تستعد الأسر التونسية قبل أيام من حلول شهر رمضان بتجهيز وتخزين بعض السلع الغذائية الأساس، إذ تشهد مختلف الأسواق التونسية حالياً حركة لافتة استعداداً لهذا الشهر الذي يشهد عادة زيادة في الاستهلاك والتبذير الغذائي بمستويات واضحة ترهق إنفاق الأسر التونسية مادياً.
وتزامناً مع هذه الاستعدادات عبر عدد من التونسيين في حديثهم إلى “اندبندنت عربية” عن مخاوفهم من ارتفاع الأسعار في شهر الصيام وزيادة مظاهر الاحتكار والمضاربات بعدد من المنتجات الغذائية التي يرتفع استهلاكها في شهر رمضان.
وتقول السيدة خديجة السالمي إنها “تحرص في هذه الأيام على الاستعداد لشهر رمضان بصفة مبكرة نسبياً باقتناء بعض المستلزمات الضرورية تحوطاً من اللهفة والاكتظاظ من جهة وتخزين بعض المواد من بيض ومعجنات وحليب تحسباً لاختفائها لاحقاً”.
وأبدت السيدة الخمسينية العاملة بإحدى المؤسسات الحكومية التونسية عن توجسها من تسجيل ارتفاع متعمد من التجار في أسعار الخضر والغلال وبعض أصناف الخبز المصنع خصيصاً في رمضان.
مقدرة شرائية مثقلة
يدخل التونسيون رمضان 2025 ومقدرتهم الشرائية على المحك مسجلة تراجعاً لافتاً بسبب ضعف سعر صرف الدينار التونسي وتراجع قيمته علاوة على أن نسبة التضخم في عدد من المنتجات الأساسية لا تزال مرتفعة على رغم أن معدل التضخم شهد تراجعاً ملحوظاً في الفترة ما بين 2023 و2025.
وعلى رغم تراجع التضخم في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى ستة في المئة، مقابل 6.2 في المئة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024 وفق بيانات معهد الإحصاء الحكومي، فإن نسق أسعار مجموعة المواد الغذائية تطور خلال يناير الماضي عند 7.1 في المئة، ويعود ذلك إلى ارتفاع أسعار لحم الضأن 22.7 في المئة، وأسعار الخضر الطازجة 18 في المئة، وأسعار الفاكهة الجافة 15.1 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة 13.7 في المئة وأسعار الدواجن 11.2 في المئة.
تحذير وصرامة
حرصاً على ضمان استقرار الأسعار في شهر رمضان وضمان انسيابية ضخ السلع بالأسواق وإضفاء شفافية على المعاملات التجارية تعهد مسؤولون حكوميون تونسيون بضرورة الحفاظ على الأسعار، بل الضغط عليها أكثر حفاظاً على القدرة الشرائية لعموم التونسيين.
وحذر مسؤولون بوزارة التجارة التونسية كل المتدخلين في السوق من التلاعب بالأسعار أو تعمد الزيادة في أسعار المنتجات التي اتفق على تثبيت أسعارها في رمضان 2025، إذ أعلن مسؤولون بالوزارة أنهم اتفقوا مع كل الأطراف المتداخلة على تجميد أهم أسعار المواد الأساس.
وقال مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية حسان التويتي إلى “اندبندنت عربية”، إنه تقرر التسقيف التوافقي للأسعار (وضع سقف محدد للأسعار) وخفض تلقائي في مستوياتها من المهنيين، علاوة على تسقيف الأسعار القصوى بالجملة للخضر الرئيسة مع تحديد هامش ربح موحد لبيع الخضر والغلال بالتفصيل بـ25 في المئة وكذلك تحديد هامش ربح مخفض بالمساحات التجارية بـ15 في المئة، كذلك تسقيف الأسعار القصوى للحوم والدواجن بسعر 8.5 دينار للكيلوغرام (2.7 دولار) للدجاج الجاهز للطبخ و16 ديناراً (خمسة دولارات) لكيلوغرام من شرائح الدجاج والديك الرومي والبيض 1.4 دينار (0.4 سنت دولار) لأربع بيضات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى اللحوم الحمراء فقد أشار التويتي إلى أنه تقرر تحديد أسعار بيع قصوى للحوم الأبقار المبردة المستورد عند 35.5 دينار للكيلوغرام (11.4 دولار)، مشيراً إلى أنه عام 2024 شهدت هذه الأسعار مستويات قياسية وصلت إلى 50 ديناراً للكيلوغرام الواحد (16.1 دولار).
وأضاف التويتي أنه تقرر بيع لحوم الضأن المستوردة 38.2 دينار (12.3 دولار) للكيلوغرام، إلى جانب اعتماد أسعار للحوم المحلية بنقطة بيع شركة اللحوم مع خفوض تلقائية من القصابين (الجزارين) على اللحوم المحلية والمستوردة.
وحول الأسماك أوضح المسؤولون أنه تقرر مواصلة العمل بتحديد هامش ربح أقصى للتوزيع بالتفصيل عند 25 في المئة.
عوامل مناخية ملائمة
قال التويتي إنه تقرر اتخاذ كل التدابير التنظيمية واللوجيستية لتأمين انتظامية الضخ والضغط على الأسعار لمناسبة شهر رمضان لهذا العام.
وأوضح أن شهر رمضان 2025 يتسم بعوامل مناخية ملائمة بنزول الغيث النافع، مما سيسمح بتوفر كثير من المنتجات الفصلية، متابعاً “يدخل التونسيون شهر الصيام هذا العام في وضع تتميز فيه السوق باستقرار، خصوصاً مع توافر المنتجات الفلاحية (الزراعية) الموسمية”.
واعتبر التويتي أن الحكومة ستعول بصفة أساس على الإنتاج المحلي أولاً ثم اللجوء إلى الاستيراد كحل استثنائي، مع إعطاء الأولوية في ضخ السلع للسوق المحلية والمعادلة بين الاستهلاك العائلي والمهني للمواد، وكذلك إحكام التصرف في المتوافرات والمخزونات.
وأوضح أنه ستخصص نحو 35 نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك في أنحاء البلاد وتوفر للمستهلك الخضر والغلال واللحوم والدواجن، إضافة إلى القهوة المدعمة وزيت الزيتون البكر الممتاز.
إشباع السوق
من جانبها، قالت المدير العام للتجارة الداخلية بوزارة التجارة بسمة الطرابلسي، إنه ستضخ السلع قبل أسبوع رمضان لإشباع الأسواق، لتعزيز العرض وضمان توافر المنتجات بالكميات الضرورية تفادياً لأي تجاوزات قد تحدث.
مخزونات كافية من السكر والقهوة والشاي
في غضون ذلك، قدم المسؤول عن الديوان التونسي للتجارة (حكومي) محمد الهادي الإينوبلي آخر الاستعدادات في شأن توفير القهوة والسكر والرز والشاي خلال شهر رمضان والأشهر المقبلة.
وأضاف أن المخزونات المتوافرة من السكر تبلغ 74 ألف طن، أي ما يعادل شهرين من الاستهلاك بمعدل 1000 طن يومياً، لافتاً إلى تفريغ شحنتين إضافيتين بمعدل 39 ألف طن لكل شحنة على مستوى ميناءي قابس وبنزرت، وبالنسبة إلى مادة القهوة فيبلغ المخزون الحالي المتوافر 2400 طن مع استيراد كميات إضافية بنحو 5400 طن في مطلع مارس (آذار) المقبل.
وأفاد بزيادة كميات القهوة الموجهة للاستهلاك العائلي مع ضخ كمية استثنائية من القهوة المعلبة (150 – 200 طن) منذ بداية فبرابر (شباط) الجاري، وأعلن عن ضخ كميات إضافية من القهوة وتصنيعها في عبوات ذات 125 غراماً وعرضها للاستهلاك العائلي.
أما الرز الذي يعرف إقبالاً لافتاً خلال شهر رمضان فسيتم توفير مخزون 7100 طن أي ما يعادل استهلاك ثلاثة أشهر.
وفي ما يخص مادة الشاي فإن الكميات التي ستضخ في حدود 550 طناً، أي ما يعادل شهر استهلاك.
13 دولاراً كلفة الإفطار
كشف رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي، عن أن كلفة “قفة” المواطن التونسي خلال شهر رمضان 2025 يمكن أن تقدر بـ40 ديناراً (13 دولاراً) يومياً، بالنسبة إلى عائلة تتكون من ستة أفراد، وذلك من دون احتساب الكلفة اليومية للحوم الحمراء التي تعرف أسعارها شططاً في تونس.
وأوضح الرياحي في تصريحات إعلامية أن كلفة “قفة” رمضان تتغير من عائلة إلى أخرى ومن جهة إلى أخرى، وبحسب الوجبة وكمية اللحوم، ولكن تقديرات منظمة إرشاد المستهلك تبقى تقريبية، مضيفاً أن “معظم الأسر التونسية غير قادرة على توفير وجبات يومية بقيمة 40 ديناراً ومستوى إنفاقها اليومي المخصص للأكل يكون أقل من ذلك”.
ولفت إلى أن “أسعار مختلف المواد الغذائية مرتفعة في تونس سواء بالنسبة إلى الخضر أو الغلال وخصوصاً أسعار اللحوم”، مضيفاً أن “التونسي لم يعد قادراً على الإنفاق على الغذاء في المستوى ذاته مقارنة بالأعوام الماضية”، قائلاً “مثلاً العائلة التونسية التي كانت تستهلك الغلال يوماً بيوم، أصبحت اليوم تنفق على اقتناء الغلال مرة في الأسبوع، لذا تراجع إنفاق التونسي على مختلف المواد الغذائية بفعل ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية وضعف الدخل الأسري”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية