قدمت غالبية دول العالم الغالي والنفيس في سبيل تطوير عواصمها واللحاق بركب التطور، لكن العاصمة الصومالية مقديشو لا تزال منذ 35 عاماً تقف في مكانها من دون أنظمة مرور ضوئية متأثرة بالحرب الأهلية الطاحنة التي حولت أكثر الطرق إلى مواقع حرجة، على رغم المساعدات الدولية التي تجاوزت 2.4 مليار دولار في استثمارات محفظة البنك الدولي النشطة.
وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان مقديشو يتجاوز أربعة ملايين نسمة مسجلاً ارتفاعاً من 2.8 مليون قبل بضعة أعوام، ومع ذلك فإن البنية الأساسية الحضرية لا تزال متخلفة عن حاجات العاصمة المتزايدة، وربما يكون هذا التناقض أكثر وضوحاً مع الغياب المستمر لإشارات المرور الموثوقة عند التقاطعات الرئيسة، مما يسلط الضوء على القضايا البنيوية الأعمق في الحكم والتخطيط وتنفيذ المشاريع.
النمو الاقتصادي
وأظهر اقتصاد الصومال بدعم من تمويل الجهات المانحة والتحويلات المالية، تحسناً تدريجياً خلال الأعوام الأخيرة، وأدى تدفق استثمارات القطاع الخاص إلى جانب إصلاحات الإدارة المالية العامة إلى تعزيز آفاق مقديشو الاقتصادية ببطء، وتتحدث الأرقام عن أن عدد سكان المدينة ينمو بنحو أربعة إلى خمسة في المئة سنوياً مع استقرار المهاجرين الريفيين والعائدين في العاصمة بحثاً عن فرص العمل والخدمات.
وتفيد المناطق التجارية بارتفاع في تصاريح البناء الجديدة، بحيث زادت 20 في المئة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، في حين انتشرت اشتراكات الاتصالات ومنافذ البيع بالتجزئة، مما يعكس ثقة المستثمرين المتجددة. ومع ذلك، فإن البنية الأساسية اللازمة لدعم هذه التطورات، أي الطرق الكافية وأنظمة الصرف الصحي وأدوات إدارة المرور متخلفة، مما يجبر السكان والشركات على التنقل في مشهد المدينة حيث يفتقر النظام الحضري الأساس.
شبكة الطرق
وتمتد شبكة الطرق الوطنية في الصومال إلى مسافة 21830 كيلومتراً تقريباً، ومع ذلك فإن 15 في المئة منها فقط ممهدة، كما أن حصة مقديشو من الطرق عالية الجودة التي تتم صيانتها أقل من ذلك من الناحية العملية، ويترجم هذا إلى طرق سريعة مليئة بالحفر وأزقة ضيقة ولافتات غير كافية.
وتشير دراسات النقل الداخلي إلى أن متوسط أوقات السفر في ساعات الذروة على طول الممرات الرئيسة صعدت 25 في المئة خلال الأعوام الأخيرة بسبب الازدحام المتزايد والتقاطعات غير المنظمة.
ويُعدّ غياب إشارات المرور الوظيفية عاملاً حاسماً، واستكشفت دراسات الجدوى المتعددة الإشارات التي تعمل بالطاقة الشمسية والتي يمكن أن تقلل الازدحام إلى 20 في المئة عند التقاطعات الحرجة. ومع ذلك حتى الآن هناك تركيب إشارة مرور تجريبية واحدة فقط، قُدّمت أخيراً في تقاطع رئيس، مما أدى إلى خفض أوقات انتظار المركبات خلال ساعات الذروة 15 في المئة.
وبصرف النظر عن هذا التحسن الفردي، تظل معظم التقاطعات غير مدارة، مما يجبر السائقين على الاعتماد على الأبواق وإشارات اليد والتخمين وإطلاق النيران بصورة عشوائية من رجال الأمن لإفساح الطريق، مهددين حياة الآخرين. ووفقاً لبحوث النقل المحلية، يسهم هذا النظام غير الرسمي في حدوث ما يزيد على 40 حادثة مرورية بسيطة يومياً في وسط مقديشو.
مخاوف السلامة
وفي غياب نظام متماسك للنقل العام، يعتمد أكثر من 60 في المئة من ركاب مقديشو على وسائل غير رسمية مثل الدراجات البخارية (الباجاج) والحافلات الصغيرة وسيارات الأجرة غير المنظمة للتنقل في المدينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواجه المشاة الذين يشكلون حصة كبيرة من مستخدمي الطرق اليوميين، أخطاراً خاصة، وتشير التقديرات إلى أن المشاة يسجلون 35 في المئة من الوفيات المرتبطة بالطرق الحضرية في مقديشو لغياب إشارات المرور أو معابر المشاة، فيصبح عبور التقاطع مسعى محفوفاً بالأخطار، وعدم القدرة على التحكم في تدفقات المرور يزيد من احتمالية وقوع الاصطدامات والإصابات.
المساعدات الدولية
ووجّه المانحون الدوليون أموالاً كبيرة إلى إعادة إعمار الصومال، حيث احتلت المساعدات الإجمالية للبلاد باستمرار مرتبة بين أعلى نصيب للفرد في المنطقة، ومع ذلك لا يزال تحويل هذه الالتزامات المالية إلى مكاسب ملموسة في البنية التحتية يشكل تحدياً.
ووجدت وحدة التدقيق الحكومي أن 50 في المئة من مشاريع البنية التحتية التي كان من المقرر إنجازها خلال العامين الماضيين استوفت مواعيدها النهائية، ويرجع ذلك غالباً إلى الحوكمة المجزأة والمخاوف الأمنية.
تفويضات متداخلة
وقال مسؤول رفيع في قطاع حركة المرور والسير في العاصمة مقديشو إن القدرة البلدية الضعيفة والتفويضات المتداخلة بين الوكالات المحلية والوطنية وتهديد الهجمات من قبل الجماعات المسلحة مثل “حركة الشباب” تسهم جميعها في تأخير أعمال التطوير.
ولفت أيضاً إلى أن تجاوز الكلف يمثل تحدياً يجب الخوض فيه مثل تركيب شبكة من إشارات المرور التي تقدر ببضعة آلاف من الدولارات لكل تقاطع، لكن يمكن أن ينهار التنسيق عبر طبقات الحكومة والشركات المتعاقدة. وفي الوقت نفسه، تظل قطع الغيار وبروتوكولات الصيانة غير واضحة، مما يعوّق الوظائف طويلة الأجل حتى لو حدثت التركيبات الأولية.
وذكر أنه يوجد في العاصمة مقديشو ما بين 150 و200 تقاطع رئيس يمكن أن يستفيد من إشارات المرور حيث يعتمد العدد الدقيق على دراسة حركة المرور ولكن يمكن أن يبدأ النهج المرحلي ما بين 20 و30 إشارة في المناطق الأكثر ازدحاماً، وقد تحتاج مقديشو إلى ما بين 120 و370 كيلومتراً من الطرق الجديدة أو المحسنة.
رؤية حضرية
وإدراكاً لهذه التحديات، تهدف السلطات إلى صياغة خطة رئيسة للنقل الحضري في مقديشو لدمج إشارات المرور وممرات المشاة والدراجات، وتحسين أسطح الطرق في إطار واحد. وتقدر البلدية بأن إدخال إشارات المرور الأساسية في 20 من أكثر تقاطعات المدينة ازدحاماً يمكن أن يقلّص هذا الازدحام العام 25 في المئة، مما يقلل من متوسط أوقات التنقل ويحقق نتائج إيجابية.
ويتطلب الحد من الازدحام في مقديشو وضع خطة شاملة لإدارة حركة المرور تعالج التحديات الفريدة التي تواجهها المدينة، بما في ذلك التوسع الحضري السريع وعدم كفاية البنية التحتية والمخاوف الأمنية.
وفي ما يلي الخطوط العريضة لخطة المرور المناسبة، إلى جانب تقديرات لإشارات المرور وكلف البنية التحتية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية