ربما تكون عبارة لكل مقام مقال تنطبق تماماً على العلامة التجارية للأشخاص، سواء في السياسة أو الفن أو المجتمع. فإنشاء علامة تجارية لهوية شخصية تحتاج إلى عناصر عدة أولها القيم الأساس التي تريد أن تعكسها، وكيف ترغب أن ترى، والرسالة التي تحملها إضافة إلى الشكل والمحتوى والجمهور المستهدف لبناء سمعة وصدقية تترسخان مع مرور الزمن.

في خطاب التحرير ارتدى البزة العسكرية، وفي اليوم التالي يوم تنصيبه رئيساً ارتدى البزة الرسمية مرفقة بربطة عنق، وكان قبلها ارتدى أثواباً وأثواباً. (أبو محمد الجولاني) أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية اليوم، ربيب الزرقاوي وتنظيم “القاعدة” والقيادي في تنظيم “داعش” وصولاً إلى “جبهة النصرة”، ثم تزعم “هيئة تحرير الشام” قبل أن تعلق مرساته في قصر الشعب السوري رئيساً.

رافق هذا التبدل في شخصية الشرع منطق مختلف بحسب الحقبة. وتعد شخصيته الجدلية واحدة من أبرز الشخصيات التي خضعت لإعادة التشكيل مرات عدة خلال الأعوام الأخيرة.

وفي مقال نُشر على موقع “بي بي سي” البريطاني يذكر أن تحوله ليس حديثاً بل تمت زراعته على مر الأعوام بعناية، وهذا واضح في تصريحاته كما في مظهره المتطور، من “خزانة المتطرفين” التقليديين إلى الزي العسكري وصولاً إلى الزي الغربي.

في مقابلة مع المحلل في شؤون التطرف والإرهاب آرون زيلين نُشرت على موقع “فورين بوليسي” تحدث عن أصول الجولاني ومحاولاته لإعادة تشكيل صورته، وما قد يحدث في سوريا بعد سيطرته على الحكم، مفنداً كيف انتقل من تنظيم إلى آخر خلال 13 عاماً إلى حصوله على شرعية دولية عرابتها الولايات المتحدة، وهي التي كانت قد رصدت مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض عليه، لتعود وتبلغ الشرع عبر مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف التي زارت سوريا على رأس وفد أميركي، أن واشنطن لن تواصل رصد مكافآت للقبض عليه، وليلتزم بدوره عدم السماح للجماعات الإرهابية العمل في سوريا بشكل يهدد الدول المجاورة وأميركا. 

وعلى رغم التغيير الجوهري في الشكل من تشذيب اللحية والشعر إلى الثياب الرسمية أخيراً، إلا أن الشرع لا زال متمسكاً حتى الآن ببعض العادات المرتبطة بالتدين، مثل عندما أجرى مقابلته الشهيرة “سي أن أن”  كانت المذيعة ترتدي الوشاح على رأسها، وكذلك لم يحدث أن صافح سيدة باليد في لقاءاته السياسية، حتى أنه طلب من إحدى السيدات التي أرادت أن تأخذ صورة معه أن تضع شالاً على رأسها. 

ترمب علامة تجارية متغيرة

من عالم الأعمال وحلبات المصارعة إلى العلامة التجارية السياسية الأقوى، جملة تختصر التحول الجذري في صورة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

عرف أولاً بشكل أو شخصية بارزة في عالم الأعمال والترفيه، وبنى علامة تجارية قوية جعلت اسمه مرادفاً للرفاهية والنجاح. إذ لم يكن مجرد تاجر عقارات ناجح بل كان ظاهرة إعلامية، واستغل شهرته مقدم برنامج الواقع “ذا أبرينتس” الذي استمر لـ15 موسماً، حيث كان صوته وشكله الصارمين يختصران بعبارته الشهيرة “أنت مطرود”!

كما أن وجوده في حلبات المصارعة الحرة التي كان جيل بأكمله ينتظر مشاهدتها في نهاية الأسبوع، مع اتحاد “المصارعة العالمية”، كان أيضاً جزءاً من بناء شخصيته الجماهيرية. حيث ظهر في عدة عروض مصارعة، وهذه لم تكن عشوائية وبهدف الترفيه فحسب، بل مدماكاً لا ينسى وتسويقاً لترسيخ صورته كمقاتل لا يخشى المواجهة، وشخصية شعبوية قريبة من الجمهور.

ولكن عندما قرر ترمب خوض السباق الرئاسي في 2016، كانت استراتيجيته قائمة على تحويل اسمه إلى علامة سياسية تجارية، مستخدماً أساليب المصارعة والإعلام معاً مثل الدراما والمواجهة المباشرة والشعارات القوية. واستخدم شعاره الشهير “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً”، تماماً كما تستخدم العلامات التجارية الكبرى شعاراتها الشهيرة، وخلق أجواء شبيهة بالمصارعة في تجمعاته الانتخابية، حيث كان يحرض الجمهور ويستعرض خصومه بأسلوب استفزازي لجذب الانتباه.

وتحولت شخصية ترمب الإعلامية إلى ظاهرة سياسية، حيث استخدم أسلوب التكرار والعدوانية الإعلامية لخلق صورة الزعيم القوي الذي يتحدى المؤسسة السياسية التقليدية والدبلوماسية المعهودة.

مهارات إعلامية لا سياسية

بحسب موقع “ريتش فوتر” Reach Voters، تعد العلامة العلامة الشخصية عنصراً حاسماً في الحملات الانتخابية الحديثة، حيث يلعب تصميم الصورة والمظهر العام دوراً مساوياً للسياسات في التأثير في الناخبين. ويبقى الانطباع الأول هو المفتاح، كونه يؤثر بشكل كبير على تقبل الجمهور للمرشح حتى قبل الاطلاع على برامجه. كما تعد وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا أدوات أساسية في إظهار الهوية السياسية والتفاعل المباشر مع الناخبين، مما يمنح المرشحين القدرة على التحكم في صورتهم العامة بشكل غير مسبوق. رغم أن الناخبين قادرون على تمييز الصور المصطنعة من الحقيقية، مما يجعل بناء علامة شخصية صادقة ومستدامة أمراً في غاية الأهمية. وكذلك فإن السرد البصري والشعارات المؤثرة ليست مجرد تفاصيل عادية بل تعمل كاستراتيجيات أساسية في تحديد نجاح أي حملة انتخابية.

تقول أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة ستيتسون سيارا توريس سبيليسي صاحبة كتاب “العلامات التجارية السياسية” في مقال نشر على موقع برينان، إنه كلما زاد اعتماد الناخبين على العلامة التجارية البراقة كمعيار للانتخاب، زاد احتمال وقوعهم في فخ المرشحين ذوي المهارات الإعلامية بدلاً من القادة الأكفاء والصادقين. وتضيف “إذا كنت تعتقد أن الانتخابات تعتمد على الحقائق والمنطق، فعليك إعادة النظر”.

وكما يوضح عالم النفس درو ويستن “ثلثا قرارات الناخبين تستند إلى مشاعرهم الحزبية تجاه المرشح، وليس إلى مواقفه السياسية”. وهذا يفسر لماذا تصبح الإعلانات السياسية المضللة فعالة، حيث تعتمد على إثارة المشاعر أكثر من تقديم الحقائق.

هانا مونتانا لم تعد مراهقة

كما في السياسة والمجتمع كذلك في الفن، يحتاج الفنان إلى علامة تجارية تميزه وتوصله إلى مبتغاه. فكيف تُشكل هذه العلامة؟ وكيف يُعاد تشكيلها، ولماذا؟

أمثلة عالمية عديدة لشخصيات وفنانين كان لا بد من إعادة تشكيل هويتهم للتناسب إما مع العمر أو مع الظروف. وقد يكون واحدة من أبرزها بطلة “هانا مونتانا” مايلي سايروس، إذ لم يعد باستطاعة المراهقة أن تبقى محاصرة في مراهقتها بعد أن بلغت.

انتقلت سايروس بنجاح من نجمة مراهقة إلى فنانة موسيقى البوب والروك من خلال تبني الجدل والأخطار الفنية والأصالة الشخصية، على عكس عدد من النجوم الأطفال الذين يعانون التجديد، كان تحولها مقصوداً وأحياناً مبالغاً به، لكنه تحسن بمرور الوقت.

العلامة التجارية تعد عنصراً مهماً في نجاح المشاهير، فهي الوسيلة التي تمكنهم من الحصول على تعاونات مربحة وأدوار سينمائية ودعوات إلى الفعاليات، وزيادة متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تكوين صورة إيجابية لدى الرأي العام. ولضمان استمرار نجاحهم يجب عليهم تطوير علامتهم التجارية باستمرار، للحفاظ على جاذبيتهم وتعزيز مسيرتهم المهنية.

وإعادة بناء العلامة التجارية تعني إعادة تحديد الطريقة التي يتواصل بها نشاط الفنان التجاري مع جمهوره. ويشمل ذلك مراجعة هويته البصرية ونبرة صوت علامته التجارية وشخصيتها ومدى تأثيرها في جمهوره، مع مراعاة التغيرات في الاتجاهات السائدة والمشهد الثقافي الحالي.

أسباب إعادة تشكيل العلامة التجارية

المستشارة الإعلامية والفنية اللبنانية إليان الحاج خاضت هذا المجال منذ 14 عاماً، قدمت من خلالها خدمات تطوير الصورة الفنية للفنان ومرافقته من خلال الاستشارات الإعلامية والفنية وإدارة الأعمال، وعملت مع نخبة من الأسماء البارزة في مجالات الموسيقى والتمثيل وعالم الموضة، من بينهم عبير نعمة وهبة طوجي وإليانا ومحمد مجذوب وغيرهم.

تقول إليان في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن لإعادة تشكيل الهوية الفنية للفنان أهدافاً عدة أولها مساعدته للتعبير عن نفسه بصورة أفضل، وليفهم موهبته ويعبر من خلال حال فنية تتحول إلى مشروع فني، إضافة إلى توسيع نطاق شهرته ومساعدته حتى يستطيع محاكاة شريحة أكبر من الجمهور، بما يسهم في الثبات والاستمرارية ويتماشى مع ثقافات مختلفة ويعاصر الطروحات الجديدة والمتغيرات ويواكبها.

وتمضي في حديثها “نسعى دائماً إلى إعادة تشكيل الهوية الفنية بحيث تتماشى مع ثقافات متنوعة ومستجدات العصر، وبخاصة في ظل التغيرات الحاصلة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا التكيف يسمح للفنان بتوسيع آفاقه الإبداعية ويقوي قدرته على الابتكار والتجديد، وهناك عدد من العوامل التي تدفعنا في مراحل معينة إلى إعادة ابتكار أو تطوير الصورة الفنية، سواء كانت هوية الفنان الشخصية أو العلامة الفنية التي يمثلها”.

القابلية للتطور والقيم

تكشف المستشارة الإعلامية “أحياناً يحتاج الفنان إلى كسر أنماط معينة في شخصيته أو التخلص من بعض الحواجز التي تعوق تقدمه، وهذا يتطلب مرونة واستعداداً للتغيير. وكلما كان أكثر جهوزية للتطور والتكيف مع المتغيرات، تمكن من الوصول إلى جمهوره بصورة أسرع وأقوى، إذ يتمسك بعض الفنانين بصورتهم التقليدية لأنهم يشعرون بالأمان داخل إطار مألوف، مما قد يعوق تطورهم. لذلك أحرص على العمل مع الفنانين الذين يتمتعون بالمرونة والانفتاح على التجديد، لأن ذلك يتيح لهم تحقيق نمو مستمر وتطور حقيقي في مسيرتهم”.

وتعد أن إعادة تشكيل صورة الفنان وهويته عملية تخضع لعوامل عدة أساس، إذ قد يمر الفنان بمراحل من الركود أو الثبات في نقطة معينة، مما يمنعه من التطور. وأحياناً، يكون الهدف الوصول إلى جمهور جديد وتوسيع نطاق الانتشار، بينما في حالات أخرى قد يكون الفنان مر بأزمة أو فترة تعثر أثرت في مسيرته. وفي مثل هذه الحالات، يصبح من الضروري إعادة رسم صورته أو تطويرها بالصورة التي تتماشى مع تطلعاته والجمهور المحيط به.

أما التحديات التي تواجه تشكيل الهوية الفنية فتوضح إليان أنها قد تكون التحديات الشخصية التي يواجهها الفنان، “فالتغيير قد يكون مخيفاً له، فنحن كبشر نميل إلى التمسك بما هو مألوف. وهنا تكمن أهمية الرؤية الاستراتيجية والقدرة على توجيه الفنان نحو الطريق الصحيح، مع الأخذ بعين الاعتبار المستقبل الذي ينتظره. فوجود خطة واضحة وثقة متبادلة بين الفنان وفريق العمل هو المفتاح الأساس لخوض هذه الرحلة بنجاح. وهناك التحديات المرتبطة بردود فعل الجمهور، فعلى رغم وضع خطة دقيقة، لا يمكن دائماً التنبؤ بردود الفعل لأن الجمهور متنوع ووجهات النظر تختلف، لذا فالعمل في هذا المجال يحمل معه مسؤولية كبيرة.

وتذكر “لذا، خلال الجلسات المكثفة التي تجرى مع الفنان عند تشكيل هويته الفنية يتم العمل على اكتشاف القيم التي يؤمن بها والأمور التي يحبها، والأفكار التي تمثل جزءاً من شخصيته الفنية الأصيلة. والهدف ليس فرض رؤى خارجية عليه بل إبراز وإخراج العناصر الحقيقية التي تشكل شخصيته، واستثمارها في بناء صورة فنية صادقة ومتناسقة مع جوهره. وفي هذا السياق، لا يمكن فرض معتقدات أو مواقف على الفنان لا تتماشى مع هويته الأصلية، بل يتم التركيز على تنقيح وتعزيز الجوانب الحقيقية من شخصيته وتقديمها للجمهور بصورة أكثر وضوحاً. فمثلاً، لا يمكن لفنان أن يكون واجهة لحملة توعية ضد المخدرات بينما هو يستهلكها في الخفاء، لأن ذلك سيكون بمثابة تناقض جوهري يهدد صدقيته. فعندما تكون الهوية الفنية غير منسجمة مع القيم الحقيقية للفنان فإنها تفقد صدقيتها، وتتحول إلى عبء على مسيرته”.

وتقول “عند مساعدة أي فنان في ترسيخ هويته الفنية لا أسعى إلى إسقاط نجاحات الآخرين عليه، بل نعما بأمانة على بناء هويته الخاصة، مستندة إلى شخصيته وتجاربه الفنية وحياته الشخصية، لأن الاعتماد على نجاح فنان آخر أو علامة فنية أخرى لا يؤدي إلى إبداع أصيل، بل يخلق صورة مكررة بلا روح، وهذا يتعارض مع جوهر العمل الفني، فالتقليد لا يمكن أن يصنع نجاحاً طويل الأمد. وقد تجذب النسخة الانتباه في البداية، لكنها لن تحقق تأثيراً مستداماً،. فالتشابه قد يلفت الأنظار موقتاً لكن الأصالة وحدها هي التي تضمن الاستمرارية والتأثير الحقيقي. لهذا، أحرص على اكتشاف العناصر الفريدة في كل فنان والعمل على تطويرها بصدق وإبداع، بدلاً من محاولة إعادة إنتاج نجاحات غيره”.

“ريبراندينغ” ليس نسفاً للأصل

وتؤكد المستشارة الإعلامية والفنية اللبنانية أن التجدد لا يعني التخلي عن الهوية الفنية الأساس التي اختارها الفنان لنفسه، فمن الضروري أن يبقى الفنان متمسكاً بجوهر أسلوبه وهويته، حتى عند السعي إلى التطوير والتحديث. فإذا كان الفنان يتبع نمطاً كلاسيكياً فإن التجدد لا يعني أن يتحول فجأة إلى صورة غريبة وغير متماشية مع شخصيته، مثل ارتداء أزياء غير مألوفة أو تغيير شكله بطريقة لا تعكس هويته الفنية، بل يتمحور التجدد حول الموسيقى، وأسلوب الخطاب والطريقة التي يتفاعل بها مع جمهوره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف “التطوير الناجح يكمن في إيجاد طرق جديدة للتواصل مع الجمهور والانفتاح على شرائح مختلفة، مع الحفاظ على الخط الفني الذي اختاره الفنان لنفسه، فالتغيير الجذري قد يكون خطراً جداً وغير مفيد لمسيرته، بينما التطوير المدروس هو ما يضمن له الاستمرارية والنجاح”.

وفي النهاية، ليست العلامة التجارية مجرد صورة خارجية، بل انعكاس للهوية والقيم التي يختار الشخص أو المؤسسة تقديمها للعالم، وأي تغيير في هذه الهوية لا بد أن يكون مدروساً لأن الصدقية هي المفتاح الأساس لأي إعادة تموضع ناجحة. والنجاح لا يتعلق فقط بصنع علامة تجارية قوية، بل بالحفاظ عليها وتطويرها وضمان أن تعكس هوية حقيقية ومتجددة تتماشى مع الجمهور والزمن، لأن العلامة التجارية التي لا تتغير تموت، لكن العلامة التي تفقد هويتها تضيع.

نقلاً عن : اندبندنت عربية