عززت القوات المسلحة المغربية أخيراً ترسانتها العسكرية الجوية باقتناء طائرات مسيرة صينية من طراز (TB-001)، التي تشتهر بلقب “العقرب ثنائي الذيل”، لتضيفها بذلك إلى “درونات صينية” من نوع (Wing Loong 2) سبق للمغرب اقتناؤها واستخدامها في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
ويرى مراقبون أن امتلاك الجيش المغربي “درونات العقرب ثنائي الذيل” يدعم دفاعاته المتقدمة في الصحراء ضد جبهة البوليساريو المطالبة بالانفصال، كما أنها خطوة تتماشى مع استراتيجية تنويع مصادر التسلح، مما يتيح للرباط مرونة أكبر في المفاوضات الدفاعية.
ميزات حربية وتكنولوجية
أفلحت الطائرة المسيرة الصينية (TB-001)، في جذب اهتمام القوات المسلحة المغربية بفضل المميزات التكنولوجية المتطورة التي تتيح تعزيز القدرات الجوية وبسط “السيطرة على السماء”، خصوصاً في منطقة الصحراء تحسباً لأي تهديد محتمل يطاول الوحدة الترابية للمغرب.
وأفادت منابر متطابقة، منها موقع الدفاع العربي وصحيفة “لارازون” الإسبانية ومنصة “الصين بالعربية” الحكومية، بأن مسيرة “العقرب مزدوج الذيل” الصينية تعد مسيرة هجومية واستطلاعية بمحركين وذيل مزدوج، وتطير بصورة متواصلة مدة تصل إلى 40 ساعة بمدى أقصى يبلغ 8 آلاف كيلومتر.
ووفق المصادر المهتمة بالشأن العسكري العالمي، تستطيع “العقرب مزدوج الذيل” حمل طن ونصف طن من الذخيرة، بما في ذلك ثمانية صواريخ مضادة للدبابات، وذخائر مختلفة من القنابل وصواريخ جو – جو.
وتردف المنابر عينها بأنه “يمكن تزويد هذه المسيرة الصينية المتطورة بقنابل موجهة عن طريق الليزر بوزن يبلغ 250 كيلوغراماً، وقنابل انزلاقية من طراز (FT-7)، وقنابل موجهة من طراز (FT-9)، وصواريخ (AR-4) جو- أرض، وصواريخ كروز (AR-3 FT-8D)، وصواريخ (FT-10) جو- أرض.
وكشف موقع الدفاع العربي، المتخصص في أخبار الصفقات العسكرية الرسمية، عن أن هذه الدرونات الصينية المتطورة تستطيع التجهز بصواريخ خفيفة قصد الهجوم على الأهداف الأرضية مثل المركبات الخفيفة والأفراد ودعم عمليات المشاة.
وبخصوص سعر الطائرة المسيرة الصينية (TB-001) كشفت المصادر ذاتها عن أن ثمنها يصل إلى زهاء مليوني يوان صيني، وهو ما يعادل تقريباً 280 ألف دولار أميركي.
رصد الأخطار
وتأتي الصفقة الجديدة التي بموجبها يقتني المغرب طائرات من دون طيار من طراز “العقرب ثنائي الذيل”، بعد أسابيع على زيارة الرئيس شي جينبينغ الخاطفة إلى المغرب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستقبله خلالها ولي العهد الأمير الحسن، إذ تعززت العلاقات الثنائية أكثر بين الرباط وبكين، لا سيما في التعاون العسكري، وعلى رأسه إبرام صفقات اقتناء أسلحة متطورة من الصين.
في هذا الصدد يقول الخبير في الشأن العسكري والاستراتيجي محمد عصام لعروسي، إن التكنولوجيا الحديثة التي تتيحها الطائرة المسيرة المذكورة تعبر عن حاجات القوات المسلحة المغربية إلى هذا النوع من الأسلحة المتطورة.
وسجل لعروسي بأن “المغرب يرتكز على قاعدة ’تنويع الشركاء‘ بخصوص توجهاته الجديدة في رسم معالم السياسة العسكرية”، لافتاً إلى أن “المغرب يسير في اتجاه التقليل من الاعتماد على السلاح الأميركي والفرنسي والإسرائيلي”.
وأكمل المتحدث أن “المغرب فطن إلى اللجوء إلى استقطابات تتماشى مع مفهوم تعدد القطبية العالمية التي أصبحت تترسخ شيئاً فشيئاً في السنوات الأخيرة، بعد أن تراجع مفهوم القطب الواحد بصورة لافتة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع المحلل الاستراتيجي عينه بأن هذه الطائرات المسيرة الصينية التي أغنت القدرات العسكرية للقوات المغربية تعتبر تقنية تتربص بكل الأخطار المحدقة بالمغرب، بخاصة تلك التهديدات التي يمكن أن تأتي من خصوم الوحدة الترابية للمملكة”.
وذهب لعروسي إلى أن “اعتماد المغرب على السلاح الصيني مهم جداً لتقديم مزايا هجومية، خصوصاً أن المغرب كان اعتمد على نظام دفاعي مضاد للدبابات، وحالياً يعتمد على نظام مضاد للطائرات والأهداف غير الواضحة، بغية تعزيز دفاعاته المتقدمة في مناطقه الجنوبية تحسباً لكل ما من شأنه أن يمس سلامة أراضيه”.
توازن استراتيجي
من جهته قال الباحث في الشأن الدولي والاستراتيجي هشام معتضد إن توجه المغرب نحو الصناعة العسكرية الصينية، وخصوصاً اقتناء الطائرات المسيرة المتطورة (TB-001)، يظهر رغبته في تقليل اعتماده الحصري على شركائه التقليديين مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وهي خطوة تتماشى مع استراتيجية تنويع مصادر التسلح، مما يمنح الرباط مرونة أكبر في المفاوضات الدفاعية، ويقلل من أخطار الضغوط السياسية التي قد تفرض عليها بسبب الاعتماد على مصدر واحد للتسليح”.
وعلى المستوى الجيوسياسي يوضح معتضد أنه يعكس انفتاح المغرب على التكنولوجيا العسكرية الصينية وإدراكه العميق للتحولات في ميزان القوى العالمي، مضيفاً “بينما يظل المغرب حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة والغرب، فإنه لا يتردد في تطوير علاقاته العسكرية مع الصين، مما يسمح له بتحقيق توازن استراتيجي في سياساته الخارجية والعسكرية، ويضعه في موقع تفاوضي أقوى على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
واعتبر المحلل عينه أن “هذا التوجه يأتي في سياق سعي المغرب نحو تعزيز قدراته في مجال الحرب الحديثة، إذ أصبحت الطائرات المسيرة عنصراً أساساً في النزاعات العسكرية المعاصرة”، موضحاً أن “المسيرات الصينية تتيح للمغرب تحسين قدراته في الاستطلاع والهجمات الدقيقة، خصوصاً في المناطق الصحراوية الشاسعة، مما يعزز تفوقه العملياتي، خصوصاً في مواجهة التحديات الأمنية في الصحراء المغربية”.
ووفق معتضد “لا يقتصر هذا التوجه على شراء المعدات العسكرية فحسب، بل يعكس رغبة في تطوير شراكة أعمق مع الصين في مجالات التكنولوجيا العسكرية والتصنيع”، لافتاً إلى أن “المغرب قد يستفيد من الخبرة الصينية في مجال تطوير الأنظمة المسيرة، وهو ما قد يفتح المجال لنقل التكنولوجيا أو حتى التصنيع المشترك مستقبلاً، مما يعزز من قدراته الدفاعية الذاتية على المدى الطويل”.
وأكد المتحدث أن “اقتناء المسيرات الصينية يشير أيضاً إلى قدرة المغرب على استخدام ورقة التسلح للضغط على الموردين التقليديين، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، من أجل تقديم عروض أكثر تنافسية سواء من حيث السعر أو من حيث الشروط المرتبطة بعمليات البيع”، لافتاً إلى أن “هذه الاستراتيجية ليست جديدة في العلاقات الدولية، إذ يلجأ عدد من الدول إلى تنويع مورديها من أجل تحقيق مكاسب أكبر من الشركاء التقليديين”.
وخلص معتضد إلى “هذه الصفقة تعكس تحولاً في العقيدة العسكرية المغربية نحو تعزيز استخدام الأنظمة غير المأهولة، مما يشير إلى اعتماد أكبر على الذكاء الاصطناعي والقدرات التكنولوجية المتقدمة في العمليات العسكرية، ويؤكد هذا التوجه استعداد المغرب لمواكبة التطورات الحديثة في الحروب المستقبلية التي تعتمد بصورة متزايدة على الأنظمة ذاتية التشغيل”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية