خططاً مدروسة. إذ ارتفع الدولار وأسعار النفط وأسعار البنزين والديزل، وانخفضت أسواق الأسهم بشدة، وكذلك العملات الرقمية، بما فيها عملة ترمب. ومن غرائب القدر أن تشارلز غراسلي، السيناتور الذي اشتهر بمحاربة دول “أوبك” في الأعوام الـ20 الأخيرة ويطالب بمحاكمة دولها في المحاكم الأميركية، يترجى ترمب أن يخفض العقوبات على كندا وأن يستثني منها بعض المنتجات، لأن ولايته، أيوا، من أكبر الخاسرين من ضرائب ترمب الجمركية على المنتجات النفطية والأسمدة الكندية!

ضجت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بخبر فرض ترمب ضرائب جمركية على الواردات من حلفاء الولايات المتحدة وجيرانها كندا والمكسيك، إذ فرض 25 في المئة على الواردات و10 في المئة على النفط، واستثنى واردات الغاز الطبيعي. ردت كندا بفرض 25 في المئة ضرائب جمركية على 155 مليار دولار من بضائع مختارة استراتيجياً للضغط على ترمب، بينما تحضر المكسيك لائحة بالبضائع التي سيتم فرض رسوم جمركية عليها على أن تستثني قطاع السيارات.

تستورد الولايات المتحدة نحو 4 ملايين برميل يومياً من كندا، وهذا يمثل أكثر من 60 في المئة من واردات النفط الخام الأميركية.  ويعود خفض ترمب للضرائب الجمركية على النفط من 25 إلى 10 في المئة إلى الخوف من ارتفاع كبير في أسعار النفط أو قيام كندا بالرد بخفض صادرات النفط، وإلى قيام حاكمة ولاية ألبرتا بالتفاوض مع ترمب لإقناعه بعدم فرض ضرائب على النفط، إذ زارته مرتين في مقر إقامته في مارا لوغو وحضرت حفلة تنصيبه.

وينشر أنصار ترمب ثلاث إشاعات مفادها بأن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط الكندي:

1-   زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط ستعوض عن النفط الكندي.

2-   الحصول على النفط من مصادر أخرى للتعويض عن النفط الكندي.

3-   الأثر في أسعار المنتجات النفطية محدود جداً.

كل هذه الإشاعات تتناقض مع الواقع، ويتضح من وضع الأسواق اليوم أنها بروباغندا فاشلة.

هل تعوض زيادة الإنتاج الأميركي عن النفط الكندي؟

لا يمكن للولايات المتحدة أن تعوض عن ذلك للأسباب التالية:

1-  الكمية كبيرة: لا يمكن بأية حال من الأحوال زيادة الإنتاج بمقدار 4 ملايين برميل يومياً، بخاصة في ظل معجلات النضوب العالية في آبار الصخري.

2-  نوعية النفط: غالب إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، وما ينتج من النفط الصخري خفيف حلو، وغالب ما يستخرج منه المواد الخفيفة مثل البنزين وأنواع من وقود الطائرات والنافثا والسوائل الغازية. النفط الكندي المستورد متوسط حامض أو ثقيل حامض، وينتج الديزل والمنتجات الثقيلة. لهذا فإن غالب الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة، إن حصلت، لن تحل محل النفط الكندي بسبب النوعية.

3-  الموقع الجغرافي: غالب النفط الكندي يكرر في مصافي في منطقة الغرب الأوسط في ميشيغان ووسكانسن والولايات التي حولها، وهي ولايات غير نفطية. أي زيادة في الإنتاج ستكون في مناطق بعيدة مثل خليج المكسيك أو كاليفورنيا أو ألاسكا، ولا يمكن إيصال النفط إلى منطقة الغرب الأوسط، لهذا لا يمكن لزيادة الإنتاج الأميركي أن تعوض عن النفط الكندي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يمكن الحصول على النفط من دول أخرى؟

يروج أتباع ترمب إشاعة مفادها بأنه يمكن استيراد النفط من دول أخرى، ويذكرون فنزويلا، ولكن هذا غير ممكن للأسباب التالية:

1-  الكمية كبيرة: لا توجد أية دولة في العالم لديها فائض طاقة إنتاجية بمقدار 4 ملايين برميل يومياً، ولا يمكن لفنزويلا أن تنتج هذه الكميات حتى بعد أعوام من الآن، حتى لو أنها أنهت كل مشكلاتها السياسية والمالية والاقتصادية.

2-  نوعية النفط: النفط الكندي ثقيل حامض ومتوسط حامض، وكل الموجود حالياً حول العالم بحدود 1.5 مليون برميل يومياً، ولكن هذا يحتاج إلى نحو أربعة أشهر لوصوله إلى الأسواق الأميركية إذا وافقت هذه الدول على زيادة الإنتاج، وهذه فترة طويلة كافية لإفلاس بعض الشركات وحصول ركود اقتصادي في أميركا الشمالية، لهذا سيكون هناك 2.5 مليون برميل يومياً لا يمكن تعويضها. المشكلة أن كلفة هذا النفط ستكون أعلى من كلفة النفط الكندي حتى لو كانت التعرفة الجمركية 25 في المئة! لهذا لن يكون هناك تعويض!

3-  الموقع الجغرافي: وتبقى المشكلة وهي كيفية إيصال النفط إلى منطقة الوسط الغربي في الولايات المتحدة، لا توجد طريقة، ومن ثم لا يمكن التخلي عن النفط الكندي.

هل أثر الضرائب الجمركية في أسعار المنتجات النفطية منخفض؟

يحاول أنصار ترمب اللعب بالأرقام، إذ يقولون إن الاستيراد من كندا هو 4 ملايين برميل يومياً بينما تستهلك الولايات المتحدة نحو 20 مليون برميل يومياً، لهذا فإن الأثر 19 في المئة فقط، وحقيقة الأمر أنهم يتجاهلون أثر نوعية النفط وأثر الموقع الجغرافي.  الأثر أكبر بكثير مما يقولون ورأيناه يوم أمس عند كتابة هذه المقالة: غالب الديزل في الولايات المتحدة مستخرج من النفط الكندي، وغالب وقود التدفئة، ونحن في فصل الشتاء، يأتي من النفط الكندي، كما أن الأثر الأكبر في الوسط الغربي والشمال الشرقي. ويتوقع أن يتوسع الأثر، لأن ارتفاع الأسعار في هذه الولايات يشجع موزعي الوقود في الولايات المجاورة على شحن الوقود إلى الولايات ذات الأسعار المرتفعة لجني الأرباح، ومن ثم يحصل شح في الوقود في الولايات التي ليست لها علاقة بالموضوع أصلاً.

والواقع يثبت خطأ كلام أنصار ترمب، إذ ارتفعت أسعار النفط وأسعار الديزل وزيت الوقود، كما ارتفعت أسعار البنزين في بعض الولايات بصورة كبيرة.

الواضح أنه عندما فتحت الأسواق يوم الإثنين، “راحت السكرة وجاءت الفكرة” كما يقول المثل. فريق ترمب في ورطة لم يتوقعوا رد فعل عنيف من السوق بهذه الصورة، وأجروا محادثات مكثفة مع الحكومة الكندية والمكسيكية، وكانت هناك مكالمات تلفونية بين ترمب ورؤساء كندا والمكسيك. يتوقع بعض الخبراء أن يكون هناك تراجع من ترمب في نهاية يوم الإثنين أو صباح الثلاثاء، بينما يرى آخرون أنه لن يتراجع، بخاصة أن هناك عطلة رسمية في الصين، والصين من أكبر المتأثرين بهذه الضرائب، حتى داخل كندا والمكسيك. كتبت هذه المقالة صباح يوم الإثنين، وقد تكون هناك تغيرات وتطورات كبيرة عند قراءة هذه المقالة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية