“بدأت كايلا كاتاسكا التسوق لشراء منزلها الأول خلال الشهر الماضي وكان عليها بالفعل تعديل توقعاتها، وعلى رغم أنها وزوجها انتقلا أخيراً من جنوب كاليفورنيا إلى مدينة ليك ميلز بولاية ويسكونسن ذات الأسعار المعقولة نسبياً، فإنهما أدركا أن منزل أحلامهما قد يأتي بسعر باهظ أكثر مما تخيلا سابقاً”.

وقالت كاتاسكا “ما زلنا في مرحلة مبكرة من هذه العملية، لكننا نتعلم أن نوع المنزل الذي اعتقدت أنه يمكننا تحمله هو أموال أكثر بكثير مما يمكننا تحمله بالفعل، ولا تزال أسعار المنازل في جميع أنحاء البلاد ترتفع بمعدل أسرع من معدل التضخم الإجمالي، مما يسبب صدمة كبيرة”.

وارتفع معدل تضخم المأوى (مقياس لمتوسط ​​كلفة الإسكان في الولايات المتحدة) إلى 4.8 في المئة على أساس سنوي خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024 وفقاً لأحدث مؤشر لأسعار المستهلك، وهو مقياس التضخم الأكثر استخداماً، وهذا سبب كبير لعدم تراجع معدل التضخم الأوسع إلى الهدف المثالي لمجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) وهو اثنين في المئة.

وفي الخريف الماضي، عندما بدأ “الفيدرالي” خفض أسعار الفائدة من أعلى مستوى لها منذ 23 عاماً، كان بعض المحللين على استعداد لإعلان النصر في معركة البنك المركزي ضد نوبة تاريخية من التضخم، ولكن خلال الأشهر التي تلت أول خفض لأسعار الفائدة من جانب “الفيدرالي” في سبتمبر (أيلول) 2024 ظل المقياسان الرئيسان للتضخم الذي تعتمده حكومة الولايات المتحدة، مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، مرتفعين بعناد.

ويتوقع اقتصاديون أن يبقى مؤشر أسعار المستهلك لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، المقرر صدوره هذا الأسبوع، من دون تغيير عن الشهر الماضي عند 2.9 في المئة على أساس سنوي، ومن المتوقع أن يصل مؤشر أسعار المستهلكين الأساس الذي يراقب من كثب، والذي يستثني الطاقة والغذاء، إلى 3.1 في المئة.

وفي تصريحات خلال الشهر الماضي، قال “الفيدرالي” جيروم باول إن “الإسكان هو المكان الذي توجد فيه معظم الفجوة المتبقية”، في إشارة واضحة إلى مغذيات التضخم المرتفع.

التضخم مرتفع بصورة مستمرة

يقيس مؤشر أسعار المستهلك التضخم في المساكن بطريقة قد تبدو غريبة بالنسبة لغير الاقتصاديين، والمجموعتان الفرعيتان الأساسيتان اللتان تندرجان تحت فئة تضخم المأوى، هما “إيجار السكن الأساس” و”إيجار المساكن المعادل للمالكين” (وهو ما يقيس كم سيكلف أصحاب المنازل استئجار المنزل الذي يعيشون فيه).

ويقيس الاثنان التضخم في المنازل المملوكة والمستأجرة في الولايات المتحدة، وهي تشكل مجتمعة أكثر من 33 في المئة من إجمال مؤشر أسعار المستهلكين، لذا فعندما يظل التضخم مرتفعاً بصورة مستمرة في قطاع الإسكان فإن التضخم الإجمالي يظل مرتفعاً أيضاً.

وفق شبكة “سي أن أن”، قالت المفوضة السابقة لمكتب إحصاءات العمل (الذي يدير مؤشر أسعار المستهلك) إريكا غروشين عن مدخلات تضخم الإسكان في المؤشر “من الناحية النسبية، يمثل هذا جزءاً كبيراً من سلة السوق وهو بالتأكيد أكثر بطئاً، وليس هناك شك في ذلك”.

من جهته، قال مستشار السياسات في “الفيدرالي” في مينيابوليس نيل مهروترا إن “التضخم في الإيجارات يميل إلى التحرك بصورة تدرجية أكثر في الطريق صعوداً وهبوطاً، نظراً إلى أن الناس يميلون إلى تثبيت سعر إيجار ثابت بزيادات تراوح ما بين عام إلى عامين”.

وأضاف “بعض التضخم الذي نشهده في الإيجارات كان يحدث بالفعل منذ 12 إلى 18 شهراً، لكنه بدأ الآن فحسب في الظهور عبر السلسلة الرسمية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعد الإسكان مدخلاً أصغر في مقياس التضخم المفضل لدى “الفيدرالي” وهو نفقات الاستهلاك الشخصي، على رغم أنه يشكل أقل من 20 في المئة من المؤشر.

وكان تأثير ارتفاع أسعار المنازل محسوساً في معظم أنحاء البلاد، إذ وجد تقرير حديث صادر عن الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين أن 89 في المئة من المناطق الحضرية سجلت مكاسب في أسعار مبيعات المنازل القائمة لأسرة واحدة خلال الربع الأخير من عام 2024.

ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع معدلات الرهن العقاري، مما حفز أصحاب المنازل الذين احتفظوا بأسعار فائدة منخفضة للغاية على البقاء، مما يعني أنه طرح عدداً أقل من المنازل للبيع، وأدى النقص المزمن في البناء إلى نقص المنازل الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بصورة أكبر.

تراجع القدرة على تحمل الكلف الزائدة

وظلت معدلات الرهن العقاري مرتفعة على رغم الخفوض الأخيرة التي أجراها “الفيدرالي” في أسعار الفائدة، وأدت أيضاً إلى تقليص القدرة على تحمل الكلف، وبلغ متوسط ​​سعر الفائدة على الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عاماً مستوى 6.89 في المئة الأسبوع الماضي، وفقاً لـ”فريدي ماك”.

وفي حين أن هذا أقل قليلاً من الذروة الأخيرة البالغة 7.04 في المئة المسجلة خلال يناير الماضي، إلا أنه أعلى من متوسط ​​أسعار الفائدة على الرهن العقاري لمدة 14 عاماً حتى عام 2022.

وكانت هناك دلائل على استقرار الأسعار في سوق الإيجار، فانخفض متوسط ​​الإيجار المطلوب 0.3 في المئة على أساس سنوي خلال ديسمبر 2024 إلى 1594 دولاراً، وفقاً لبيانات من منصة العقارات “ريدفين”، وهذا هو أدنى مستوى منذ مارس (آذار) 2022.

في تصريحات حديثة، قال رئيس “الفيدرالي” في مينيابوليس نيل كاشكاري “لا يزال الإسكان يمثل جزءاً كبيراً من التضخم، ولدينا ثقة كبيرة في النظر إلى عقود الإيجار الجديدة، وقد يستغرق الأمر بضعة أعوام حتى تنشر بيانات التضخم الفعلية، لذلك من المفترض أن يساعدنا ذلك في خفض التضخم مرة أخرى”.

بينما يعتقد المتخصص في الشأن الاقتصادي أميركي في بنك “أوف أميركا” أديتيا بهاف أنه “من المسلم به تقريباً أن التضخم في قطاع الإسكان سينخفض ​​عاماً بعد عام في المستقبل القريب، على رغم أنه حذر من أن هذا لا يعني بالضرورة أن حرب الفيدرالي مع التضخم فاز بها بالكامل.

ومن الممكن أن تؤدي بعض سياسات الرئيس دونالد ترمب الجديدة مثل التعريفات واسعة النطاق، وعمليات الترحيل الجماعي والخفوض الضريبية الموسعة إلى إشعال التضخم من جديد في المستقبل، بما في ذلك في قطاع الإسكان.

وقال بهافي إنه “خلال الوقت الحالي هذا هو التباطؤ الذي طال انتظاره في تضخم الإسكان والذي بدأ يظهر أخيراً”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية