مع طلاء متقشر على عتبات النوافذ ونمو شجيرة بودليا نحيلة وسط حديقة أمامية تعج بالأعشاب الضارة، لا يبدو هذا المنزل وكأنه المقر الرئيس لإمبراطورية أعمال عالمية تُقدر قيمتها بـ50 مليار جنيه استرليني (61.8 مليار دولار).
مع ذلك، فإن هذا المنزل المدرج والمهمل، الذي يُقدر سعره بـ155 ألف جنيه استرليني (191.1 ألف دولار) في بولتون، هو العنوان المسجل لسلسلة من الشركات التي تزعم أنها كيانات عملاقة، تمتد مكاتبها عبر أربع قارات.
وتشمل هذه الشركات “ستايلون ليميتد”، وهي شركة مالية وتعدينية يُفترض أن مبيعاتها السنوية تبلغ 12.5 مليار جنيه (15.4 مليار دولار)، وشركة “إي بانك ليمتيد”، والتي تدعي أنها مؤسسة مصرفية بحجم مبيعات يصل إلى 952 مليون جنيه (1.1 مليار دولار)، إضافة إلى شركة “أفانتولو أس إي ليمتيد”، وهي شركة نفط وغاز تزعم امتلاكها 12.5 مليار جنيه (15.4 مليار دولار) من رأس المال المدفوع.
جرى التعرف إلى هذه الشركات من قبل دان نيدل، من مؤسسة أبحاث السياسة الضريبية، “تاكس بولوسي أسوشييتس”، ضمن تقرير يسلط الضوء على كيفية قيام المحتالين والمزورين بتسجيل شركات وهمية في سجل مجلس الشركات البريطانية “كومبانيز هاوس”، بما في ذلك كيانات تنتحل صفة البنوك.
وتعتمد هذه الشركات على موازنات عمومية مزيفة لمنحها مظهراً مالياً ضخماً، مما يثير مخاوف من إمكانية استخدامها لخداع الضحايا غير المدركين لدفع أموالهم مقابل خدمات وهمية أو فرص استثمارية زائفة.
وفي كثير من الحالات، لا يدرك السكان أن عناوينهم مدرجة كمقرات رئيسة لشركات مسجلة في “كومبانيز هاوس”، السجل الرسمي للشركات في بريطانيا.
وعندما حاولت صحيفة “ميل أون لاين” التواصل مع سكان المنزل، لم يجب أحد على طرق الباب، وكانت جميع الستائر مغلقة، فيما أكد الجيران أنهم لا يعرفون من يقيم هناك.
حسابات مزيفة بوضوح
وعلى مقربة من هذا المنزل المكون من غرفة نوم واحدة في بولتون، يوجد كيان آخر يُدعى “إكس واي زد إنفستمنت هولدينغز ليميتد”، والذي كان يُعرف سابقاً باسم “ستالون هولدينغز ليميتد”، ويدعي امتلاك أصول بقيمة 7 مليارات جنيه (8.7 مليار دولار) وتحقيق مبيعات سنوية بقيمة 2.5 مليار جنيه (3 مليارات دولار).
ونشرت صفحة على موقع “فيسبوك”، تحمل الاسم السابق للشركة، إعلان توظيف غريب يدعو النساء “الجميلات والعازبات” بين 25 و30 سنة للتقدم لوظيفة “سكرتيرة تنفيذية”، براتب لا يقل عن 4788 جنيهاً (5919 دولاراً) سنوياً.
وصممت شركة “ستاليون القابضة المحدودة” موقعاً إلكترونياً يمنحها مظهر بنك شرعي، متضمناً بياناً لمهمتها يروج لسجلها المزعوم في “وضع العملاء في المقام الأول” و”معاملة عملك كما لو كان عملنا”.
وراجع دان نيدل الحسابات المسجلة لجميع الشركات المرتبطة بالمنزل والممتلكات المجاورة، وأكد – استناداً إلى سلسلة من الأخطاء الإملائية وعلامات التحذير الواضحة – أنها مفبركة بالكامل.
وفي حال الشركة “إكس واي زد إنفستمنت هولدينغز ليميتد”، فعلى رغم ادعائها العمل في مجال التمويل، تتضمن حساباتها جملة تشير إلى أنها “مورد دولي رائد للمكونات لصناعة الأبواب والنوافذ”، ما يكشف عن نسخ ولصق واضح من مصدر آخر.
وقال نيدل، الذي أمضى 25 عاماً كمحامٍ متخصص في الضرائب، لموقع الصحيفة “يمكنك معرفة أن هذه الحسابات مزيفة بوضوح، فهي تحتوي على صياغة غريبة وأخطاء مطبعية، ثم هناك سطر يشير إلى أنها توفر الأبواب والنوافذ، وهو ما يبدو وكأنه نسخ من مكان آخر.”
وأضاف “من الصعب تحديد الهدف الحقيقي لهذه الشركات، لكن من المؤكد أن ما تفعله ليس أمراً مشروعاً. وربما يكون نشاطها موجهاً للخارج، لأن أي شخص في بريطانيا سيرى هذا العنوان المسجل وحساباته المشبوهة وسيدرك الأمر فوراً.”
ويُشترط على أي شركة ترغب في استخدام اسم “بنك” في بريطانيا الحصول على ترخيص من هيئة السلوك المالي (FCA).
وعلى رغم عدم وجود أي دليل على أن “إي بانك ليميتد” حصلت على هذا الترخيص، يبدو أن شركة أخرى مرتبطة بملكيتي “بولتون” تمكنت من تسجيل نفسها لدى هيئة السلوك المال كمؤسسة دفع صغيرة.
في عام 2017، تقدمت شركة “ستاليون فايننشال إنفستمنتس بي أل سي”، بطلب إلى هيئة السلوك المالي للحصول على إذن لتقديم خدمات مالية منظمة، لكن الهيئة رفضت الطلب بعد فشل الشركة في الرد على استفساراتها، ولم تقدم الشركة حساباتها المالية وحلت لاحقاً.
عمليات غسل الأموال
وتتمكن مؤسسات الدفع الصغيرة من تقديم خدمات محدودة، مثل التحويلات الأجنبية، والتي سبق أن كشفت تحقيقات الصحيفة عن استخدامها من قبل المجرمين في عمليات غسل الأموال.
وأعرب دان نيدل عن قلقه العميق إزاء تمكن “إي آر وورلد وايد” وهي شركة خاضعة لسيطرة كيان يصر على أنه مزيف وينتحل صفة مؤسسة مالية من الحصول على تسجيل هيئة السلوك المالي البريطانية.
وأوضحت هيئة السلوك المالي أن “ستالون هولدينغز ليميتد” لم تعين كمدير لشركة “إي آر وورلد وايد” إلا في ديسمبر (كانون الأول) 2019، أي بعد شهر واحد من تسجيلها لدى الهيئة.
وأكدت الهيئة أنها منذ ذلك الحين “أصلحت” إجراءات الفحص، مشيرة إلى أنها تسعى للحصول على صلاحيات إضافية تسمح لها بإجراء تحليل أكثر تعمقاً للشركات التي تتقدم للتسجيل.
إخضاع الشركات لفحوصات
ودعا نيدل إلى إخضاع الشركات لفحوصات مناسبة قبل أن تتمكن من التسجيل في سجل الشركات البريطاني، وقال “تحدثت مع رجال أعمال متطورين للغاية في الخارج وهم مندهشون من أنه يمكنك تسجيل شركة مثل هذه من دون أي فحوصات.”
ويأتي هذا التصريح بعد أن كشفت “موني ميل” عن كيفية تحول أحد الشوارع في ويلز إلى موطن لـ 48 شركة تأسست منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، من قبل مواطنين صينيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدءاً من أوائل العام الماضي، شملت هذه الشركات 39 شركة لتربية الماشية والجاموس، وشركتين لزراعة الحمضيات، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الشركات الأخرى، تتراوح من مصنعي المواد الكيماوية الأساسية غير العضوية إلى شركة لتربية الخنازير.
سجل اثنان من رؤساء الأساقفة واثنان من أمناء الأرشيف ومصرفي كمديري شركات تدعي أنها تدير أعمالاً في الشارع نفسه.
وتقول الصحيفة، لم يدرك الجيران حجم المشكلة وعدد الأسر المستهدفة إلا بعد أن بدأوا في مشاركة المعلومات.
وعلى رغم أن الأمر قد يثير الضحك لدى البعض في البداية، فإن تسجيل شركة وهمية على عنوانك قد يسبب الفوضى، وفي أسوأ الحالات قد يؤدي إلى ظهور المحضرين إذا تراكمت على الشركة ديون.
وقال متحدث باسم سجل مجلس الشركات، “نحن نأخذ الاحتيال ضد السجل على محمل الجد، ويجرى التحقيق في جميع الادعاءات بشكل كامل. ومنذ مارس (آذار) 2024، نستخدم صلاحياتنا الجديدة للقضاء على إساءة استخدام السجل من خلال الاستعلام عن المعلومات التي تقدمها الشركات.”
وأضاف “في حال تقديم ملفات غير صحيحة أو مشبوهة أو احتيالية، سنتخذ الإجراء المناسب. كما نشارك المعلومات بشكل استباقي مع الوكالات الحكومية الأخرى ذات الصلة ووكالات إنفاذ القانون.”
وأوضح المتحدث “نحن نعمل على تطوير أنظمة وعمليات لتمكين المزيد من الفحوصات لتحديد دقة المعلومات المقدمة إلينا قبل وضعها في السجل.”
من جانبها، قالت هيئة الخدمات المالية، “قمنا بإصلاح الفحوصات التي نقوم بها على الشركات التي تسعى إلى التسجيل لدينا، بما في ذلك إجراء التحليل المالي، وسنتخذ إجراءً إذا كانت المعلومات التي قدمتها لنا الشركات غير صحيحة ولم يجرِ إخبارنا بأي تغييرات”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية