بات دور الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب حياتنا حتمياً، وفي قطاع الصحة وبصورة خاصة في مواجهة مرض السرطان أصبحت له مساهمة فاعلة على مستويات عدة، مما يسمح بمحاربة المرض بمزيد من الفاعلية. في اليوم العالمي للسرطان، نسلط الضوء على أدواته التي تمارس دوراً في غاية الفاعلية للأطباء في هذا المجال، ومن المتوقع أن تأتي الأعوام المقبلة بمزيد من التطور، سواء على صعيد التشخيص أم في تحليل البيانات أم في علاجات السرطان.
ويبدو أن دور الذكاء الاصطناعي في تزايد مستمر، ويعد بإحداث ثورة في هذا المجال من خلال التطور الكبير الذي يحققه في تسريع سبل مواجهة المرض. ويعتبر لقاح السرطان الذي يجري العمل على تطويره بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، أحدث التطورات التي يمكن أن تقلب المقاييس في محاربة السرطان.
معالجة سريعة وفاعلة للبيانات
منذ بداية ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي، وفي ظل التطور السريع الذي حققته في قطاع الصحة، بات الأطباء والعلماء يعتمدون عليها إلى حد كبير من نواح عدة، إلا أن الذكاء الاصطناعي يستمر بالقيام بدور مساعد للطبيب في ظل تأكيد مستمر أنه لا يمكن أن يحل محل الطبيب بأي شكل من الأشكال، وإن كان قادراً على تسهيل مهماته بأساليب عدة.
أما هذا الدور المساعد الذي يقوم به الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي فيتعلق بجوانب عدة، قد لا تبدو واضحة للكل على رغم أهميتها بدءاً من عملية معالجة البيانات التي يشير إليها الطبيب الاختصاصي في أمراض الدم والأورام مروان غصن، مشيراً إلى أهمية تعاطي الأطباء مع الذكاء الاصطناعي كفرصة ذهبية بدلاً من اعتباره يتعارض مع ذكاء الإنسان والتخوف منه، فالهدف هو تسهيل عمل الطبيب وتسريعه من خلال عملية معالجة معينة يمكن أن توصله إلى أهدافه لرعاية المرضى في فترة زمنية أقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت انطلاقة الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي حصلت في عام 2000 عندما ساعد الأطباء في جمع بيانات المرضى، فكانت هذه العمليات تحصل بالطرق التقليدية وبصورة محدودة، وتتطلب وقتاً طويلاً، علماً أن تلك العمليات ضرورية للقيام بتصنيفات معينة في مواجهة الأمراض. ولعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً أيضاً في الإحصاءات التي يعتمد عليها الخبراء والأطباء في مجال الصحة، لذلك كان من الممكن تحقيق تقدم في الطب بالسنوات الـ20 الأخيرة، يوازي ذاك الذي جرى تحقيقه خلال قرن سبق، في عملية جمع البيانات بفضل الذكاء الاصطناعي.
أيضاً سمح الذكاء الاصطناعي بالاستفادة من البيانات التي جمعت بالاعتماد عليه، فبوجوده يمكن توسيع نطاق المقارنة بين البيانات بما يسمح بمزيد من الدقة في التشخيص، فبدلاً من أن يقارن الطبيب بين 100 صورة شعاعية رآها بعينه في تشخيص حالات سرطان الثدي مثلاً، يشير غصن إلى أنه يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي للمقارنة بين ملايين البيانات والصور وتحليلها، بعد أن يكون الطبيب قدمها له. وبعد تحليل البيانات، قد يساعد الطبيب عبر لفت نظره إلى أورام بسيطة أو تغييرات قد لا تتضح له أولاً بالعين المجردة، فيركز عليها عندها ويشخص المرض بمزيد من الدقة.
بالتالي، أتت أدوات الذكاء الاصطناعي لتسهل عملية التشخيص على الطبيب، وتحديداً التشخيص المبكر للإصابة بالسرطان، مما يساعد في تعافي عدد أكبر من المرضى، إذ بات معروفاً أن التأخير في التشخيص وبلوغ المرض مراحل متقدمة يؤدي إلى تراجع فرص التعافي والمعالجة الفاعلة. في المقابل، بوجود الذكاء الاصطناعي الذي يسهم بالكشف المبكر، يكون المريض المستفيد الأكبر من التطور الحاصل.
تشكل مجالات التشخيص والتصوير نسبة 80 في المئة من استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي وتحديداً في مكافحة السرطان، بدءاً من الصورة الشعاعية للثدي، وأورام الدماغ على اختلافها، ومنظار القولون، وغيرها.
الخطأ وارد دائماً
لبعضهم مأخذ أساس على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، لاعتبار أنه يفسح المجال لحصول خطأ في التشخيص والعلاج وفي الرعاية التي تقدم للمريض بصورة عامة، لكنها فكرة خاطئة يصححها غصن، مؤكداً أن الخطأ وارد في كل الحالات، وحتى في حال عدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. وهنا، يقتصر دوره على مساعدة الطبيب حتى يتمكن من التشخيص بمزيد من الدقة، في حالات كان من الممكن ألا يتمكن من الكشف عنها تلقائياً بغياب هذه المساعدة، وفي كل الحالات، يبقى دور الطبيب أساسياً هنا، ويعود القرار النهائي له، وإن اعتمد على الذكاء الاصطناعي واستفاد مما يقدمه له بوضعه في الإطار المناسب.
يقول غصن، “كطبيب أورام، كانت لأدوات الذكاء الاصطناعي فائدة كبرى بالنسبة إلي في الفحوص التي تجرى للمرضى، أهمها فحوص التكسرات الجينية والحمض النووي والـRNA للخلايا السرطانية، أو علم الجينوم. ففي تشخيص أنواع الأورام السرطانية، دخلنا عصر التشخيص على أساس التكسرات السرطانية لمعالجة المرضى بدلاً من التركيز على موضع المرض، وهذا ما يلعب دوراً مهماً في زيادة معدلات التعافي حتى بين المرضى المصابين بحالات متقدمة عبر تحسين جودة العلاج، فقد لا يهم أحياناً أين ولدت الخلية السرطانية قبل أن تنتشر في الجسم، بل الأهم أن تؤخذ عينة من المرض، ويتم تحليل التكسرات الجينية، والخلل الحاصل في الحمض النووي لوصف أدوية موجهة على هذا الأساس، فتكون أكثر فاعلية في مواجهة المرض، وتعمل على تقوية المناعة الذاتية للمريض”.
عبر التطور الحاصل في مجال علم الوراثة، حصل تحسن على مستوى تشخيص المرض أولاً، وأيضاً في تحديد نوعية المرض، أو احتمال معاودته، ومراقبة من تعافوا على أساس التكسرات الجينية لديهم، كما يمكن بهذه الطريقة تحديد حدة المرض وشراسته، فتحدد العلاجات المناسبة لكل حالة بصورة خاصة. وفي هذا المجال، برز أيضاً دور الذكاء الاصطناعي لأن فحوص الحمض النووي والفحوص الجينية كثيرة، وأي خلل فيها لمتابعة وتحليل مليارات الرموز يستوجب عملاً مضنياً وجهوداً جبارة ووقتاً طويلاً. ويمكن اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي للقيام بهذا العمل في وقت محدود تجرى خلاله كل المقارنات والتحليلات اللازمة بدلاً من الاعتماد على العنصر البشري وحده.
من جهة أخرى يجري الذكاء كل الأبحاث اللازمة لتوفير كل الدراسات التي توصل إليها الباحثون في المجال نفسه على مستوى العالم، لاعتبارها أيضاً من الخطوات الأساسية للطبيب في مواجهة المرض وفي تقديم الرعاية اللازمة والعلاجات المتطورة لمرضاه، وفق ما يوضح غصن. وبدلاً من أن يبحث عنها بنفسه في فترات زمنية طويلة، يحصل على هذه المعلومات كلها بكثير من الدقة بحسب أهدافه وبالاستناد إلى فحوص واختبارات الجينات الوراثية التي قام بها.
لقاح يعتمد على الذكاء الاصطناعي
من المجالات المتطورة أيضاً في مواجهة السرطان، وحقق الذكاء الاصطناعي فيها تقدماً مهماً، توفير لقاح للسرطان. فبحسب غصن، لكل إنسان خلايا سرطانية بمعدلات معينة تستطيع المناعة الذاتية لكل فرد أن تدمرها بصورة متواصلة، إلا أن الإصابة بالمرض تحصل عندما يكون هناك خلل ما بحيث يعجز الجسم والمناعة الذاتية فيه عن تدمير أعداد الخلايا السرطانية المتزايدة لأي سبب من الأسباب.
في سبيل تعزيز نظام المناعة الذاتية هناك طرق عدة لعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تطويرها، ومنها ما بات متوافراً فيما لا تزال أخرى قيد التطوير. أولها إعطاء العلاج الذي يساعد في تقوية المناعة وتفعيل دورها، أو يمكن تأمين الدواء الذي يسمح لنظام المناعة بأن يتعرف إلى الخلايا السرطانية بما أنها تتكاثر بصورة تصبح فيها مموهة لنظام المناعة، بحيث لا يعود قادراً على التعرف إليها ولا يهاجمها، فثمة أدوية متوافرة حالياً هي عبارة عن العلاج المناعي الذي يساعد جهاز المناعة في التعرف على الخلية لمحاربتها من خلال الإفرازات التي للخلايا السرطانية. هي تعطى للمرضى في مراحل مختلفة من المرض، وثمة أنواع من المرض تعتمد بصورة كلية على العلاجات المناعية، ويجري أخيراً العمل على تطويرها أكثر بعد.
أيضاً من الوسائل العلاجية التي تسمح بمحاربة المرض بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي تلك التي تعلم جهاز المناعة الطريقة الفضلى للتعرف على الخلية السرطانية ومحاربتها، فبالاعتماد على الذكاء جرى العمل على تطوير اللقاح الذي يسمح بتحقيق هذا الهدف. يجري العمل على هذا اللقاح بطرق عدة منها العمل على تركيب بروتينة في المختبر مؤلفة فقط من توقيع الشفرة الوراثية للخلية السرطانية أو الحمض النووي الخاص بها، لكن بدلاً من وضع هذه الخاصية مرة وحدة في البروتين، توضع بمعدلات كبرى بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. وهو يلعب دوراً أولاً في الكشف عن التكسرات الجينية للخلية السرطانية عبر الاختبارات الجينية الوراثية، قبل الانتقال أيضاً إلى مرحلة تركيب البروتينة في المختبر بطريقة بيولوجية، وهي البروتينة المؤلفة من رموز في الخلية السرطانية، مما يسمح لجهاز المناعة بالتعرف إليها في أي وقت من الأوقات. وعندها يحقن مريض سرطان باللقاح الذي يجري العمل على تطويره، يتعلم جهاز المناعة من التكسرات الجينية الموجودة فيه كيفية التعرف إلى الخلية السرطانية لمواجهتها ومحاربتها.
وفي إحدى التقنيات العلاجية المتطورة أيضاً في هذا المجال لتعزيز دور جهاز المناعة في مكافحة المرض، تؤخذ الخلية السرطانية من جسم الإنسان لجعلها تتكاثر في المختبر، ثم يؤخذ دم من المريض ومعه خلايا من جهاز المناعة لتخلط مع الخلايا السرطانية. بهذه الطريقة تتكاثر خلايا جهاز المناعة لتحارب الخلايا السرطانية لدى المريض، بعدها يتم جمع هذه الخلايا لحقنها للإنسان من دمه الخاص بالتقنية العلاجية Car-T cells، لكن هذا النوع من العلاجات يعمل بصورة أساسية على سرطانات الدم، أما في أنواع السرطان الأخرى فآثاره الجانبية كثيرة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية