تستعد تونس لإدخال تعديلات على قانون الاستثمار القديم في خطوة تستهدف دفعاً جديداً للاستثمار الخاص المحلي والأجنبي المتعثر، وتحسين جاذبية تونس الاستثمارية في ظل منافسة قوية من دول عدة مغاربية وعربية أقدمت على خطوات جريئة وقوية في علاقة بحفز المستثمرين.

وترغب تونس من خلال طرح مشروع “قانون التنقيح لقانون الاستثمار لعام 2016” والذي صار بشهادة عدد من المتخصصين غير مواكب للواقع الاقتصادي لتونس وللمشهد الاستثماري الإقليمي والدولي، في توجيه رسالة لصناع القرار في الخارج بحرصها على أن تكون وجهة جاذبة للاستثمار عبر إقرارها حزمة من الإجراءات لتطوير مناخ الأعمال في البلاد.

وتطمح البلاد عبر الثورة التشريعية التي أعلنها رئيس الحكومة كمال المدوري في مجالات اقتصادية عدة ومنها تلك المتعلقة بتحسين بيئة الأعمال وترتيبها في مؤشر سهولة الأعمال، وخصوصاً وضع البلاد على أجندات الاستثمار الدولية.

تحفيز الاستثمار

وحصلت “اندبندنت عربية” بصفة حصرية على نسخة من مشروع قانون المتعلق بدفع الاستثمار الذي أعدته الحكومة التونسية وتستعد للمصادقة عليه وتمريره لاحقاً إلى البرلمان للمصادقة عليه خلال العام الحالي، ويهدف مشروع القانون إلى سن حزمة من الإجراءات التي تهدف إلى تحفيز الاستثمار وتسريع نسق إنجاز المشاريع من خلال تبسيط الإجراءات وإيجاد الحلول الملائمة للإشكالات المعوقة له.

وتضمنت الوثيقة إعلانات جديدة عدة ترمي إلى إعادة ترتيب بيئة الاستثمار في تونس باتجاه القضاء على بعض الممارسات والتخلص من التعقيدات الإدارية التي شكلت مصدراً لتذمر جل الفاعلين الاقتصاديين المحليين والأجانب في البلاد.

هيئة عليا للاستثمار

ونص الفصل الـ 13 الجديد من مشروع القانون على تأسيس هيئة حكومية يطلق عليها اسم “الهيئة العليا للاستثمار” تحت إشراف رئاسة الحكومة أو الوزارة المكلفة بالاستثمار، وتدمج صلب الهيئة المزمع تأسسيها جميع الهياكل والمؤسسات الحكومية التونسية ذات العلاقة المباشرة بالاستثمار على غرار الهيئة التونسية للاستثمار ووكالة النهوض بالصناعة والتجديد ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي ومركز النهوض بالصادرات والهياكل المكلفة بالنهوض بالاستثمار بكل من الديوان الوطني التونسي للسياحة والديوان الوطني للصناعات التقليدية، وتحل الهيئة محل الهياكل المشار إليها في تنفيذ التزاماتها والانتفاع بحقوقها المتعلقة بمجال نشاطها والمنجرة عن الاتفاقات والعقود المبرمة قبل صدور هذا القانون.

ووفقاً لمشروع القانون تعد الهيئة المخاطب الوحيد للمستثمر في الداخل والخارج وعلى المستويين المركزي والجهوي، وتتولى الإحاطة بالمستثمر وتوجيهه وإرشاده بالتنسيق مع مختلف الهياكل المعنية، والقيام لمصلحته بالإجراءات الإدارية المتعلقة بالتكوين القانوني للمؤسسة أو التوسعة والحصول على التراخيص المطلوبة لمختلف مراحل الاستثمار، مع النظر في عرائض المستثمرين والعمل على حلها بالتنسيق مع مختلف الهياكل المعنية.

انتقاد رئاسي

في غضون ذلك انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد بشدة أداء الهياكل الحكومية المعنية بالاستثمار، إذ يرى أنها لم تعد تؤدي الوظيفة التي تأسست من أجلها،

وأكد خلال اجتماعه برئيس حكومته وعدد من الوزراء في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) 2025 على تضخم عدد الهياكل الحكومية من دون فائدة واستنزافها المال العام، ومن ذلك عدد الوكالات والمنشآت التابعة لإحدى الوزارات التي تبلغ الاعتمادات المخصصة لها إضافة إلى موازنة الوزارة ما يقارب 500 مليون دينار (161.2 مليون دولار) أو كالمؤسسات التي تأسست بهدف دفع الاستثمار إضافة إلى فروع لها في الخارج تعد بالعشرات.

وتابع قائلاً “في الوقت الذي لا يوجد فيه إلا مخاطب وحيد في بعض الدول يوجد في تونس مجلس أعلى للاستثمار وهيئة تونسية للاستثمار وصندوق تونسي للاستثمار أيضاً إضافة إلى أربع وكالات الأولى للاستثمار الخارجي، والثانية للاستثمار الفلاحي والثالثة للنهوض بالصادرات والرابعة للنهوض بالاستثمارات الصناعية والخامسة للنهوض بالصناعة والتجديد، ولا يزال بعضهم يدعو إلى إنشاء هيئة أو وكالة جديدة، فكأن الاستثمار هو في إنشاء المؤسسات لا في خلق الثروة وتوزيع عائداتها حتى ينتفع الوطن ويعم خيرها على جميع المواطنين”.

تشجيع إنجاز المشاريع ودعم المؤسسات

ومن بين الإضافات الجديدة التي تضمنها مشروع القانون الجديد هو الحرص على تشجيع إنجاز المشاريع ودعم المؤسسات عبر حفز المستثمر على تكوين شركة أسهم أو ذات مسؤولية محدودة خاضعة للقانون التونسي وذلك طبقاً للتشريع المتعلق بتكوين الشركات، ونصت بعض بنوده على أن إنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة لتلبية حاجات الاستهلاك المحلي التي تفوق القدرة الكهربائية المركبة القصوى طبقاً لمبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص والشفافية، وفق التشريع الجاري به العمل في إسناد اللزمات من قبل الدولة.

وفي ما يتعلق بالعملات الأجنبية فقد أفرد مشروع القانون الموضوع بجزء خاص جديد، يؤكد فيه تكوين موجودات أو أصول مكتتبة بواسطة العملة الوطنية أو عملة أجنبية قابلة للتحويل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتكون الموجودات المكتتبة بواسطة عملة أجنبية على ملك مستثمرين غير مقيمين تونسيين أو أجانب على معنى القانون المتعلق بالصرف أو مستثمرين مقيمين، ويتعين في هذه الحال الحصول على ترخيص من البنك المركزي التونسي باستثناء المؤسسات التي تتولى تعبئة أموال بالعملة الأجنبية أو مرخص لها بالاستثمار بالعملة الأجنبية.

وفي السياق ذاته أوكل المشروع إلى صندوق الصناديق (صندوق استثماري تونسي) أن يستثمر الموجودات المذكورة في الأقسام بالعملة الأجنبية في صناديق الاستثمار المتخصصة بالعملة الأجنبية وتستثنى هذه الاستثمارات من الخضوع إلى أحكام قانون الصرف.

ويرخص لصناديق الاستثمار المتخصصة بالعملة الأجنبية الاستثمار في مؤسسات ناشئة بالعملة الأجنبية وتستثنى هذه الاستثمارات من الخضوع إلى أحكام قانون الصرف، ويمكن لصندوق الصناديق الاستثمار خارج البلاد التونسية بما يعادل الاكتتابات المنجزة بالعملة الأجنبية.

رفع الإشكالات العقارية

وأيضاً يقترح مشروع تنقيح قانون الاستثمار في تونس رفع الإشكالات العقارية المعوقة للاستثمار من خلال السماح بتهيئة البناءات القائمة الـمرخص فيهـا أو إحداث بناءات أو منشآت غير ثابتة بالمستغلات الفلاحية بهدف بعث مشاريع إقامات ريفية مرتبطة بالنشاط الفلاحي وتابعة له وفقاً لكراسات شروط، وينسحب هذا الإجراء على أراضي الخواص الخاضعة لنظام الغابات على ألا تقل المساحة الدنيا للأرض المعنية عن ثلاثة هكتارات وألا تتجاوز المساحة القصوى للبناءات أو الـمنشآت 1500 متر مربع، بما في ذلك مساحة البناءات القائمة.

ومنح القانون أيضاً إمكان تهيئة البناءات الـمرخص فيها والمقامة داخل المناطق الزراعية الحكومية لاستغلالها كإقامات ريفية مرتبطة بالنشاط الفلاحي وتابعة له على ألا تقل المساحة الدنيا للأرض المعنية عن الهكتار الواحد ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز الـمساحة القصوى للبناءات والمنشآت القائمة عن 500 متر مربع، وفقاً لكراس شروط.

وفي السياق ذاته أشار القانون إلى أن كل شخص طبيعي أو معنوي (شركة) يرغب في تأسيس مشروع سياحي أو أعمال توسعة أو تجديد إيداع تصريح باستثمار لدى مصالح الهيئة العليا للاستثمار.

رخصة ممتازة التونسيين المغتربين

واقتناعاً من الحكومة بدور التونسيين المغتربين في تنشيط الدورة الاقتصادية وتمويل مخزون البلاد من العملة الأجنبية الذي ناهز عام 2024 نحو 8 مليارات دينار (2.5 مليار دولار)، خصص مشروع قانون الاستثمار الجديد قسماً خاص بالمغتربين، إذ نص على أنه يمكن للتونسيين المقيمين في الخارج الانتفاع بالرخصة الممتازة المحدثة من هذا القانون في إطار إنجاز استثماراتهم، على أن تحدث بالهيئة العليا للاستثمار المزمع تأسيسها مخاطب وحيد للتونسيين المغتربين،

ويتولى المخاطب استقبال التونسيين المقيمين بالخارج وتوجيههم وإرشادهم بالتنسيق مع مختلف الهياكل المعنية والقيام لمصلحتهم بالإجراءات الإدارية المتعلقة بالتكوين القانوني للمؤسسة أو التوسعة والحصول على التراخيص اللازمة مختلف مراحل الاستثمار.

واشترط مشروع القانون أن تجري هذه الإجراءات في مسار سريع فضلاً عن إحداث فضاء ضمن البوابة الوطنية للمستثمر المحدثة يخصص للمستثمرين من التونسيين المقيمين في الخارج.

وسيؤسس المشروع كذلك صندوق خاص يطلق عليها اسم “صندوق دعم استثمار التونسيين المقيمين بالخارج” تحت إشراف الصندوق التونسي للاستثمار، على أن يُمول الصندوق من إسهامات الدولة وهبات المؤسسات الدولية ومساهمة اختيارية من التونسيين المغتربين وكل الموارد الموضوعة على الذمة.

استثمارات ضعيفة

وبلغت قيمة الاستثمارات في تونس عبر جميع القطاعات خلال 2024 نحو 5.6 مليار دينار (1.8 مليار دولار) بزيادة 7.1 في المئة مقارنة بعام 2023، وفق ما أفصحت عنه بيانات الهيئة التونسية للاستثمار (حكومية)،

والتي أرجعت الزيادة إلى تحسن مستوى الاستثمارات المصرح بها والمتعلقة بالطاقات المتجددة بنسبة 150 في المئة، والخدمات 43 في المئة والصناعة بثلاثة في المئة.

وأظهر توزيع الاستثمارات المصرح بها بحسب الصنف إلى هيمنة الاستثمارات الجديدة بـ 3.8 مليار دينار (1.2 مليار دولار) بنسبة 68 في المئة من إجمال الاستثمارات المصرح بها، واستحوذ قطاع الصناعات المعملية على نحو 52 في المئة من إجمال الاستثمارات.

وحاز القطاع الفلاحي على المرتبة الثانية بـ 1.2 مليار دينار (387 مليون دولار) بـ 22 في المئة من إجمال الاستثمارات المصرح بها.

في الأثناء سجل القطاع تراجعاً 13.2 في المئة في الاستثمارات المصرح بها مقارنة بالعام الماضي بينما احتل قطاع الخدمات المرتبة الثالثة باستثمارات 1.1 مليار دينار (354.8 مليون دولار) في عام 2024 بنسبة 20 في المئة من إجمال الاستثمارات بنسبة ارتفاع 43 في المئة مقارنة بعام 2023.

وأظهرت معطيات الهيئة أن 28 في المئة من الاستثمارات المصرح بها ذات مساهمة أجنبية إذ وصلت قيمتها 1.5 مليار دينار (483.8 مليون دولار).

نقلاً عن : اندبندنت عربية