أثار العفو الذي أصدره قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان عن القائد الميداني لقوات “الدعم السريع” السابق في ولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل، الذي سلم نفسه للجيش الأحد الماضي في منطقة جبل الليبيتور بسهول البطانة وسط السودان، جدلاً كبيراً بين السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، من ناحية أن كثيرين يعتبرون أن الأخير مسؤول بشكل مباشر عن الجرائم الوحشية التي ارتكبت بحق مواطني الجزيرة منذ سيطرة “الدعم السريع” على هذه الولاية نهاية ديسمبر (كانون الأول)، وبالتالي لا بد أن يأخذ حقه من العقاب من الناحية القانونية باعتبار أنها جرائم حق خاص وأخرى جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بعفو مماثل.

فكيف ينظر المتخصصون في مجال القانون لمثل هذا الإجراء أو “العفو” عن مرتكبي الانتهاكات مقابل الانحياز للوطن؟

عدم شرعية

قال عضو هيئة الاتهام في قضية مدبري ومنفذي انقلاب الـ30 من يونيو (حزيران) 1989 المعز حضرة “في الأساس أن كيكل مجرد صنيعة من صنائع الاستخبارات العسكرية السودانية، وتم ذلك بعد انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وجرى استخدامه للأسف في تنفيذ أدوار خبيثة في مناطق محددة بإقليمي دارفور وكردفان، وهو ما أدى إلى تفتيت وخلخلة البنية الوطنية من خلال هذه الأفعال والأدوار المضرة. ومعلوم أن الاستخبارات العسكرية ظلت منذ قيام نظام الرئيس السابق عمر البشير تستخدم المجموعات القبلية لتصفية الجيش من عناصر معينة كما هو حادث في الحرب الحالية، فضلاً عن تفتيت النسيج الاجتماعي حتى لا ينشغل الناس بما يجري في دهاليز السلطة”.

وأضاف “كذلك نجد أنه على رغم عدم شرعية الجنرال عبدالفتاح البرهان كرئيس لمجلس السيادة السوداني، وحتى كونه قائداً عاماً للجيش لا يملك حق العفو العام، فهذا الحق يملكه فقط قانوناً رئيس الجمهورية وهو منصب ظل شاغراً وغير موجود الآن فعلياً، إذ آلت كافة سلطات رئيس الجمهورية قبل انقلاب 25 أكتوبر إلى رئيس مجلس الوزراء السابق عبدالله حمدوك”.

وزاد “نجد أن الجرائم التي ارتكبها كيكل فيها جرائم شخصية وأخرى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم لا يملك رأس الدولة أو رئيس الجمهورية الحق في العفو عنها لأنها جرائم حق خاص، فضلاً عن أنه يعتبر مسؤولاً عما حدث من قتل وانتهاكات بحق المدنيين بخاصة في ولاية الجزيرة، بالتالي فهو عفو لمن لا يملك ولمن لا يستحق، فالبرهان نفسه مسؤول جنائياً عن كل أعمال القتل والانتهاكات التي حدثت منذ فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019 وحتى هذه اللحظة”.

وواصل “هذا القرار الخاص بالعفو يعد من الأفعال غير القانونية التي تشير بدلالة واضحة للإفلات من العقاب، لكن عموماً يبدو أن كيكل شخص لا يقدم ولا يؤخر والدليل على ذلك بحسب الأخبار المتواردة، أنه خرج مع أعداد قليلة من قواته أي في حدود حرسه الخاص، بالتالي وجوده في صف الجيش أو ‘الدعم السريع‘ لا يعني شيئاً كبيراً ومهماً، إذ ما زالت الانتهاكات ترتكب وبفظاعة في قرى ولاية الجزيرة، فجميعهم مجرمو حرب”.

ومضى حضرة يقول “في تقديري إن انتقال كيكل من خانة ‘الدعم السريع‘ إلى الجيش لا يغير في الواقع بشيء، فالشعب السوداني يريد إيقاف هذه الحرب العبثية ولا يهمه انتقال شخص مثل كيكل أو غيره من هنا إلى هناك، فهذا لا يهمه كثيراً في ظل ما يعانيه من جوع وقتل وتدمير”.

أوضاع استثنائية

في السياق، أوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن أن “كل القرارات التي تتخذ من قبل طرفي النزاع في السودان تتم في ظل أوضاع استثنائية متعلقة بالحرب وأطرافها ولا علاقة لها بالدولة ودستورها وقانونها، لذلك نجد قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بوصفه الحاكم، يقوم بوضع اليد باتخاذ ما يراه من قرارات وأوامر، لكن حيثما انتهت الحرب وتوقفت تماماً فإن وسائل وقفها تحدد أوضاع البرهان نفسه، بيد نجد أنه بصورة عامة توافرت البينات الكافية بأن طرفي القتال وعلى رأسهما البرهان وحميدتي ارتكبا جرائم جسيمة، وتقع عليهما مسؤولية جنائية، وذلك تحت باب الجرائم الجسيمة الموصوفة بجرائم الحرب والتهجير القسري بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الوطني”.

وتابع حسن “لذلك فإن خروج شخص أو مجموعة من هذا الطرف والتحاقه بالطرف الآخر لن يعفيه من التهم المنسوبة إليه، إذ تنتقل معه أينما حل، بالتالي لا يجدي هنا إسقاط تلك التهم، فهذه الجرائم ارتكبت بحق أصحاب الحقوق الخاصة، والبرهان أو غيره لا ينوب عن ذوي الحقوق الخاصة وأولياء الدم، فضلاً عن أنه لا يمثل شرعية معتد بها بحسب الدستور والقانون”.

وبين رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف أن أي أوامر أو قرارات تصدر في ظل أوضاع ليست دستورية يكون التعامل معها في نطاق الطرفين، لافتاً إلى أن كيكل لا يختلف عن غيره ممن استباح حياة المدنيين وقام بتعريض الأبرياء للخطر وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، بالتالي فإنه إذا كان مع هذا أو ذاك فذلك لا يلغي حقيقة أنه أحد أمراء الحرب كما لا يقلل ذلك من مسؤوليته الجنائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معاملة أسير

من جانبه، أفاد المتخصص في القانون الدولي جبريل يعقوب أبكر أن “العفو العام الذي أصدره قائد الجيش السوداني عن أبو عاقلة كيكل مقابل استسلامه للقوات المسلحة السودانية ينحصر فقط في الحق العام ولا يسقط الحق الخاص، إذ إن أصحاب الحق الخاص هم وحدهم من يملكون القرار في الادعاء على من انتهك حقهم وذلك من الناحية القانونية”.

وأردف أبكر “طالما استسلم كيكل من تلقاء نفسه فيجب معاملته معاملة الأسير وفقاً لقانون معاملة الأسرى المصادق عليه من قبل حكومة السودان”.

وأشار المتخصص في القانون الدولي إلى أن عدم ظهور كيكل منذ استسلامه يأتي لكونه أسيراً ولا يملك قرار متى يظهر، إذ إن القرار في هذه الحالة يكون بيد من استسلم له.

انضمامه لـ”الدعم السريع”

وانضم كيكل لقوات “الدعم السريع” مع اندلاع الحرب في الخرطوم، لكنه ظهر للمرة الأولى علناً في ديسمبر (كانون الأول) 2023 من خلال مقطع مرئي قصير مرتدياً زي “الدعم السريع” ومحاطاً بعشرات الجنود وسط أناشيد حماسية، حين نظم عرضاً عسكرياً لقواته بمنطقة الجبال الغر في سهل البطانة. وقال حينها إن انضمامه لـ”الدعم السريع” جاء “من أجل نصرة الهامش ومحاربة فلول النظام السابق”.

ووقتها، تداول الناس سيرة كيكل بوصفه أحد ضباط الجيش المتقاعدين، ويمثل تيار الضباط الإسلاميين في الجيش، وكان من المقاتلين في إقليم النيل الأزرق، وتمكن من جمع قوات وسلاح من قبائل عدة في المنطقة.

وأشار أبو عاقلة كيكل إلى أن هدف قواته هو إعادة التوازن الاستراتيجي في البلاد، بعد أن ألحق اتفاق “جوبا” للسلام الموقع عام 2020 “ظلماً بمناطق الوسط وشمال وشرق السودان، وانحياز لحركات دارفور”، مبيناً أنه يسعى إلى “القضاء على التهميش السياسي والاقتصادي الذي يعانيه وسط السودان”.

ويتمتع كيكل بحسب مقربين منه، بمعرفة كبيرة بسهل البطانة، لا سيما الطرق الخفية، مما شكل خطراً على الجيش، خصوصاً في تقديم الدعم اللوجيستي والعسكري لـ”الدعم السريع” عبر تلك الطرق التي تستخدم غالباً في عمليات التهريب، ولها ارتباطات بالحدود الإثيوبية، بخاصة أن معظم المجندين في قواته التي تحمل اسم “درع السودان” من قبيلة وأقرباء كيكل.

وعين كيكل من قبل قائد قوات “الدعم السريع”، محمد حمدان (حميدتي)، قائداً للفرقة الأولى مشاة مدني بولاية الجزيرة، عقب سيطرة قوات “الدعم السريع” عليها في ديسمبر 2023. إلا أن كيكل سرعان ما دخل في صراعات مع قيادات أخرى في قوات “الدعم السريع”، بخاصة بعد اتهامه بالاعتداء على المدنيين في مناطق البطانة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية