في سياق النقاشات الفقهية حول أحكام الصلاة، يطرح سؤال شائع حول مدى جواز التنكيس في قراءة القرآن أثناء الصلاة، حيث استفسر أحد المصلين عن قيام إمام المسجد في صلاة العشاء بقراءة سورة بعد الفاتحة في الركعة الثانية تسبق السورة التي قرأها في الركعة الأولى في ترتيب المصحف، ما أدى إلى اعتراض بعض المصلين واعتبار ذلك خطأً قد يصل إلى بطلان الصلاة.

تعريف التنكيس وأنواعه

التنكيس في اللغة مأخوذ من “النكس”، وهو قلب الشيء على رأسه وجعل أعلاه أسفله. وفي الاصطلاح الفقهي، يقصد به تقديم المتأخر من القرآن على المتقدم، وهو ينقسم إلى أربعة أنواع:

  1. تنكيس الحروف: كأن يقرأ الحروف معكوسة، وهو محرم؛ لأنه يخلّ بالنظم القرآني.
  2. تنكيس الكلمات: كأن يقرأ “أحد الله هو قل” بدلًا من “قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ”، وهذا أيضًا محرم وتبطل به الصلاة عند بعض الفقهاء.
  3. تنكيس الآيات: وهو نوعان:
    • قراءة الآيات بترتيب عكسي، وهذا محرم ومبطل للصلاة.
    • قراءة مجموعة آيات متأخرة قبل أخرى متقدمة داخل نفس السورة، وهو مكروه فقط.
  4. تنكيس السور: كأن يقرأ الإمام في الركعة الأولى سورة “الناس”، ثم يقرأ في الثانية “الفلق”، وهو مكروه لكنه لا يبطل الصلاة.

آراء الفقهاء حول تنكيس السور والآيات

اتفقت المذاهب الفقهية على أن ترتيب الآيات داخل السورة توقيفي، أي يجب الالتزام به كما ورد عن النبي ﷺ، وبالتالي فإن قراءتها معكوسة محرم ومبطل للصلاة. أما ترتيب السور في القراءة فهو محل خلاف:

  • الجمهور (المالكية، الشافعية، الحنابلة): يرون أن تنكيس السور مكروه فقط ولا يفسد الصلاة، ولكنه مخالف للسنة.
  • الحنفية: يعتبرونه مكروهًا كراهة تحريمية في الفريضة، لكنه لا يبطل الصلاة.
  • الإمام النووي: أكد أن السنة هي قراءة السور وفق ترتيب المصحف، لكن التنكيس لا يؤثر على صحة الصلاة.

حكم صلاة الإمام في واقعة السؤال

بناءً على الفتاوى المعتبرة، فإن ما فعله الإمام من تقديم سورة متأخرة على أخرى متقدمة لا يُعدّ محرمًا، لكنه مكروه فقط أو خلاف الأولى. وعليه، فإن الصلاة صحيحة عند جميع المذاهب، ولا يوجد مبرر للقول ببطلانها.

خلاصة الحكم الشرعي

  • يحرم: تنكيس الحروف والكلمات وترتيب الآيات داخل السورة.
  • يكره: تنكيس السور، لكنه لا يبطل الصلاة.
  • الصلاة صحيحة إذا قرأ الإمام سورة متأخرة قبل أخرى متقدمة.

وبذلك، فإن الأولى هو الالتزام بترتيب المصحف، ولكن إذا حصل التنكيس في قراءة السور، فلا ينبغي التشدد في الحكم على الإمام أو المصلين ببطلان صلاتهم.

نقلاً عن : الوفد