شهدت ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية تحركات عسكرية أميركية وصفها مراقبون بـ”الأكثر كثافة منذ أعوام”، إذ عقد نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” الفريق جون برينان برفقة القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا جيريمي برنت، لقاءات مع أبرز قادة المعسكر الليبي الغربي بالعاصمة طرابلس، في مقدمهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ورئيس الأركان العامة في الغرب الليبي محمد الحداد، ووكيل وزارة الدفاع التابعة لحكومة طرابلس عبدالسلام الزوبي، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية محمود حمزة، لينتقل بعدها الوفد الأميركي إلى المعسكر الشرقي حيث التقى قائد “الجيش الوطني” الليبي خليفة حفتر.
التحركات العسكرية لـ”أفريكوم” سبقتها مباشرة جولة لوفد عسكري بريطاني قادها نائب رئيس هيئة الأركان العامة للدفاع البريطانية هارفي سميث إلى كل من بنغازي حيث التقى حفتر، وطرابلس حيث اجتمع برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.

تكثيف التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية جاء مباشرة بعد اتضاح نقل أسلحة روسية من سوريا نحو شرق ليبيا الواقع تحت سيطرة حفتر وأبنائه، وأيضاً بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي القاضي برفع حظر توريد السلاح إلى ليبيا جزئياً منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك عبر السماح بدخول السفن والطائرات العسكرية إلى ليبيا لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وأيضاً السماح لأعضاء مجلس الأمن بتقديم مساعدات في التدريب والدعم التقني لقوات الأمن الليبية للمساعدة على توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية تلبية لطلب كان قد تقدم به رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. 

سرت أم تمنهت؟

الوتيرة المتسارعة للتحركات الأميركية بين بنغازي (شرق)، وطرابلس (غرب)، وسرت مسقط رأس الرئيس السابق معمر القذافي، التي تتوسط الغرب والشرق والقريبة من قاعدتي الجفرة والقرضابية حيث تتمركز قوات الفيلق الأفريقي الروسي، فسرتها السفارة الأميركية لدى ليبيا بأنها تأتي في إطار تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين شرق البلاد وغربها.
غير أن المتخصص في الشأن الأمني العقيد عادل عبدالكافي، ربط أهداف هذه التحركات العسكرية للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا بنتائج الاجتماع المرتقب بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، إذ قال إن حديث نائب قائد “أفريكوم” جون برينان، عن أن “زيارته تهدف إلى البحث من أين يمكن أن تعمل الولايات المتحدة في ليبيا لتحقيق هزيمة الجهات الخبيثة التي تهدد شمال أفريقيا، وستتضح ملامح ذلك أكثر بعد تحديد ترمب للاستراتيجية التي سيتعامل بها مع الروس”، موضحاً أنه “إذا اتجهت الأمور بينه وبين بوتين إلى تهدئة الأوضاع في أوكرانيا، فإنها ستنعكس على مواجهة الولايات المتحدة للتمدد الروسي في أفريقيا، الذي سيكون بطريقة ناعمة. أما إذا اتجهت الأمور للتصعيد بينه وبين بوتين فإن الولايات المتحدة ستلجأ إلى التحرك الميداني في ليبيا، وفي هذه الحال ستلجأ إلى التمركز في سرت (وسط)، باعتبارها قريبة من مواقع النفوذ الروسي وإذا تم استثناء سرت ستكون مدينة بني وليد (غرب) أو قاعدة تمنهت في سبها (جنوب) هي أبرز المدن الليبية المرشحة لاحتضان القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، إذا كان سيصبح لها دور ميداني، ولكن إذا كان دورها سيقتصر فقط على إدارة العمليات فيمكن أن تدير عملياتها من طرابلس أو من مصراتة باعتبار أنه ستكون هناك غرفة عمليات أو متابعة جوية للطيران المسير التابع للأفريكوم”.
وأكد عبدالكافي أنه “في حال دفعت الولايات المتحدة بتعزيزات عسكرية على الأرض فهذا لن يخرج عن نطاق مدينة سرت أو بني الوليد أو سبها”. واستدرك قائلاً إن “أفريكوم ليست في حاجة إلى موطئ قدم في ليبيا لأنها تتحرك من طريق شركة أمنية على الأراضي الليبية بصورة محدودة”، معللاً الظهور العلني لقيادات “أفريكوم” في ليبيا بأنه يأتي في إطار تحضيرها للإعلان عن إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين شرق البلاد وغربها ستتعاون معها عبر تقديم المعلومات لتسيير رحلات استطلاعية باتجاه الحدود الجنوبية الليبية لمنع تدفق الأسلحة من ليبيا وإليها باتجاه النيجر والسودان ودول الساحل والصحراء الأفريقية إلى أن يصل الأمر إلى الدفع بهذه القوة المحلية الليبية لمواجهة الروس، لكن طبيعة الاستراتيجية التي سيتعامل بها ترمب هي التي ستحدد ما إذا كانت ستدخل في إطار مواجهة مسلحة أو تبادل للمصالح مع روسيا”.

مشروع بايدن 

كذلك عزا المتحدث ذاته الهدف من تتالي زيارات قادة “أفريكوم” إلى المسؤولين الليبيين في معسكر الرجمة ومعسكر طرابلس، إلى “استكمال المشروع الأميركي الذي انطلق منذ ما يقارب من عامين في عهد الرئيس السابق جو بايدن وترجمته زيارات عدة إلى تونس، وباريس، وإيطاليا لتشكيل قوة موحدة بين الشرق والغرب الليبي لحماية الحدود البرية والبحرية”، وهو هدف قال عنه عبدالكافي، إنه “يحمل في طياته استهدافاً للتوسع الروسي انطلاقاً من الأراضي الليبية نحو القارة الأفريقية من خلال الذراع العسكرية الروسية السابقة ’فاغنر’، وحالياً عبر الفيلق الأفريقي الروسي”.
وأكد عبدالكافي أن “إنشاء هذه القوة يأتي في إطار استكمال المشروع الذي وضعت لمساته الأخيرة بتسمية ضابطين تابعين لمعسكر الرجمة الشرقي وضابطين تابعين لرئاسة الأركان بالمعسكر الغربي بطرابلس، على أن يتم اختيار قائد هذه القوة المشتركة من خلال هذه الشخصيات العسكرية الأربعة، شرط أن تبقى هذه القوة العسكرية الليبية تحت هيمنة أفريكوم”. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول إطار تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة، قال عبدالكافي إنه “يأتي استكمالاً لاستراتيجية بايدن، لأن ملامح الإدارة الأميركية بقيادة ترمب لم تتكشف إلى الآن، إذ إن التفاهمات بينه وبين بوتين في شأن الحرب الروسية في أوكرانيا لم تتضح بعد”، موضحاً أنه “من المنتظر أن تتغير قواعد اللعبة الدولية لأن ترمب يسعى إلى إخماد الحرائق التي أشعلتها استراتيجية بايدن في المنطقة.
وأكد المتخصص في الشأن الأمني أنه حتى الآن لم تظهر الولايات المتحدة ملامح نية لإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي الليبية، ولكن كلام نائب قائد “أفريكوم” جون برينان عن بحث الولايات المتحدة عن مكان تعمل من خلاله على هزيمة الجهات الخبيثة التي تهدد شمال أفريقيا يذهب في هذا الاتجاه، مؤكداً أن “ليبيا لا تريد استبدال الوجود العسكري الروسي بالوجود العسكري الأميركي”، ومنوهاً بأن “ليبيا ترحب بأي تعاون لإخراج المرتزقة الروس وتقليص دورهم، لأن ما حدث بسوريا كانت له تداعيات على ليبيا، فإن نقل روسيا عتادها العسكري وعناصرها الأمنية نحو شرق ليبيا أمر يهدد مصالح الولايات المتحدة في أفريقيا، خصوصاً بعد طرد ما يقارب من 1100 عنصر أميركي من النيجر ومالي إضافة إلى إنهاء وجود ما يقارب 100 عسكري أميركي في تشاد، وسيكون لهذه التطورات تداعيات على الصراع الروسي- الأميركي- الصيني في أفريقيا”، مشدداً على أن “شكل الصراع الأميركي- الروسي في أفريقيا انطلاقاً من ليبيا سيحدده اللقاء القادم بين ترمب وبوتين فإذا حدثت تفاهمات في أوكرانيا سينعكس الوضع على ليبيا، فربما سيتم تبادل المصالح بين الدولتين الكبيرتين في ليبيا وفي شرق آسيا أيضاً، ولكن حتى الآن تسير أفريكوم على نفس الخطوات التي أسست في حقبة بايدن”. 

 ورقة الهجرة

“التوافد الأميركي على ليبيا، يأتي في إطار التحرك الغربي باعتبار أن فرنسا هي من اقترحت الرفع الجزئي عن تجميد الأرصدة الليبية الذي ترجمه قرار مجلس الأمن الأخير، إضافة إلى التحرك البريطاني الذي سبق التحرك الأميركي من خلال زيارة نائب رئيس الأركان البريطاني ولقائه بقادة عسكريين من شرق ليبيا وغربها”، هذا ما أكده الكاتب السياسي المتخصص بالشأن الليبي عبدالله الكبير، قائلاً إن “التحرك الأميركي الأخير يأتي في إطار توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية الليبية لمواجهة أنشطة خبيثة تزعزع الاستقرار في شمال أفريقيا”.
وتابع أن “التحرك الأميركي بدأ يتبلور منذ صدور قرار مجلس الأمن برفع الحظر الجزئي على التسلح في ليبيا وعن الأرصدة الليبية المجمدة، كل هذه التحركات تأتي في إطار مجهود غربي شامل تقوده الولايات المتحدة بالتنسيق مع حليفتها بريطانيا على اعتبار أن الخصم مشترك وهو تزايد النشاط الروسي في ليبيا نحو أفريقيا، خصوصاً بعدما نقلت روسيا أصولاً عسكرية من قواعدها في سوريا عقب سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وتحول النشاط الروسي في أفريقيا من شركة ‘فاغنر’ إلى الفيلق الأفريقي- الروسي التابع مباشرة إلى وزارة الدفاع الروسية، كل هذا التطور استدعى تحركاً أميركياً بريطانياً فرنسياً وغربياً بصورة عامة لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد على اعتبار أن أفريقيا وليبيا منطقة نفوذ تقليدي لحلف الناتو، ووجود روسيا فيها يعني إخلالاً بالتوازنات العسكرية في المنطقة، ومن ثمة يتضح السبب الرئيس للتحرك الأميركي في ليبيا”.
وأشار الكاتب السياسي الليبي إلى أن “الخطوة الأولى التي ستعمل عليها الولايات المتحدة هي تشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة (بين الشرق والغرب)، ستمكنها من تدريب عال وسيتم تسليحها وفق ما يسمح به قرار مجلس الأمن الدولي الأخير المتعلق برفع الحظر الجزئي عن التسلح في ليبيا، لتكون مهمتها الأساسية تأمين الحدود الليبية من الهجرة غير النظامية على اعتبار أن روسيا تخطط للدفع بآلاف المهاجرين إلى أوروبا عبر تسهيلها لعشرات آلاف الأفارقة الانتقال إلى الساحل الليبي ثم الدفع بهم إلى أوروبا عبر البحر المتوسط”، مؤكداً أن “روسيا تجيد اللعب بورقة الهجرة غير النظامية التي ستساوم بها الغرب لتنفيذ أهدافها”. وختم أن “وصول الأمر إلى مواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة في ليبيا احتمال قائم لكنه ضعيف”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية