تعهدت الحكومة الصينية بتعزيز الاستهلاك المحلي هذا العام مع التعهد باستقرار رأس المال الأجنبي الضروري لخلق فرص العمل.
وفي اجتماع أسبوعي برئاسة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، قال المجلس إنه سيعمل على زيادة دخول السكان، وتعزيز نمو الدخل المستدام وتوسيع قنوات الدخل المتعلقة بالعقارات، وكلها تهدف إلى تحفيز الاستهلاك المحلي.
ولم تقدم الحكومة تفاصيل محددة حول كيفية تخطيطها لزيادة الدخول، لكن المحللين يتوقعون أن تقترح الحكومة المركزية على الأرجح تعزيز تغطية المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية في الاجتماع التشريعي السنوي المقبل في مارس (آذار) المقبل، ومن المتوقع أيضاً أن يكشف اجتماع الشهر المقبل عن هدف النمو الاقتصادي للصين إلى جانب سياسات داعمة أخرى.
ومع تكثيف النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، تواجه بكين ضغوطاً متزايدة لتقليل اعتمادها الشديد على الصادرات مع تعزيز الإنفاق المحلي، وهو التحدي الذي تفاقم بسبب ضعف الطلب الاستهلاكي منذ نهاية جائحة “كوفيد-19”.
وفي الاجتماع، قال مجلس الدولة إن الحكومة ستكثف دعمها لبرامج المقايضة هذا العام مع تعزيز الإنفاق في القطاعات الثقافية والرياضية والسياحة الوافدة.
جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي
ووفقاً للبيانات التي أصدرتها لجنة التنمية والإصلاح الوطنية، فإن مبادرات المقايضة التي أطلقت حتى الآن حفزت مبيعات السيارات والأجهزة المنزلية والأثاث والمنتجات الرقمية المختلفة.
وخلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة التي استمرت ثمانية أيام، حققت هذه البرامج أكثر من 31 مليار يوان (4.2 مليار دولار) من الإيرادات مع ارتفاع مبيعات الأجهزة المنزلية والهواتف المحمولة بنسبة 166 في المئة و182 في المئة على التوالي، مقارنة بالعام السابق.
وفي حين أدت برامج المقايضة هذه إلى رفع الإنفاق مؤقتاً، يحذر الاقتصاديون من أن تأثيرها قد يتلاشى تدريجاً مع تقدم العام، وفي الوقت نفسه، أكدت الحكومة الصينية التزامها بجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي، وهو عنصر أساس في خلق فرص العمل واستقرار الصادرات وتطوير الصناعات.
وتخطط الحكومة لتعزيز إعادة استثمار رأس المال الأجنبي في الصين، وتشجيع المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات في سوق الأسهم وتوسيع نطاق الصناعات التي يرحب فيها بالاستثمار الأجنبي.
وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وتصاعد التوترات الجيوسياسية، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين بنسبة 27.1 في المئة في عام 2024، بعد انخفاض بنسبة 8 في المئة في عام 2023.
تصعيد الحرب التجارية الناشئة مع الولايات المتحدة
وبدأت التعريفات الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين على السلع الأميركية مما زاد من التوترات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم، وأثار التشاؤم في شأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مبكر لتجنب حرب تجارية.
وجاء الرد الصيني في وقت كان الرئيس دونالد ترمب يستعد لتوقيع أوامر تنفيذية تفرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الصلب والألمنيوم، إذ لم تظهر أي علامات على تراجع سياسته التجارية في ولايته الثانية.
وأعلنت بكين عن تدابيرها الانتقامية يوم الثلاثاء الماضي، بما في ذلك فرض رسوم بنسبة 15 في المئة على واردات الفحم الأميركي والغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى تعريفات بنسبة 10 في المئة على المعدات الزراعية والنفط الخام، وجاء الإعلان الرسمي بعد دقائق فقط من تنفيذ ترمب للرسوم الجمركية بنسبة 10 في المئة على السلع الصينية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، غوو جيياكون، للصحافيين، “لا يوجد فائزون في حرب التجارة وحرب التعريفات، فهي تضر فقط بمصالح الشعبين في كلا البلدين”.
وتمكن قادة كندا والمكسيك من التوصل إلى صفقات سياسية لتأجيل تطبيق الرسوم الجمركية بنسبة 25 في المئة التي فرضها ترمب على منتجاتهما، بينما لم تتمكن الصين من التوصل إلى مثل هذه الصفقة. وكان من المتوقع أن يتحدث ترمب والزعيم الصيني شي جينبينغ الأسبوع الماضي، لكن تلك المكالمة أُلغيت من دون تفسير علني.
ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن رد بكين كان محدوداً نسبياً وهدفت إلى خلق مساحة للتفاوض قبل تنفيذ الرسوم الجمركية.
رد انتقامي شامل
وقال الباحث في العلاقات الدولية ومقره شنغهاي، شين دينغلي، لصحيفة “واشنطن بوست”، “مارست الصين في الوقت الحالي ضبط النفس في تدابيرها المضادة”، مضيفاً أنه يعتقد أن الدولتين ستتوصلا إلى نوع من الاتفاق.
وأضاف شين “استهدفت الصين فقط بعض منتجات الطاقة التي تصدرها الولايات المتحدة، بدلاً من تنفيذ رد انتقامي شامل. أقصى رد فعل قد يكون هو تكرار نهج الحرب التجارية السابقة، إذ ردت الصين بشكل متماثل”.
وتغطي الرسوم الجمركية الصينية ما مجموعه 14 مليار دولار من الواردات الأميركية، مقارنة بـ 525 مليار دولار من البضائع الصينية التي تأثرت برسوم ترمب، وفقاً لتقديرات “غولدمان ساكس”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستخدمت بكين الأسبوع الماضي مجموعة من الأدوات الأخرى للرد على إجراءات ترمب، بما في ذلك فرض قيود على صادرات المعادن المستخدمة في صناعة المنتجات التكنولوجية المتقدمة وفتح تحقيق في مكافحة الاحتكار ضد شركة “غوغل”. وأدرجت وزارة التجارة الصينية شركة “بي في أتش”، وهي عملاق الموضة الأميركي الذي يمتلك علامات تجارية مثل “تومي هيلفيغر” و”كالفين كلاين”، وكذلك شركة “إيلومينا”، المتخصصة في اختبارات الحمض النووي، إضافة إلى ذلك، أطلقت بكين رسمياً نزاعاً مع منظمة التجارة العالمية يوم الأربعاء الماضي.
بعض هذه التحركات أكثر رمزية من كونها ذات تأثير حقيقي، فعلى سبيل المثال، ليس لشركة “غوغل” نشاط كبير في الصين، علاوة على حجبها عن الإنترنت الصيني.
تهريب “الفنتانيل” المخدر إلى الولايات المتحدة
وفي أمره التنفيذي الذي أصدره في وقت سابق من هذا الشهر لفرض الرسوم الجمركية، اتهم ترمب الصين بالسماح بتهريب “الفنتانيل” المخدر إلى الولايات المتحدة. وألغى قراره ما يُعرف بـ”ثغرة الحد الأدنى” التي تُعفي السلع الصينية منخفضة القيمة من الضرائب الجمركية عند دخولها إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى إمكانية استغلالها في تسهيل تجارة “الفنتانيل”.
وفي يوم الجمعة الماضي، أعاد ترمب موقتاً العمل بـ”ثغرة الحد الأدنى”، مبرراً ذلك بعدم توافر البنية التحتية اللازمة لتحصيل الرسوم الجمركية على هذه الطرود. وكان القرار الأصلي سيؤثر في الشحنات الآتية إلى الولايات المتحدة من منصات التجارة الإلكترونية الشهيرة مثل “شي إن” و”تيمو”.
وخلال ولايته الأولى، استخدم ترمب الرسوم الجمركية ضد الصين، ما أدى إلى اندلاع حرب تجارية مع بكين لمعالجة ما اعتبره ممارسات اقتصادية غير عادلة، وأسفرت هذه المواجهة عن التوصل إلى اتفاق “المرحلة الأولى” في عام 2020.
وبموجب هذا الاتفاق، تعهد شي جينبينغ بأن تشتري الصين بضائع أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال عامين، لكنها لم تفِ بهذا الالتزام، إذ اشترت أقل من 60 في المئة من الكمية المتفق عليها، وفقاً لمعهد “بيترسون للاقتصاد الدولي”.
أما الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها بكين، فمن المتوقع أن تلحق ضرراً أكبر بفرص التوظيف في المناطق التي صوتت لمصلحة ترمب، وفقاً لبحث أجراه معهد “بروكينغز”، إذ تقع نحو ثلثي الوظائف في القطاعات المتأثرة بهذه الرسوم داخل مقاطعات مؤيدة له في ولايات مثل إنديانا وميشيغان وتكساس، وفي المقابل، كانت تداعيات الحرب التجارية الأولى موزعة بشكل أكثر توازناً بين مختلف التوجهات السياسية.
والصين أكثر استعداداً لمواجهة حرب تجارية هذه المرة، إذ طورت أدوات ردع أوسع تستند إلى هيمنتها على عديد من سلاسل التوريد الحيوية، ومع ذلك، فإن اقتصادها يعاني، ما يجعل أي تصعيد متبادل تهديداً لصادراتها، التي تمثل النقطة المضيئة الوحيدة وسط تباطؤ النمو.
وقال أستاذ الاقتصاد في كلية الصين- أوروبا الدولية لإدارة الأعمال في شنغهاي، تشو تيان، للصحيفة، “في الواقع، يواجه الاقتصاد المحلي الآن وضعاً صعباً… أعتقد أن ذلك قد يكون عاملاً في هذا الرد، لأن الصين تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة أكثر مما تعتمد الولايات المتحدة على الصين”.
وأشار تشو إلى أن بكين قد تحقق مكاسب أكبر من أي مفاوضات تجارية مع واشنطن مقارنة بالمكاسب الأميركية المحتملة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية