حذر الاقتصاديون من أن “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي قد يضطر إلى تأجيل مزيد من خفض أسعار الفائدة لمدة 18 شهراً بسبب فرض الرئيس ترمب تعريفات جمركية على كندا والمكسيك والصين.
وقال ترمب السبت الماضي، إن تعريفة بنسبة 25 في المئة على الواردات من كندا والمكسيك وفرض ضريبة إضافية بنسبة 10 في المئة على السلع الصينية ستدخل حيز التنفيذ، غداً الثلاثاء، وستواجه واردات الطاقة من كندا تعريفة أقل بنسبة 10 في المئة.
دفع هذا المخطط الاقتصاديين إلى التحذير من أن التضخم الناتج سيجعل من الصعب بصورة كبيرة على “الاحتياطي الفيدرالي” خفض أسعار الفائدة.
وقال كبير الاقتصاديين لشمال أميركا في “كابيتال إيكونوميكس”، بول آشورث لصحيفة “التايمز”، إن “الزيادة الناتجة في التضخم الأميركي من هذه التعريفات وغيرها من الإجراءات المستقبلية ستحدث بسرعة أكبر وأكبر مما توقعنا في البداية. في ظل هذه الظروف، أغلق نافذة إمكانية أن يستأنف الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في أي وقت خلال الـ12 إلى 18 شهراً المقبلة”.
مع ذلك استمر ترمب في الدفع من أجل خفض أسعار الفائدة، متهماً “الاحتياطي الفيدرالي” ورئيسه جيروم باول، الأسبوع الماضي بسوء إدارة الاقتصاد وفشله في “إيقاف المشكلة التي تسببت فيها التضخم”.
وترك “الاحتياطي الفيدرالي” سعر الفائدة الرئيس من دون تغيير في نطاق 4.25 في المئة إلى 4.5 في المئة في اجتماعه خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، معلقاً سلسلة من خفض الأسعار التي نفذت في نهاية العام الماضي.
وعلق ترمب على تأثير تعريفته الجمركية عبر “تروث سوشيال”، قائلاً “هل سيكون هناك بعض الألم؟ نعم، ربما (وربما لا!). لكننا سنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وسيكون كل ذلك يستحق الثمن الذي يجب دفعه”.
وأضاف، “الولايات المتحدة لديها عجز كبير مع كندا والمكسيك والصين (وكل الدول تقريباً!)، وديونها تبلغ 36 تريليون دولار، ونحن لن نكون ‘الدولة الغبية’ بعد الآن”.
وقال محللو “وولف ريسيرش”، إن السعر المتوسط للسيارة الجديدة قد يرتفع بنحو 3 آلاف دولار في أميركا.
فرض تعريفات مماثلة على السلع الأميركية
رداً على ذلك، قالت كندا والمكسيك إنهما تستعدان لفرض تعريفات مماثلة على السلع الأميركية، وأعلنت كندا أنها ستفرض تعريفات انتقامية بنسبة 25 في المئة على سلع أميركية بقيمة 30 مليار دولار، بما في ذلك اللحوم والجبن والأثاث.
أما الصين، فامتنعت حتى الآن عن فرض تعريفات خاصة بها، لكنها تعهدت تقديم قضية ضد الولايات المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية. ودانت وزارة التجارة في بكين التعريفات باعتبارها “انتهاكاً جدياً” لقواعد التجارة الدولية، مضيفة أنها ستتخذ “إجراءات مضادة مناسبة لحماية حقوقها ومصالحها بصورة حازمة”.
وقالت أكبر مقاطعة في كندا، أونتاريو، إنها ستسحب المنتجات الأميركية من متاجر الكحول التي تديرها الحكومة كجزء من ردها.
وحذرت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر، من الآثار السلبية لحرب تجارية. وأكدت تركيز الحكومة على إزالة الحواجز التجارية مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وقالت كوبر لـ”بي بي سي”، “زيادة التعريفات الجمركية في جميع أنحاء العالم يمكن أن يكون لها تأثير ضار للغاية على النمو التجاري والاقتصادي العالمي. نريد تقليل الحواجز التجارية، وجعل الأمور أسهل للشركات.”
الاتحاد الأوروبي سيتصدى لتعريفات ترمب
وقال الاتحاد الأوروبي، إنه يأسف لقرار ترمب فرض تعريفات جمركية على كندا والمكسيك والصين وأضاف، “سيتصدى الاتحاد الأوروبي بحزم لأي شريك تجاري يفرض تعريفة جمركية على سلع الاتحاد الأوروبي بصورة غير عادلة أو تعسفية. هناك كثير على المحك”.
اقترح بعض محللي التجارة أن الشركات والمنظمات قد تسعى إلى اتخاذ إجراءات قانونية، ومن المحتمل أن تركز أي تحديات على السلطة القانونية المستخدمة لفرض التعريفات، وهي قانون القوى الاقتصادية الطارئة الدولية، الذي لم يستخدم من قبل لفرض التعريفات الجمركية.
واقترح المستشار التجاري السابق للرئيس بايدن بيتر هاريل، أنه على رغم أن المحاكم الأميركية منحت الرؤساء عادة سلطات واسعة في استخدام هذا القانون لفرض العقوبات، فإن التجارة تعد عادة ضمن اختصاص الكونغرس، وهذا قد يمنح الشركات القدرة على الطعن في قانونية الأمر التنفيذي لترمب استناداً إلى أسس دستورية.
وقد تؤثر حرب التجارة الناتجة على بريطانيا من خلال زيادة التضخم وتقليص قدرة بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) على خفض أسعار الفائدة.
ولم يقدم ترمب بعد توضيحاً في شأن خططه لفرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10 في المئة، وهو ما سيؤثر في بريطانيا، ومع ذلك قال الأسبوع الماضي، إنه يريد فرض تعريفات جمركية شاملة “أكبر بكثير” من نسبة 2.5 في المئة التي يفترض أنها مفضلة من قبل وزير خزانته سكوت بيسينت.
من جانبه دعا جوردان كامينز من اتحاد الصناعات البريطانية (CBI) إلى تجارة عالمية مفتوحة، مشيراً إلى أن الفوائد “غالباً ما تفوق الأخطار السلبية المترتبة على زيادة التعريفات الجمركية”. وقال “الشركات البريطانية ستريد رؤية إشارات إيجابية في وقت مبكر في شأن شروط تجارتنا مع الولايات المتحدة خلال فترة هذا الرئيس”.
وفي عام 2019، خلال فترته الرئاسية الأولى، فرض ترمب تعريفات جمركية على الاتحاد الأوروبي، الذي كان يشمل بريطانيا آنذاك، بسبب نزاع طويل الأمد في شأن الإعانات لشركات صناعة الطائرات “بوينغ” و”إيرباص”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان من بين هذه التعريفات الجمركية تعريفة بنسبة 25 في المئة على الويسكي الاسكتلندي المقطر التي قدرتها جمعية الويسكي الاسكتلندي بأنها كلفت الصناعة نحو 60 مليون جنيه استرليني (73.7 مليون دولار) في المبيعات خلال الـ18 شهراً التي كانت فيها التعريفة سارية.
ورداً على إعلان ترمب الأخير، قالت جمعية الويسكي الاسكتلندي إنها تدعم التفاعل بين الحكومة البريطانية والولايات المتحدة، وأشارت إلى “الاستثمار الذي يجلبه قطاع الويسكي الاسكتلندي بالفعل إلى الاقتصاد الأميركي والقيمة التي يضيفها إلى قطاع الضيافة في الولايات المتحدة”.
صفقة ترمب وتهديد التجارة البريطانية
قد تتأثر الشركات المدرجة في بريطانيا بالتعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترمب، وفي مذكرة من بنك “يو بي أس” في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، حددت شركة “دياغو” كإحدى شركات تصنيع المشروبات الروحية الأوروبية الأكثر عرضة للتأثر بتعريفات الولايات المتحدة. وقدر محللو البنك أن 79 في المئة من محفظة “دياغو” في الولايات المتحدة مستوردة، 34 في المئة منها من المكسيك و20 في المئة من كندا.
وبسبب السوق التنافسية للغاية للمشروبات الروحية في الولايات المتحدة، تساءل البنك عن قدرة الشركات المصنعة للمشروبات الروحية على تمرير الكلفة الإضافية الناتجة من الرسوم الجمركية المرتفعة للعملاء من خلال رفع الأسعار. واستفادت “دياغو” من الزيادة الضخمة في شعبية “تكيلا”، وهي الآن تملك علامات تجارية مثل “كازاميغوس” الخاصة بجورج كلوني، التي تنتج في المكسيك.
وقد تتأثر شركة “يونيليفر” بالتعريفات الجمركية المفروضة على المكسيك، ووفقاً لتقارير “رويترز”، كان نحو اثنين في المئة من وارداتها عبر البحر إلى الولايات المتحدة يأتي من المكسيك. واستثمرت شركة السلع الاستهلاكية الكبرى في المكسيك كقاعدة للتصنيع، وفي عام 2023 أعلنت الشركة عن بناء مصنع تصنيع في ولاية نويفو ليون الشمالية في إطار استثمار بقيمة 400 مليون دولار في البلاد.
صناعة التكنولوجيا ليست محصنة أيضاً، فخلال فترته الأولى، فرض ترمب تعريفات جمركية على عدد من السلع الصناعية من الصين احتجاجاً على ممارسات التجارة غير العادلة، ومع ذلك لم تشمل معظم السلع الاستهلاكية مثل الهواتف الذكية في التعريفات لتجنب التأثير في المتسوقين الأميركيين، ومن المتوقع أن تشمل التعريفات الشاملة بنسبة 10 في المئة على السلع المصنعة في الصين الهواتف الذكية للمرة الأولى، مما قد يرفع الأسعار.
ويرى بعض المحللين أن شركات تصنيع الرقائق الأوروبية قد تعاني إذا كانت التعريفات على كندا والمكسيك تضعف صناعة السيارات الأميركية، كما يمكن أن تؤدي التعريفات على الصين إلى تحفيز تقليص المخزون عبر سلسلة التوريد، مما قد يؤدي إلى تراجع كبير في الطلب على الرقائق كما حدث عام 2018، وقد تتأثر أيضاً صناعة السيارات في بريطانيا جراء حرب التجارة، وقد تتأثر شركات سيارات بريطانية أخرى أيضاً، فعلى سبيل المثال، كانت شركة “أستون مارتن لاغوندا” في دائرة الاستهداف خلال فترة ترمب الأولى، عندما تخفض تصنيفها الائتماني إلى التصنيف الائتماني منخفض جداً، جزئياً بسبب المخاوف المتعلقة بتهديد التعريفات الجمركية، وبينما تحسن تصنيف الشركة الائتماني منذ ذلك الحين، تظل الولايات المتحدة أكبر سوق لها وتعد المنطقة التي تتمتع بأكبر إمكانات للنمو.
نقلاً عن : اندبندنت عربية