أكد نائب مدير أمن مدينة المكلا بمحافظة حضرموت (شرق اليمن) رياض العكبري، أن الأجهزة التابعة لهم تمكنت قبل ساعة من ضبط المجني عليه في قضية ما بات يعرف بـ”طفل المكلا”، الذي تعرض للخطف والاغتصاب قبل أسابيع. وأوضح في تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية” أن الأجهزة الأمنية منذ ثلاثة أيام تحاصر الجاني ع. ح. م. (19 سنة)، في المنطقة السكنية التي سعى إلى الاختفاء بها لتتمكن اليوم من دهم مكانه والقبض عليه.

وفي اليومين الماضيين تحولت جريمة اختطاف واغتصاب طفل في المكلا، مركز محافظة حضرموت الإداري، إلى قضية رأي عام مشعلة موجة من الغضب الواسع، بعدما كشف مواطن عن تعرض ابنه ذي السنوات الست للخطف إلى مكان مهجور والاعتداء عليه بوحشية على يد مجهول.

من جانبه قال والد الطفل “ي. ع. م.” إن ولده تعرض للاغتصاب بعدما انتظر الجاني عودته من المدرسة ليستدرجه إلى مكان مهجور ويعتدي عليه، مؤكداً لـ”اندبندنت عربية” أن الطفل الذي عاد للمنزل بعد ساعات من الاختطاف وصل بحالة صحية سيئة والدماء تسيل منه ليتم إسعافه ونقله إلى المستشفى.

وأوضح أنه عقب إجراء الفحوص الأولية تبين أن الطفل تعرض للاغتصاب، مما أحدث تمزقاً وتهتكات شرجية بليغة، وأكد أن الأمن باشر بالتحقيقات وإمدادهم بمحتويات كاميرات المراقبة وظهور المجني عليه إلا أنهم لم يصلوا إليه على مدى نحو شهرين.

واقع مرير

وأثارت واقعة الطفل صقر الذي جرى استغلاله للتسول في السعودية وواقعة طفل المكلا ردود أفعال اختلطت بالأسى والاستبشار، كاشفة في مجملها عن المستوى المريع الذي بلغه واقع الطفولة المعذبة في اليمن كأحد تجليات الصراع الناتج من الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران وتسببه في مأساة إنسانية متعددة الأوجه هي الأسوأ على مستوى العالم، بحسب وصف الأمم المتحدة.

وصقر، طفل يتيم يبلغ من العمر 12 سنة، فقد والده في وقت سابق، بينما تعاني والدته مرضاً، دفعته ظروف الحياة القاسية في بلاده للتسلل إلى الجارة السعودية بحثاً عن فرص أخرى لعله يحظى بعمل ولو أثقل جسده الغض، ليخفف وطأة المرض عن والدته المتعبة، متجشماً عناء الفراق المر والغربة والحيرة.

وعلى رغم ذلك وقع ضحية للاستغلال من ابن بلده الذي أجبره على التسول لصالحه، وفوق ذلك لم يتورع عن الاعتداء عليه بالضرب المبرح في حال عدم عودته بالمال المطلوب.

قصة الطفل اليمني هزت مشاعر الملايين عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعدما نشر صانع المحتوى السعودي سعد الغرمول مقطع فيديو يظهر فيه صقر بجسد منهك وهو ينهار بالبكاء شاكياً واقعه المرير ومطالباً فقط بإنقاذه والعودة لوالدته، وأدمى المقطع قلوب المتابعين خصوصاً كشفه عن تعرضه للاستغلال على يد شخص من جنسيته أجبره على التسول في شوارع السعودية.

أنين خلفه مظالم

ومثلما أثار صقر موجة من التعاطف، أثار بالمقابل ردود فعل غاضبة تجاه مستغله، بعد أن أظهر المقطع آثار التعذيب على أصابع الطفل وأنينه الخجول بأن جسده لم يعد يحتمل مزيداً من الضرب، فضلاً عن الوجع النفسي الذي علق بروحه البريئة، وكمن وجد نافذة للأمل ظل يردد “أريد العودة لأمي”، لتفتح الواقعة باب النقاشات حول استغلال بعضهم لهذه الفئة وما تخفيه حالات المستولين من قصص ربما لا تقل أسى عن “صقر”.

وقرر الناشط الغرمول مساعدة الضحية وعرض عليه التوجه إلى الشرطة، وهو ما وافق عليه لرغبته في العودة لحضن والدته والخلاص من عذابات الضرب والإهانة والحرمان.

العون بلا تأخر

وفور انتشار قصة الطفل اليمني، أعلنت شرطة الرياض القبض على الرجل المتهم باستغلال الأطفال في التسول، إذ تبين أنه يسيء معاملة الأطفال لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة.

وقوبلت هذه القصة بتفاعل شعبي ورسمي سعودي أكده الغرمول معلناً أن الطفل تلقى معونات من شخصيات بارزة شعبية ورسمية، إضافة إلى التكفل بمصاريفه ووالدته المريضة، كما قرر رجل أعمال يمني من منطقة يافع توفير مسكن مجهز للطفل ووالدته وتأمين حاجاتهم المعيشية والصحية.

بين الدولة وغيابها

وتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن والسعودية عبارات الاستبشار بإعلان السلطات الأمنية السعودية إلقاء القبض على مستغل الطفل، وهو ما أثار المقارنات بين حضور الدولة في السعودية التي يبرز فيها دور الأجهزة الحكومية، والأخرى المنهارة والمشتتة في اليمن بفعل سنوات من الصراع والتباينات ألقت بظلالها القاتمة على ظروف الناس، مما دفع الطفل الضحية وعدد من أقرانه إلى التسلل إلى المملكة بحثاً عن العمالة معرضين أنفسهم لأخطار عدة على يد المهربين ومن يتاجرون بهذه الفئة في مثل هذه الظروف.

وجاءت حادثة طفل المكلا لتعزز من عقد المقارنات بين سلطات البلدين، خصوصاً وأن قصتها ليست نادرة بل شاهدة على معاناة آلاف الأطفال في اليمن التي زادت خلال سنوات الحرب الأخيرة على نحو غير مألوف في حياة البلد المحافظ والمعروف بتماسكه الاجتماعي.

روح إنسانية وحزم

ومع ما مثلته حادثة صقر من روح التكاتف الإنساني النبيل إلا أنها دفعت النشطاء الحقوقيين باتجاه محاسبة الشبكات المتورطة في استغلال هذه الفئة سواء في التسول أم تحميلهم أعمالاً لا تقوى عليها أجسادهم النحيلة، خصوصاً وقد فاقمت الظروف الإنسانية الأصعب على مستوى العالم من قسوتها، كما طالبوا بسن قوانين صارمة لحماية الطفولة من الاستغلال والأخطار ومعالجة الظروف التي تدفعهم إلى الوقوع ضحايا لعصابات الاتجار بمعاناتهم الصعبة.

شبح الاغتصابات

وتذكر قصة طفل المكلا بقضية الطفلة جنات، التي مثلت عنواناً دامياً جديداً في الكشف عن الاغتصابات المرعبة التي باتت تتهدد مزيداً من أقرانها الإناث والذكور على السواء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لمصادر حقوقية يمنية، تعرضت الطفلة ذات السنوات التسع للخطف والاغتصاب من شخص ينتمي إلى ميليشيات الحوثي في منتصف يونيو (حزيران) الماضي في منطقة أرتل بمديرية سنحان في محافظة صنعاء وعقب الكشف عن الجريمة وتداولها على نطاق واسع باتت قضية رأي عام، ورفض والد الطفلة سلسلة ضغوط حوثية هدفت إلى إجباره على التنازل في مقابل صلح قبلي لتسوية القضية، خصوصاً أن الجاني يستند إلى دعم سلطات الحوثيين المطلقة، لأنه شقيق مشرف (قيادي) في الجماعة المصنفة إرهابية.

وعلاوة على ما خلفته الحرب الدائرة منذ 10 أعوام، تزايدت خلال الآونة الأخيرة جرائم القتل والاغتصاب على نحو ملاحظ، وبين حين وآخر تتداول منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الكشف عن جرائم مروعة من هذا النوع غير المسبوق في المجتمع اليمني.

ويقول متابعون إنه منذ الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران في عام 2014 واشتعال الحرب، شهد اليمن على الصعيد الاجتماعي تزايداً ملاحظاً في مؤشرات اغتصاب الأطفال وحالات العنف الأسري.

وتؤكد منظمة إنقاذ الطفولة الدولية أن “الصراع المستمر في اليمن أفقد الأطفال كل شيء”، وتتفاقم كذلك الأوضاع الإنسانية، خصوصاً مع التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.

نقلاً عن : اندبندنت عربية