بدأت قصة أشباه المشاهير في مصر وسيلة للتسلية، حينما يكتشف الجمهور أن شخصاً ما يمتهن مهنة عادية يتمتع بملامح قريبة جداً من أحد نجوم الفن أو الكرة. لم يكن يتخطى الأمر هذا الحد صوراً ومعلومات عدة، وتنتهي الحكاية التي كانت تثير الانتباه عادةً حينما يكون المتشبه به نجماً راحلاً، وبعد فترة يظهر شبيه آخر لمشهور من مجال مختلف، وهكذا.

لكن الأمر تحول مع انتشار السوشيال ميديا، ومع زيادة عدد الأشباه والمتشبهين، الذين ذاب بعضهم تماماً في حياة النجم المعروف، لتصبح الملامح مهنة، ويبدو الشبيه وكأنه يغرق في عالم مُوازٍ مزيف متقمصاً فيه شخصية غيره، لينال علامات الإعجاب، ويصبح ضيفاً دائماً على الحفلات والبرامج.

وعلى رغم أن البحث عن أشباه المشاهير يعد عادة قديمة ومنتشرة في كثير من بقاع العالم، إذ كانت تعقد مسابقات لاختيار شبيه لتشارلي تشابلن وشيرلي تيمبل وغيرهما من باب الترفيه، فإن الأمر اتخذ منحى جنونياً بعد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عقد بعض المدونين مسابقات شبيهة في ساحات مفتوحة بالولايات المتحدة وإيرلندا، وغيرهما، وانتهى الأمر بفوضى، لكن الفائزين حصلوا على أموال، وبات الجمهور يتسابق لالتقاط الصور معهم، وكأنهم هم المشاهير الأصليون.

كذلك القصة في مصر تأخذ سياقات أخرى حولت الشبه إلى “مجال احترافي”، بعدما أصبحت تتسابق البرامج في الإعلام التقليدي على استضافة “الأشباه”، كما بات بعضهم يظهر في أعمال فنية، وتجري دعوتهم إلى حفلات وأنشطة فنية ورياضية يتقمصون فيها شخصيات من يشبهونهم، ويتقاضون أموالاً مقابل هذا الظهور، مما جعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الماضية يتداولون “ميمز” تضم مجموعة من “النجوم المزيفين”، متندرين عليها بالقول إن مصر تمتلك احتياط العالم من الأشباه، بل وأشباه الأشباه.

بدائل للنجوم بأجور في المتناول

هذه الظاهرة حولت بعض الأشخاص من مغمورين تماماً إلى “إنفلونسرز” بأقل مجهود، وهو مجال يسعى كثر إليه، لأنه أصبح مرادفاً لتحقيق ربح جيد للغاية، كما أن الشبيه يحصد كثيراً من محبة وشعبية المتشبه به، بالتالي يضمن تحقيق مشاهدات ومتابعات، ومن ثم الدخول إلى دائرة أكثر ثراءً مادياً، لكن الأمر لم يعد ينطبق على هذه الأمور فحسب، إذ تطورت مهنة الشبيه لتكون مصدراً للدخل عبر منافذ أخرى، إذ أصبح كثر منهم فقرة ترفيهية معترفاً بها في بعض الحفلات أو البرامج أو الأنشطة التي يسلط عليها الضوء، وكل مؤهلات صاحبها أنه رُزق بملامح تجعله قريب الشبه بأحد المشاهير في مجالات مختلفة، وتركز اجتهاده على اعتماد أسلوب هذا النجم في الملابس وتصفيف الشعر، وطريقة الحديث والمشية.

 

وهكذا، أصبح لعمرو دياب أكثر من شبيه بعضهم في الشكل، وآخرون في الصوت، يحيون حفلات كبديل اقتصادي للمطرب البارز، وأيضاً تعدد بدلاء محمد صلاح في الملامح، كما لتامر حسني أشباه عدة، وكذلك عادل إمام ومحمد منير ومحمد رمضان وعبلة كامل وزبيدة ثروت وسعاد حسني ومدحت صالح وإيهاب توفيق، وكثر غيرهم، وكل منهم يحاول أن يثبت أنه “الشبيه” الأول، أي الأصلي غير المزيف، فأصبح هناك ما يسمى “شبيه الشبيه”، إذ تتسع الدائرة وتختلط الملامح فلم يعد معروفاً الشبيه من المتشبه، والأهم أن هناك متابعين وأناساً يتعاملون معهم بتقبل شديد وأريحية، ويتصالحون مع الفكرة، ويعترفون بهم ويتابهون بصورهم معهم، فتقبل مهنة الشبيهة حدث بسرعة كبيرة جداً في المجتمع المصري.

بالتالي فإن غالبيتهم يلجأون إلى “تيك توك”، ويدشنون حسابات باسم “شبيه الفنان الفلاني” للتواصل مع المتابعين المتزايدين، فهم أنفسهم يلخصون شخصيتهم في فكرة “الشبه” أو التشبه، لأن بعضهم يعتمد على المكياج وزوايا التصوير والفلاتر، ليبدو قريباً من أحدهم، ومن ثم يحصد ملايين المتابعات وعشرات الملايين من المشاهدات التي تترجم فوراً إلى دخل مادي يتفاوت من شخص إلى آخر وفقاً لأمور كثيرة، إضافة إلى الظهور في البرامج، التي تدر عليهم عوائد مالية حتى لو كانت بسيطة تراوح ما بين 100 و200 دولار في كل ظهور، إضافة إلى مبالغ مشابهة عند مشاركتهم في فقرات ترفيهية في بعض الحفلات التي يدعون إليها، وهنا قد يصل الأجر إلى ما يعادل 400 دولار، لكن في كل الأحوال لا يمكن مقارنة هذه الأجور بما يتقاضاه النجم الأصلي عند مشاركته في أي حدث مدفوع.

عالم مُوازٍ من الأشباه

وفق تأكيدات أحد متعهدي تنظيم الفعاليات، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، فإن البعض يستعين بأشباه المطربين على وجه التحديد لإحياء الحفلات الخاصة، إذ يكون الاهتمام بالمظهر والتقاط الصور والأداء على طريقة الـ”بلاي باك”، فالمطلوب هو صنع جو ظريف مع شبيه مطرب محبوب، لأن المغني الأصلي سيتقاضى أجراً خيالياً بالنسبة إلى عامة الناس.

 

ويضيف المتعهد، “هو باب رزق بلا شك، كما أن أشباه لاعبي الكرة بصورة خاصة يتلقون دعوات لحضور مباريات مهمة، نظراً إلى شعبية نجوم هذه اللعبة، بخاصة العالميون، حيث من الصعب على محبيهم في العالم العربي الالتقاء بهم دوماً، هنا الاستعانة بالشبيه تكون بديلاً مرضياً بالنسبة إلى البعض، وبالطبع كل هذه امتيازات، لأنهم يحصلون على أموال وتسهيلات وهدايا، كما أن فقراتهم في الحفلات تكون مدفوعة”.

والنموذج الأشهر في مصر هو أشباه محمد صلاح، إذ إن عدداً منهم يظهر في البرامج، كما أن هناك من يقوم بأداء بعض المشاهد الإعلانية بدلاً منه مقابل أجر مُجزٍ أيضاً، كذلك ظهر أحمد يونس أحد أشباه الفنان محمد منير في كليب غنائي له، فيما الفنان التشكيلي خالد محمد الذي أصبح “خالد منير” تيمناً باسم النجم الشهير، يظهر كثيراً على المسرح، وهو يردد أغنياته، والتقاه أكثر من مرة، كذلك يشارك أشباه لمحمد سعد وأحمد مكي في فعاليات عدة.

الذوبان في حياة الآخرين

كان شبيه اللاعب كيليان مبابي ضيفاً في بعض الأحداث الرياضية والمباريات التي سلطت عليها الأضواء، إضافة إلى حرصه على التقاط الصور بالكرة وبالملابس الرياضية ليتقمص الدور. بخلاف ذلك، فقد بات النجوم المعروفون أنفسهم يحاولون استغلال الأشباه لتحقيق تفاعل جماهيري، فالفنان محمد أنور قدم محاكاة ساخرة لحيلة فيلم “ولاد رزق 3” بالترويج للعمل، إذ استعان الأبطال بمشاهير حقيقيين في كرة القدم، بينما حاول الفنان محمد أنور الاستعانة بأشباه نجوم كرة القدم وبينهم شبيه “فان دايك” وشبيه “مبابي” وشبيه “أليسون”، وذلك ترويجاً لفيلمه “جوازة توكسيك”، في حين يحرص تامر حسني على الالتقاء بأشباهه مبدياً سعادته بحرصهم على تقليده، معتبراً أن ذلك يدل على المحبة والشعبية، في حين يظهر شبيه الشيخ الشعراوي مقلداً طريقته في الكلام وملابسه أيضاً.

 

اللافت أن الأمر وصل إلى “الحياة الموازية” الفعلية، فحينما يمرض أحد المشاهير يمرض الشبيه ظاهرياً أيضاً، وهو ما حدث في محاكاة شبيه محمد منير لطريقة مشيته حينما تعرض لعارض صحي دقيق، فيما يبدو شبيه الفنان عادل إمام، ويدعى فكري عبدالحميد، حالة خاصة، إذ إنه كان قد ظهر في أعمال فنية سابقة، كما أنه عمل “كوميدياناً” لفنان بارز على مدار سنوات طويلة. واللافت أنه لم يسعَ للظهور المكثف إلا بعد اختفاء عادل إمام عن الأضواء في السنوات الأخيرة لأسباب صحية. وبعضهم تنتعش أموره بالفعل، وآخرون ينتهي بهم الحال بالسرعة نفسها التي انطلق بها، وتنطبق الشهرة الكبيرة والطلب في الأعمال والحفلات على الجميع.

موقف مخالف

بخلاف الربح المادي الذي يحصل عليه “الأشباه” من خلال ظهورهم في فيديوهات منتشرة عبر “تيك توك” وغيره، نظراً إلى أنهم يحظون بمتابعات مليونية، فإنهم أيضاً مرحب بهم للظهور في بعض الإعلانات أو المقاطع الترويجية، كما أن لديهم فرصاً للظهور في الأعمال الفنية، لا سيما في المشاهد الكوميدية.

لكن مؤمن محمد، المعروف بشبيه الفنان رشدي أباظة، يرفض الظهور في الأفلام والمسلسلات بلا هدف، لافتاً إلى أنه تلقى بالفعل عرضاً للظهور في مشهد بأحد الأفلام الرومانسية التي حققت نجاحاً كبيراً أخيراً، لكن في مشهد كوميدي خفيف، إلا أنه شعر بأن الأمر غير لائق وسطحي، ولهذا رفض العرض.

 

وعلى رغم اهتمام مؤمن محمد بالعائد المادي، مثله مثل كثر، وكذلك نشاطه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يحقق معدلات مشاهدة ومتابعة عالية، فإنه يؤكد أن لديه شروطاً ومعايير معينة للعروض التي يتلقاها، مشيراً إلى أنه لم يبذل مجهوداً مثل غيره للتشبه برشدي أباظة، إنما هذه ملامحه الطبيعية التي جعلت كل من يقابله بصورة تلقائية تعبر عن قوة الشبه بالفنان الشهير الراحل.

وتابع، “من الطبيعي أن نجد تعليقات سلبية من الجمهور على استفحال ظاهرة الأشباه، لأن الأمر أصبح مبتذلاً تماماً، إذ إن بعضهم يظهرون بصورة غير مشرفة، مما يفتح المجال للسخرية منهم، وأنا أرفض أن أكون ضمن هذا القالب، حتى إنني قللت من ظهوري الإعلامي، لأني لا أجد تطوراً فيما يحدث. بالطبع هم يستفيدون ويتقاضون أموالاً، لكن بعضهم يخسر من قيمته الأدبية، ولهذا أسعى للاستفادة من هذا الشبه بصورة لائقة”.

يذكر أنه نظراً إلى تشابه الملامح بين مؤمن وأباظة توقع المتابعون أن يجسد قصة حياته في عمل فني، لأنه الأقرب للنجم الراحل في الهيئة الطبيعية، لكن هذا المشروع لم تتخذ خطوات جدية تجاهه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نسخة مزيفة

السعي إلى إنتاج مزيد من النسخ المزيفة أمر يشجعه بصورة تلقائية سيل تدوينات السوشيال ميديا التي تبحث كل يوم عن تريند جديد ومحتوى جذاب، مهما كان يحمل عيوباً، ومهما كان غير أصيل، وحتى الإعلام التقليدي يسهم بشدة في استدراج الأشباه في فقرات مطولة، فيعدونها علامة على قوة موقفهم ويتمادون في مهنتهم المختلقة تماماً.

لكن أستاذ الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الدكتورة سمر يسري تعد هذا النوع من المحتوى “قصير العمر، حتى لو كان أصحابه ضيوفاً دائمين على قنوات مرموقة”، معتبرة أن الضيف إذا كان بلا موهبة حقيقية فلن يصمد أبداً، لأن الملامح في حد ذاتها “لن تكسبه قيمة مستمرة”. داعية وسائل الإعلام إلى التعامل بطريقة واعية والتفرقة بين المؤثرين الحقيقيين وبين مقدمي المحتوى “الفارغ”، على حد وصفها.

 

وتضيف، “ظاهرة أشباه النجوم في عصر السوشيال ميديا اعتمدت على طريقة البلوغرز التقليديين أنفسهم في تحقيق الشهرة والانتشار وجلب الأموال بسرعة، إذ إن عدد متابعيهم يتخطى في بعض الأوقات متابعي الفنانين الحقيقيين والمتحققين، على رغم أنهم بلا مسيرة مهنية من الأساس”.

وتنوه الدكتورة سمر يسري أيضاً إلى أن الشبه قد يكون عائقاً في مشوار البعض، معتبرة أن صناع الأعمال الفنية لن يسندوا أدواراً حقيقية إلى شبيه نجم بارز ومتحقق مثل شبيه عادل إمام أو تامر حسني أو محمد رمضان، فمسيرتهم التمثيلية تتعطل بسبب هذا الشبه، ويظلون قابعين في خانة الشبيه حتى لو حققوا شهرة في عالم الـ’تيك توك’ والسوشيال ميديا، وصعدوا إلى التريند مراراً، ويبقى محتواهم مادة للتسلية ووقت الفراغ دون أن ينظر إليهم بجدية، متوقعة تلاشيهم تدريجاً بسرعة صعودهم ذاتها.

نقلاً عن : اندبندنت عربية