مع تراجع مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية، التي قادت تمرداً مثيراً للجدل، تسعى روسيا إلى توظيف قوات “أفريكا كوربس” المعروفة بـ”فيلق أفريقيا” من أجل “استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي الضائعة”، بحسب محللين سياسيين.
وتختلف “أفريكا كوربس” عن “فاغنر” في عدد من النقاط أهمها أن روسيا تسعى إلى منح عملياتها ووجودها شرعية وصبغة رسمية، في مواجهة القوى الأوروبية التي فقدت كثيراً من نفوذها في الأعوام الماضية في الساحل الأفريقي وغيره.
وتتبع “أفريكا كوربس” مباشرة الإدارة العسكرية الرسمية في روسيا، إذ يقودها نائب وزير الدفاع يونس بك إيفكوروف، الذي عمل على إعادة هيكلة ودمج عناصر “فاغنر” في هذا الفيلق حتى يتسلم مشعل قيادة النفوذ الروسي في القارة السمراء.
ويوجد عناصر “أفريكا كوربس” بحسب عدد من التقارير في خمس دول أفريقية، هي: ليبيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وانضمت إليهم أخيراً غينيا الاستوائية التي توجهت نحوها قوة تتألف من نحو 200 عسكري يتولون تدريب القوات الحكومية في هذا البلد.
دور مهم
تاريخياً لعب الاتحاد السوفياتي أدواراً متعددة في أفريقيا، إذ دعمت حركات التحرر الوطني على غرار “المؤتمر الوطني الأفريقي” في جنوب القارة، و”الحركة الشعبية”، إلى تحرير أنغولا.
ومنذ صعوده إلى دفة الحكم، يتطلع الرئيس فلاديمير بوتين إلى إحياء أمجاد الاتحاد السوفياتي من خلال استعادة نفوذ موسكو في عدد من المناطق، أهمها أفريقيا التي كثيراً ما شكلت موقع نفوذ للغرب.
وكانت روسيا فكت الارتباط بأفريقيا قبل نحو ثلاثة عقود إثر انهيار الاتحاد السوفياتي ونجاح فرنسا في العودة للقارة السمراء من بوابات أخرى، مثل التعاون الأمني وترسيخ الفرنكفونية وثقافتها.
وقالت الباحثة السياسية والأكاديمية الروسية أولغا كراسينياك إن “روسيا لعبت دوراً مهماً في أفريقيا منذ عقود، وقد تكثف وجودها في الأعوام الأخيرة، وبالفعل تتعارض سياستها في هذه القارة مع الرواية الاستعمارية الجديدة والسياسات التي تروج لها القوى الغربية”.
وتابعت كراسينياك في حديث لـ”اندبندنت عربية” أنه “تعمل روسيا على تزويد أفريقيا بالأسلحة وتوفير الأمن من خلال الشركات العسكرية الخاصة (مجموعة “فاغنر” سباقاً والآن “أفريكا كوربس”)، وذلك لصالح تلك الدول الأفريقية التي تعتمد على روسيا كشريك جدير بالثقة قادر على ضمان الاستقرار في المنطقة المضطربة”.
وبينت أنه “لا يمكن النظر إلى أجندة روسيا في أفريقيا على أنها مهمة للقضاء على القوى الغربية فقط، إن الأجندة أكثر استراتيجية وتتضمن بناء عالم متعدد الأقطاب”.
وشددت كراسينياك على أن “التدريب العسكري المتقدم والأمن المستدام مهمان للوضع على الأرض في أفريقيا، فمن دون الأمن والاستقرار السياسي، ستكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستحيلة تقريباً، وبالتالي يمكن اعتبار روسيا مزوداً للأمن في أفريقيا”.
لن ينجح
وتقدر أوساط سياسية وعسكرية قوام “أفريكا كوربس” من 40 إلى 50 ألف عنصر، وبدأت تحشيد وبناء قوتها في عام 2023، وذلك عقب تمرد قائد “فاغنر” يفغيني بريغوجين، في يونيو (حزيران) من العام ذاته على القيادة الروسية.
وأعلنت الإدارة العسكرية الروسية بداية التجنيد في تلك الفترة، وجرى خلالها غلق قنوات “فاغنر” وتضييق الخناق عليها، في خطوة مهدت لتشكيل “أفريكا كوربس”.
ومن غير الواضح ما إذا ستنجح قوات “أفريكا كوربس” في جعل روسيا قوة عظمى في أفريقيا، خصوصاً بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها موسكو في الأشهر الماضية في دول مثل مالي حيث قضى عشرات.
وقال الباحث السياسي المالي والمتخصص في الشؤون الأفريقية أبوبكر الأنصاري، “لن تستطيع ’أفريكا كوربس‘ تحقيق ما عجزت عنه ’فاغنر‘ لأن الروح المعنوية الروسية منهارة، وهناك تأثير كبير للهزيمة التي لقيتها ’فاغنر‘ قبل أشهر على يد مقاتلي تحالف الحركات الأزوادية في مالي”.
وأضاف الأنصاري في تصريح خاص “ثم إن المنطقة تترقب وتنتظر الصفقة التي سيتفق عليها بوتين مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، للخروج الآمن من المستنقع الأوكراني الذي استنزف طاقات روسيا العسكرية والاقتصادية”.
وفي رأيه “لم تعد موسكو تطمح لأكثر من العودة لما كانت عليه قبل اندلاع حرب الاستنزاف ضد أوكرانيا”، لافتاً إلى أنه “من المتوقع الزج ببعض قادة جيش بشار الأسد كخبراء لتدريب بعض جيوش دول أفريقيا التي تعاني حروباً عرقية”.
وتوقع أن “يستفحل المأزق الروسي أمام إعادة الغرب تموقعه في أفريقيا بطرق مختلفة عما كانت عليه في السابق، عندما كانت فرنسا بمفردها تدير دول غرب أفريقيا من دون شراكة أوروبية أو أميركية أطلسية”.
وختم قائلاً إن “الطريق ليست معبدة أمام ’الفيلق الأفريقي‘ الروسي لأن هزيمة ’فاغنر‘ قبل أشهر ضربت روحه المعنوية وحرب الاستنزاف في أوكرانيا جعلت روسيا ضعيفة، كما أن كثيراً من الدول الأفريقية باتت على قناعة بأن روسيا ليست بديلاً أفضل من الماضي الفرنسي غير المرضي”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استغلال ثغرة
وكثيراً ما أنكرت روسيا إرسال مرتزقة إلى أفريقيا، لكن وجود عناصر “أفريكا كوربس” بات معلناً، وهو ينضوي تحت وزارة الدفاع، وتقدر تقارير غربية رواتب مقاتلي “أفريكا كوربس” في أفريقيا بنحو 3200 دولار.
وتوفر روسيا امتيازات هائلة لهؤلاء المقاتلين في محاولة على ما يبدو لإغرائهم، مثل تأمين الرعاية الصحية لهم والتأمين على الحياة، وذلك على حساب الكونفدرالية الروسية.
وقالت الباحثة السياسية المتخصصة في الشؤون الأفريقية ميساء نواف عبدالخالق، “مهما كانت المسميات ’أفريكا كوربس‘ أو ’الفيلق الأفريقي‘ فإن الاهتمام الروسي بأفريقيا يتزايد من أجل زيادة نفوذ موسكو كبديل عن المستعمر القديم فرنس، وروسيا تحاول الحفاظ على مصالحها من خلال الدور الأمني الذي باتت تلعبه في القارة السمراء”.
وفسرت عبد الخالق في تصريح خاص أن “النيجر على سبيل المثال غنية باليورانيوم الذي يتم استخدامه في التخصيب، بالتالي روسيا في حاجة إلى مثل هذه الدول من الساحل الأفريقي، خصوصاً أن الدول الأفريقية لم تفرض عقوبات على موسكو منذ إعلانها الحرب على أوكرانيا”.
وأردفت أن “هناك عشرات من المعادن التي تختزنها منطقة الساحل الأفريقي، وهي معادن تحتاج إليها روسيا التي تحاول بشتى الطرق الوجود فيها، وروسيا وجدت ثغرة تدخل من خلالها دول الساحل، وهي سخط الشعوب على فرنسا وبقية المستعمرات الغربية، لتقدم نفسها كبديل من أجل استعادة أمجادها”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية