رغم تسجيلها تراجعاً لافتاً خلال الأعوام الأخيرة، تبقى الهجرة غير النظامية انطلاقاً من سواحل جنوب المتوسط، من الملفات التي تؤرق حكومات أوروبا التي تسعى إلى قطع الطريق أمام تدفق مزيد من المهاجرين غير النظاميين إلى الفضاء الأوروبي، فيما باتت عبئاً ثقيلاً على بلدان المصدر كتونس وليبيا.
وتفيد الإحصاءات الرسمية بتراجع تدفق المهاجرين إلى أوروبا انطلاقاً من سواحل جنوب المتوسط خلال عام 2024، بنسبة تناهز 60 في المئة.
وبحسب بيانات الإدارة العامة للحرس الوطني في تونس، فإن عدد المهاجرين التونسيين الوافدين إلى السواحل الأوروبية تراجع عام 2024، إلى 19 ألف مهاجر، مقارنة بالسنة الماضية، حيث بلغ عدد المهاجرين الوافدين على أوروبا أكثر من 95 ألف مهاجر.

وتفاخر إيطاليا بهذه المؤشرات التي ترى أنها ثمرة التعاون مع كل من تونس وليبيا للحد من تفاقم الظاهرة، علاوة على المقاربة الأمنية التي تنتهجها دول جنوب المتوسط واعتمادها سياسة التشجيع على العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلدانهم الأصلية مقابل حوافز مالية.

ترحيل طوعي لأكثر من 7 آلاف مهاجر

في السياق زار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تونس، والتقى الرئيس قيس سعيد ووزير الخارجية محمد علي النفطي ووزير الداخلية خالد النوري.

وتعكس الزيارات المتتالية لمسؤولين أوروبيين إلى تونس، رغبة أوروبية في قطع طرق الهجرة غير النظامية انطلاقاً من السواحل التونسية، وفي إعادة من تبقى من المهاجرين العالقين فيها إلى بلدانهم الأصلية.

وأثار سياق الزيارة جملة من التساؤلات في تونس حول توقيتها وأهدافها، خصوصاً أن ملف المهاجرين غير النظاميين بات ملفاً معقداً في ظل غياب الحلول الجذرية لهذه الظاهرة، بينما يتكدس آلاف المهاجرين في عدد من المناطق التونسية، خصوصاً في كل من العامرة وجبنيانة في محافظة صفاقس (جنوب)، وغيرهما، وسط استنزاف الإمكانات الأمنية لحراسة الشريط الساحلي الممتد على ما يزيد على 1300 كيلومتر.

في المقابل، يتذمر سكان العامرة من وجود المهاجرين غير النظاميين على أراضيهم الفلاحية ووسط غابات الزيتون التي تتعرض لشتى أنواع الانتهاكات، علاوة على النقص المسجل في عدد من المواد الأساسية.

وتعمل الدولة على التخفيف من وطأة الهجرة السرية، من خلال برامج الترحيل الطوعي للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. وتمكنت تونس حتى الآن من ترحيل أكثر من 7 آلاف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء إلى مواطنهم الأصلية.

جدار فاصل يمنع وصول المهاجرين

ويؤكد الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر أن “الخطاب السياسي في تونس، وفر للأوروبيين فرصة لتمرير سياساتهم الأمنية، وبناء جدار فاصل لمنع وصول المهاجرين غير النظاميين إلى الفضاء الأوروبي، وانتظم عدد من المسؤولين الأوروبيين في زيارات متتالية إلى تونس بحثاً عن آفاق تعاون بين تونس والدول الأوروبية، للحد من وصول المهاجرين غير النظاميين إلى الفضاء الأوروبي، تلتها مذكرة التفاهم مع تونس، واتفاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، مقابل بعض المساعدات المالية واللوجيستية”.

ويعد بن عمر أن “تونس أضحت منصة لتحقيق أهداف أوروبا في مقاومة الهجرة السرية بأقل الكلف، من خلال تعزيز مراقبة الحدود”، لافتاً إلى أن “تونس تريد أن تغذي السردية التي تقول إنها ضحية مؤامرة خارجية، وتحتاج إلى المساعدة لإيقاف هذه المؤامرة”، ومضيفاً أن “تونس تحتاج إلى الاعتراف السياسي من خلال زيارات المسؤولين الأوروبيين المتتالية للترويج لأن النظام الحالي في البلاد ليس معزولاً دولياً”.

وبخصوص توطين المهاجرين، يؤكد الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن “الفكرة غير مطروحة حتى عند الأوروبيين أنفسهم، لأن أوروبا تتبنى برامج العودة الطوعية من خلال تشجيع تونس ومدها بالمساعدات المالية اللازمة للقيام بمثل هذه العمليات. وفي المقابل، يغض الأوروبيون الطرف عن الانتهاكات التي تطال المهاجرين لإجبارهم على العودة طوعاً”.
ويرى رمضان بن عمر أن “المهاجرين غير النظاميين في تونس يتعرضون لمعاملة قاسية كالمنع من العمل، ومحاصرتهم في غابات الزيتون، أو الدفع بهم إلى الحدود الجزائرية أو الليبية”، مشيراً إلى أن “وجودهم أو استقرارهم في تونس يمثل خطراً قائماً على أوروبا لذلك يدافع الأوروبيون عن فكرة العودة الطوعية”، مشدداً على أن “فكرة التوطين روجها خطاب قيس سعيد حول المهاجرين”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توظيف سياسي للهجرة السرية

في المقابل، يرى البعض أن اتفاقات التعاون بين تونس وأوروبا تعود لعقود سابقة وأن ما يتم ترويجه حول هذا التعاون هو نوع من التوظيف السياسي من قبل معارضي السلطة الراهنة في تونس.

 ويعد الباحث في سياسات الهجرة، المتخصص في علم الاجتماع في الجامعة التونسية حسان قصار، أن “اتفاقات الدول المغاربية مع أوروبا حول مراقبة السواحل تعود لعقود سابقة، في عهد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وحصلت تونس بموجب تلك الاتفاقات على مساعدات مادية ولوجيستية لمراقبة الحدود البحرية”، معتبراً أن “الجدل حول تعاون تونس الراهن مع أوروبا بخصوص الهجرة السرية أثارته الجهات التي تعارض قيس سعيد التي تروج لأن تونس في وضع اقتصادي صعب وتخضع للابتزاز الأوروبي”. ويضيف قصار أن “تونس دولة ذات سيادة، وعليها أن تراقب سواحلها وحدودها، رغم كل الضغوط وهي ضحية الهجرة السرية وتواجه محنة مزدوجة، من خلال وجود هؤلاء المهاجرين على أراضيها من دون إرادتها، وعليها واجب معاملتهم إنسانياً، وتوفير ظروف عودتهم الطوعية إلى مواطنهم الأصلية”.

ويعتقد المتخصص في علم الاجتماع أن “معارضي قيس سعيد يحشدون الرأي العام والبرلمان الأوروبي لمزيد الضغط على السلطة الحاكمة”، مشيراً إلى أن “هناك تهويلاً لموضوع المهاجرين في تونس”. ودعا إلى “وضع الظاهرة في سياقها الموضوعي من خلال نقل الواقع كما هو بخصوص معاملة المهاجرين”. 

ويشدد الباحث في سياسات الهجرة على أن “تونس ستواجه مزيداً من الضغوط، ومن حقها أن تتسلم الأموال والمساعدات كغيرها من الدول التي تواجه ظاهرة الهجرة السرية”.

معالجة أسباب الهجرة

يذكر أن تونس ترفض توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، وتتبنى مقاربة شاملة في إطار مواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية تقوم على معالجة أسبابها.

وكان وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، أكد أمام البرلمان أن “تونس أوفت ولا تزال بالتزاماتها الدولية الإنسانية والأخلاقية بالاستناد إلى القيم الفضلى للتضامن مع ضحايا ظاهرة الهجرة السرية التي أصبحت تهدد الأمن القومي، وهو ما استدعى وضع خطة لتطويقها ومعالجتها من خلال التشجيع على العودة الطوعية لهؤلاء المهاجرين”.
وجدد النفطي بالمناسبة “استياءه وإدانته لأي توظيف سياسي أو إعلامي غير مسؤول لمعاناة ضحايا الهجرة غير النظامية في تونس وفي أماكن أخرى في العالم”.

وكانت وسائل إعلام بريطانية أشارت إلى أن المملكة المتحدة أعلنت تخصيص ما يصل إلى 5 ملايين جنيه استرليني (أكثر من 6 ملايين دولار) من التمويل الإضافي لبرامج تعليم المهاجرين المحتملين، على أمل أن يخفض ذلك من احتمالات خوضهم رحلات هجرة غير نظامية إلى أوروبا ثم عبر القنال الإنجليزي نحو بريطانيا.

ويعد مسار وسط البحر الأبيض المتوسط للهجرة الذي يربط تونس وليبيا بأوروبا أحد أخطر مسارات الهجرة غير النظامية في العالم، وقد سجل عام 2024 مصرع أو فقدان أكثر من ألفي مهاجر في هذا المسار.

نقلاً عن : اندبندنت عربية