تتسارع الأحداث في سوريا منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة البلاد، غير أن موقف الجزائر يبقى يترنح بين الترقب والتمسك بمبادئ سياستها الخارجية، وأهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتغليب لغة الحوار في حل الأزمات.

غموض وتساؤلات

وفي حين سارعت معظم دول العالم إلى إبداء موقفها مما يجري في سوريا لم توضح الجزائر موقفها، وبينما دعت عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى “الحوار بين أبناء الشعب السوري بأطيافه ومكوناته كافة وتغليب المصالح العليا لسوريا الشقيقة والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري، بعيداً من التدخلات الأجنبية”، ولم تقدم تهنئة للرئيس الشرع، كما لم ترسل أي مسؤول سياسي لزيارة دمشق.

وأثار تعاطي الجزائر مع الوضع السوري الجديد تساؤلات ونقاشات، لا سيما أن المشهد الدولي فرض الأمر الواقع الذي أصبح معه الشرع الرئيس الفعلي للبلاد، إذ تتحدث جهات عن أن دمشق لم تعد أولوية بالنسبة إلى الجزائر في الوقت الحالي، بينما راحت فئة ثانية إلى اعتبار أن الجزائر لا تريد التشويش على الشعب السوري الذي له الحق في اختيار ما يناسبه احتراماً لما يجمع الشعبين من روابط تاريخية واجتماعية قوية، كما ذهبت أطراف أخرى تقول إن طريقة وصول الإدارة السورية الحالية إلى الحكم أفرزت نوعاً من التوجس الذي يمنع الاندفاع وانتظار مواقف وقرارات الأمم المتحدة.

سوابق مع دعوات إلى الحوار والوحدة

وأكدت الخارجية الجزائرية عقب اتصال بين مسؤولها الأول أحمد عطاف ونظيره السوري بسام الصباغ في الثالث من ديسمبر 2024، أي قبل أيام من سقوط نظام الأسد، “موقف الجزائر الثابت وتضامنها المطلق مع سوريا دولة وشعباً في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها، وكذلك أمنها واستقرارها”.

التوجهات السياسية للنظام الجديد

وفي السياق رأى الحقوقي الجزائري آدم مقراني أن الجزائر من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع النظام السوري بقيادة الأسد خلال سنوات الحرب الأهلية، وهذا الموقف ينبع من رؤيتها لأهمية الحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، “لكن بعد سقوط نظام الأسد وجدت الجزائر نفسها أمام تحدي إعادة تقييم علاقاتها مع القيادة السورية الجديدة”. وقال إن “هذا التردد في التقارب السريع قد يفسر برغبة الجزائر في فهم التوجهات السياسية للنظام الجديد وضمان استمرارية العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين، إضافة إلى ذلك قد تكون الجزائر حذرة في اتخاذ خطوات قد تفهم على أنها دعم غير مشروط للنظام الجديد قبل التأكد من استقراره والتزامه بالمعاهدات والاتفاقات السابقة، وهو النهج الذي يعكس السياسة الخارجية الجزائرية التي تفضل التريث والتأني في بناء العلاقات الدولية، بخاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة”.

وواصل مقراني أن الجزائر “تتبنى موقفاً حذراً تجاه الحركات الإسلامية المسلحة، ومع سيطرة المعارضة المسلحة على الحكم في سوريا، قد تكون الجزائر مترددة في التقارب مع نظام جديد يتألف من فصائل ذات خلفيات إسلامية مسلحة، خشية تأثير ذلك في أمنها الداخلي واستقرارها، وهذا التخوف يعكس الهواجس الأمنية الجزائرية المرتبطة بتجربتها السابقة مع الجماعات المسلحة”، مضيفاً “قد تكون هناك اعتبارات جيوسياسية تؤثر في قرار الجزائر في التقارب مع النظام السوري الجديد، لكونها كانت تعد حليفاً استراتيجياً لنظام الأسد، وسقوطه قد يضعف موقفها الجيوسياسي في المنطقة”. وشدد على أن هذا الواقع قد يدفع الجزائر إلى إعادة تقييم تحالفاتها الإقليمية والدولية والتريث قبل اتخاذ خطوات تقارب مع النظام الجديد لضمان تحقيق توازن في علاقاتها الخارجية.

وقد تكون الجزائر قلقة من التدخلات الأجنبية المحتملة في الشأن السوري بعد سقوط النظام السابق، وأوضح الحقوقي الجزائري أن بلاده تعارض بشدة أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للدول، وقد ترى أن التقارب السريع مع النظام الجديد قد يفسر كدعم لتدخلات أجنبية محتملة أو كاعتراف بشرعية تغييرات نتجت من تدخلات خارجية، مبرزاً أن الجزائر تحرص على تحقيق توازن دقيق بين دعمها لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وحماية أمنها واستقرارها الداخلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبون يبعث بإشارات

من جانبه اعتبر المتخصص في الشؤون الأمنية والجيوسياسية أحمد ميزاب أن الأمر ليس مسألة تأخر أم لا “لأن التحرك الدبلوماسي لا يقوم على هذا المعيار، وإنما على أن الدبلوماسية الجزائرية لا تبني علاقاتها مع النظم ولا الأشخاص، وإنما مع الدول، ثم إن المشهد غير واضح، إذ حتى الأطراف الدولية أثارت هذه النقطة لأن الجزائر مواقفها واضحة، وهو الحياد الإيجابي”. ولفت إلى أن السفارة الجزائرية لدى دمشق تعمل بصورة عادية، “وعليه حينما يتضح المشهد وتسمى الأشياء بتسمياتها، وقتها يمكن أن نتحدث عن موقف الجزائر وتوجهاتها”.

ومعلوم أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون كان بعث بإشارات في آخر حوار له لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية، وقال “إن الجزائر أبلغت الرئيس السوري السابق بشار الأسد بكل حزم رفضها الدائم للمجازر في حق السوريين”. وأوضح أن بلاده التي واجهت اعتراضات لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية عام 2022، دعمت الحوار السياسي لحل الأزمة في هذا البلد، مبرزاً أنه قبل سقوط نظام الأسد “أرسل إلى سوريا مبعوثاً واقترح على الأسد أن تتوسط الجزائر بين نظامه والمعارضة، لكن مبادرة الجزائر للتوسط وإقامة حوار بين نظام الأسد والمعارضة التي كانت تحظى بموافقة الأمم المتحدة لم يكتب لها النجاح”.

الترقب سيد الموقف

إلى ذلك اعتبر عضو اتحاد الصحافيين في سوريا محمد عباس أن تأخر التقارب شأن خاص بالجزائر، وقال “ربما الأوضاع في سوريا لم تستقر بعد، إذ إن هناك دولاً كثيرة لم تتخذ موقفاً، أو لم تتواصل مع الدولة السورية الجديدة بعد سقوط النظام السابق إلى غاية اتضاح الأمور أكثر”. وأشار إلى أن “الترقب سيد الموقف، وليس هناك تخوف يثير القلق من بعض الدول”. وأوضح أن ما قامت به الإدارة السورية الجديدة من خطوات “يعكس حسن النية في كثير من الملفات بالمنطقة، وأزال تخوف بعض الدول التي تترقب تطبيق ما صرحت به الإدارة الجديدة على أرض الواقع”. وواصل أن الخطوات أصبحت متسارعة لإزالة ما قد يثير القلق لدى بعض الجهات.

نقلاً عن : اندبندنت عربية