تمثل الدرعية القلب النابض للتاريخ السعودي، إذ أسسها مانع المريدي عام 850هـ/1446م على ضفاف وادي حنيفة، ليضع حجر الأساس لكيان سياسي مستقر في الجزيرة العربية، ما لبث أن تطور لاحقاً ليصبح الدولة السعودية، لم يكن تأسيس الدرعية مجرد حدث عابر، بل كان رؤية طموحة لقائد أدرك أهمية الاستقرار والتجمع في منطقة استراتيجية، فكان نواة لوحدة سياسية امتدت تأثيراتها إلى حاضر المملكة ومستقبلها.

ومع تعاقب الأجيال، واصل أحفاد مانع المريدي البناء على إرثه، وكان أبرزهم الإمام محمد بن سعود الذي جعل من الدرعية عاصمة للدولة السعودية الأولى عام 1157هـ/1744م، وأرسى دعائم دولة قوية قائمة على الوحدة والاستقرار، وقد تحولت الدرعية إلى مركز سياسي وديني بارز، حيث شيد حي الطريف كمقر للحكم، وسور الدرعية عام 1172هـ/1759م، الذي امتد بطول 13 كيلومتراً مع 78 برجاً دفاعياً، مما جعلها حصناً منيعاً أمام الأعداء.

لكن المجد الذي بلغته الدرعية لم يحل دون تعرضها لحملة عسكرية قادتها الدولة العثمانية عام 1233هـ/1818م، انتهت بتدميرها وسقوط الدولة السعودية الأولى، غير أن روح الدرعية لم تنطفئ، فقد بقيت رمزاً للهوية الوطنية، واستمرت إرثاً حياً للأمة السعودية، ليعاد ترميمها لاحقاً حتى أدرج حي الطريف ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، ويصبح اليوم وجهة سياحية وثقافية بارزة تخلد إرثها العريق.

واليوم، بعد ما يقارب 1000 عام على تأسيسها، يأتي حفيد مانع المريدي الـ14، الأمير محمد بن سلمان، ليعيد للدرعية زخمها، ويجعل منها درة تاج السياحة السعودية ومصدر إلهام للمدن التاريخية في المملكة والعالم، فقد شهدت الدرعية نهضة غير مسبوقة من خلال مشاريع الترميم والتطوير التي حولتها إلى مركز ثقافي وسياحي عالمي يعكس روح السعودية القديمة برؤية حديثة، مع المحافظة على أصالتها وإرثها العريق.

أحداث مفصلية بين القرون

ومما يزيد هذا الإرث ثقلاً وأهمية هو أن الدرعية نفسها، التي بدأت كواحة صغيرة أسسها المريدي، شهدت في العصر الحديث حدثاً عالمياً مفصلياً، حين اجتمع فيها قطبا العالم، الولايات المتحدة وروسيا، في محادثات مفصلية أنهت شبح حرب عالمية ثالثة.

إن هذا التطور يعكس المكانة التي وصلت إليها السعودية، حين تحولت الدرعية من مركز سياسي في القرن الـ15 إلى نقطة التقاء القوى العظمى في القرن الـ21، بفضل رؤية القيادة السعودية التي أعادت إلى هذه المدينة دورها كمهد لصناعة القرار ورافد رئيس في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.

كان مانع المريدي وفق المصادر السعودية قائداً صاحب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، إذ جاء إلى المنطقة بعد دعوة من ابن عمه حاكم حجر اليمامة، الذي منح قبيلته أراضي في وادي حنيفة، فأدرك المريدي الموقع الجغرافي الفريد لهذه المنطقة، وما تمثله من بيئة خصبة يمكن أن تحتضن تجمعاً مستقراً، فأسس بلدة الدرعية على ضفتي الوادي، لتكون مركزاً سياسياً وتجارياً مزدهراً، لم يكن تأسيسها مجرد استيطان موقت حتى بعد تعدد المدن الاستراتيجية في محيطها، بل كان خطوة مدروسة لبناء كيان سياسي قوي، مما جعلها خلال عقود قليلة مركزاً مهماً في نجد، يتوافد إليها التجار والسكان، وتشهد ازدهاراً في الزراعة والتجارة، مما عزز قوتها الاقتصادية وأهميتها الاستراتيجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يقتصر دور مانع المريدي على تأسيس الدرعية كمدينة، بل وضع اللبنة الأولى لنظام سياسي متماسك يقوم على الحكم المستقر والعلاقات القبلية القوية، وهو ما شكل الأساس الذي بنى عليه أبناؤه وأحفاده لاحقاً.

بفضل حكمته وقدرته على التحالف وبناء النفوذ أصبحت الدرعية مركزاً مؤثراً في محيطها، مما مهد الطريق للإمام محمد بن سعود بعد قرون ليعلنها عاصمة للدولة السعودية الأولى، لقد شكلت رؤيته حجر الأساس لما أصبح لاحقاً المملكة العربية السعودية، التي استمرت عبر ثلاثة قرون من التحديات والصراعات، لتعود اليوم إلى الواجهة بقيادة حفيده الأمير محمد بن سلمان، الذي يواصل المسيرة في جعل الدرعية مركزاً حضارياً وسياسياً عالمياً، كما أرادها مؤسسها الأول.

المريدي وفقاً لدارة الملك عبدالعزيز، هو جد الأسرة المالكة في المملكة العربية السعودية (آل سعود)، وزعيم عشيرة الدروع، التي كانت تقطن في شرق الجزيرة العربية، ومؤسس الدرعية عام 850هـ/1446م، التي أصبحت عاصمة الدولة السعودية الأولى، وهو الجد السابع لمؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، والجد التاسع لمؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبدالله، والجد الـ12 لمؤسس المملكة العربية السعودية (الحالية) الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود، وتولى الحكم من ذرية مانع المريدي 15 حاكماً، أطلق عليهم “أئمة” في الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية، و”ملوك” في المملكة العربية السعودية.

يعود نسب مانع المريدي إلى بني حنيفة من قبيلة بكر بن وائل العدنانية، ويلتقي نسبه بنسب الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – في جدهما المشترك نزار بن معد بن عدنان، كانت أسرته ضمن عشائر بني حنيفة التي انتقلت من وادي حنيفة في نجد إلى شرق الجزيرة العربية في فترات تاريخية مختلفة، واستقرت في الدرعية الأولى، التي أسسها أجداد مانع شرق الجزيرة العربية.

وكان تأسيس الدرعية منذ البداية وفقاً للمصادر الرسمية “بمثابة نقطة تحول سياسية بتطبيقها نظرية دولة المدينة التي تفردت بها الدرعية دون غيرها من المدن والبلدات، في حين كان لدولة المدينة تاريخ عريق في منطقة شبه الجزيرة حيث كانت يثرب في بداية هجرة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – إليها مثالاً واضحاً لدولة المدينة”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية