عادة ما يحظى زعماء العالم باهتمام بالغ من قبل وسائل الإعلام والصحافيين والباحثين وحتى الجماهير، سواء المؤيدة لذاك الزعيم أو المعارضة له، ويصل هذا الاهتمام إلى حد البحث عن أدق تفاصيل حياته وطفولته، والحياة الخاصة له ولأفراد عائلته، وفي مثل هذه الحالات تنتشر الإشاعات وتتعدد الروايات وتكثر المصادر، منها الصحيح ومنها الملفق.

واليوم أضحى الرئيس السوري أحمد الشرع زعيماً يحظى بالاهتمام ذاته، وهو الآخر لم يسلم من كثرة المتحدثين عنه وعن حياته، فيراه محبوه بطلاً حرر البلاد من مجرم حرب، وطرد منها ميليشيات طائفية كانت تعيث فيها فساداً وإفساداً، وبيض سجوناً شهدت أبشع أنواع التعذيب في العصر الحديث، ويرون أيضاً أنه رجل براغماتي محنك، يلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والدولة المدنية التي يبحثون عنها، والتي دفعوا لأجلها ثمناً باهظاً.

أما أعداؤه فيركزون على خلفيته الراديكالية المتطرفة، مؤكدين أن التغيير الذي جاء به لا يغفر ماضيه في العراق وسوريا، لكن ماضي الرجل فيه كثير من المغالطات وكثير من الإشاعات، فقد كان زعيم “هيئة تحرير الشام”، التي لها ما لها وعليها ما عليها مثلها مثل باقي الفصائل التي قاتلت في سوريا. في هذا التقرير سنركز على الفترة التي قضاها أحمد الشرع في العراق ما بين 2003 و2011، وأهم المحطات التي عبرها.

المحطة الأولى في العراق

مطلع عام 2003 بدأت المؤشرات تزداد بصورة متسارعة في شأن غزو أميركي مرتقب للعراق، وهنا بدأ كثير من الشباب السوريين الهجرة إلى العراق للمشاركة في “مقاومة الاحتلال الأميركي”، ولم يكن كل من ذهب إلى العراق في تلك الفترة متطرفاً، بل إن معظمهم كان من الشباب السوريين العاديين، وكثير منهم ذهب بدوافع قومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ذلك الوقت كان أحمد الشرع شاباً يبلغ من العمر 21 سنة، ذهب إلى مدينة البوكمال بريف محافظة دير الزور شرق سوريا، ودخل العراق بصورة غير قانونية، بمعنى أنه لم يدخل من معبر “القائم” الرسمي، وكان ذلك تحديداً في الـ15 من مارس (آذار) 2003، قبل أربعة أيام من بداية الغزو الأميركي، وبقي هناك لفترة وجيزة ليعود إلى سوريا في الـ10 من أبريل (نيسان) 2003 من معبر “القائم”، وهنا تعرض للتحقيق من قبل فرع الأمن العسكري بدير الزور، أو ما يسمى “الفرع 243″، بسبب دخوله بطريقة غير مشروعة، لكنه لم يتعرض للاعتقال إذ سُمح له بالعبور بعد إجراء تحقيق موقت، وبعد أشهر عدة استدعاه فرع فلسطين، أو ما يعرف بـ”الفرع 235” للسبب نفسه، وأيضاً لم يتعرض للاعتقال، إذ كان صغير السن وليست لديه تهم جنائية ولا شبهات أخرى سوى رحلته إلى العراق لأسابيع قليلة.

العودة الثانية إلى العراق

بعد عودته من العراق بقي الشرع يعيش في حي المزة بدمشق يتردد باستمرار على “مسجد الشافعي”، وظل على هذه الحال حتى عام 2005 حين تعرض للاعتقال من قبل استخبارات النظام السوري، وحُقق معه بسبب نشاطه الديني ثم أُطلق سراحه فعاد مرة ثانية إلى العراق.

أثناء وجوده هناك قاتل الشرع ضد القوات الأميركية لأشهر عدة، وهناك التقى عدداً من قادة تنظيم “القاعدة” قبل أن يُعتقل على أنه مواطن عراقي. وتعليقاً على هذا يقول الكاتب والباحث السوري حسام جزماتي لـ”اندبندنت عربية”: “كان من عادة التنظيمات الجهادية أن تزود مقاتليها ببطاقات شخصية عراقية كي تعاملهم السلطات الأمنية على أنهم مقاومون محليون، لا مجاهدون عابرون للحدود، في حال احتجازهم”.

ويوضح الباحث أن هذه الحيلة كانت معروفة لدى القوات الأميركية، لذلك عمدت إلى “الاستعانة بمحققين محليين يجرون للمعتقل فحصاً للهجة، وعلى رغم الأشهر القليلة التي أمضاها هناك تمكن الشرع من اجتياز الاختبار وسجن على أنه مواطن عراقي”.

وبما أن أحمد الشرع مسجون لدى الأميركيين على أنه مواطن عراقي، انقطع التواصل بينه وبين عائلته في سوريا، حتى ظنوه قتل في العراق، لكنه فاجأهم بعد اندلاع الثورة السورية بعودته إلى البلاد.

شهادة العدناني

مكث الشرع في السجون الأميركية قرابة خمسة أعوام تعرف خلالها إلى عدد من الجهاديين الذين أصبحوا لاحقاً قادة في تنظيم “داعش” الإرهابي، من بينهم المدعو أبو محمد العدناني الذي أصبح لاحقاً المتحدث الرسمي باسم تنظيم “داعش”، لكن العلاقة بين الشرع والتنظيم لم تكن على ما يرام، وفي مارس 2011 أُطلق سراح الشرع ليعود إلى بلاده في أغسطس (آب) من العام نفسه.

في عام 2012 كتب العدناني ما يسمى “شهادة العدناني بالجولاني”، وهي رسالة من صفحات عدة يتحدث فيها عن أحمد الشرع، فيثني عليه تارة ويذمه أخرى، ومما جاء فيها حديثه عن الفترة التي قضاها العدناني مع الشرع في السجن، يقول ما نصه “جمعنا مخيم واحد لظروف معينة، وما كان على الأخ سوى بعض الملاحظات من قبل الإخوة حول منهجيته، وقد سحبته لخيمتنا وبقينا معاً في الخيمة نحو ثلاثة أشهر، ولم أرَ منه طوال هذه الفترة إلا أحسن الأخلاق، وكان كثير القراءة والمطالعة، كثير الصمت، وكانت علاقته طيبة مع الإخوة في الخيمة، ولم تحدث له أي مشكلة”.

بعد ذلك يسرد العدناني في “شهادته” تفاصيل أخرى بعد السجن، فيقول إن الشرع لم يكن يطيع أوامر زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، وكان يريد القتال في سوريا وحده، واتهمه بأن لديه “خللاً في منهجه”. ويتحدث أيضاً عن عائلته، فيقول ما نصه “يعتز بوالده الشيوعي، ويمدح ما فيه من صفات نبيلة حسب زعمه، ويزوره والده وأخوه في مضافته، وهم لا يصلون بل يجادلون في الباطل”.

المدعو أبو محمد العدناني اسمه الحقيقي طه صبحي فلاحة، وشغل منصب المتحدث الرسمي باسم تنظيم “داعش” الإرهابي حتى الـ30 من أغسطس 2016 عندما قتل قرب مدينة حلب شمال سوريا.

إذاً من خلال شهادة فلاحة يتضح أن أحمد الشرع يعد عدواً لدوداً للتنظيم الإرهابي، علماً أن الشرع عندما كان في السجون العراقية حمل ألقاباً عدة أبرزها “أبو أشرف”.

عن عودته من العراق إلى سوريا تحت اسم “أبو محمد الجولاني”، يقول الباحث حسام جزماتي إن “عائلته لم تعرف أن ابنها هو الجولاني الذي بدأ الحديث عنه في الأخبار إلا في وقت متقدم نسبياً، بعدما قدر هو أن الأمر لن يخفى طويلاً، وأن بقاء العائلة آمنة في منزلها في حي الفيلات الشرقية مسألة وقت، فأمَّن خروج والديه إلى الشمال السوري ريثما يغادران البلاد، أما إخوته فمن لم يكن منهم يقيم في الخارج أصلاً بقصد العمل كان عليه أن يغادر أيضاً”.

اليوم أضحى أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية، وهو في الـ43 من عمره، إذ ولد في العاصمة السعودية الرياض في الـ29 من أكتوبر (تشرين الأول) 1983، وقضى في الرياض سبعة أعوام من عمره قبل أن يغادرها طفلاً إلى دمشق، ليقود نهاية 2024 حملة عسكرية حملت اسم “ردع العدوان” أسفرت عن إسقاط النظام السوري السابق، قبل أن يُختار الشرع رئيساً للبلاد في “مؤتمر النصر” نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.

نقلاً عن : اندبندنت عربية