إطلالة

















































في حياة كلّ منا، هناك لحظات قاسية تترك آثارًا عميقة في القلب والعقل، ولا يمكن لأي كلمات أن تعبر تمامًا عن حجم الألم الذي نشعر به عند فقدان شخص قريب إلينا ،اعتدتنا أن  نراه تقريباً يومياً. في فجر يوم أمس الأحد، خيم الحزن على مكان العمل، حين وصلنا خبر رحيل زميلي وصديقي العزيز الكاتب الصحفي محمد مهاود مدير تحرير جريدة الوفد ، بعد صراع طويل مع المرض. كان خبر وفاته صدمة للجميع، فقد كانت حالته الصحية تتدهور شيئًا فشيئًا، ولكننا ظللنا نتطلع للأمل، بعد الجراحة التي أجراها والتي كانت بمثابة بصيص الأمل في قلوبنا، على أمل أن يعود من جديد، لكن المفاجأة كانت مريرة، فقد رحل فجأة وترك فراغًا عميقًا لا يمكن ملؤه. كان “مهاود “، رغم ظروف مرضه، مثالًا للثبات والشجاعة. وكانت الأيام التي مر بها خلال الأشهر الماضية مليئة بالألم والمعاناة، ولكن لم يكن يظهر أي شيء من هذا في تعامله معنا. فقد كان دائمًا يبتسم، رغم كل شيء، ويخفف عنّا بكلماته الطيبة وروحه المعنوية العالية. 
كانت تجمعنا دائماً مائدة الإفطار بالجريدة ، وبعد الإنتهاء من العمل لا نسرع بالذهاب إلى المنزل بل كنا نجلس بصحبة الدكتور وجدى زين الدين رئيس التحرير السابق نتسامر ونتناقش  بالساعات.
وكعادة الشيطان عندما يجد علاقة طيبة بين البشر يتدخل لإفسادها ، وبالفعل تمكن الشيطان من إفساد هذه العلاقة الطيبة ما يقرب من عامين ، وكنت قد قررت عدم التعامل نهائياً مهما حدث ولكن بمجرد أنني علمت أنه مريض نسيت كل شىء حدث وأسرعت بالاتصال به هاتفياً للإطمئنان عليه ، وعندما سمع صوتي تغلبت فرحته علي آلامه وسمعت ضحكته تعالت وشعرت بسعادته التي ملأت أركان منزله . ونسينا سوياً كل الأحداث التي وصلت بنا لهذا الحال وتحدثنا وكأن لم يكن شيئاً حدث دون حتي كلمة عتاب. وأدركنا جميعًا في النهاية أن ما يجمعنا أكبر من أي مشكلة يمكن أن تنشأ.
لقد مرَّ “مهاود” بوقت عصيب خلال الأشهر الماضية، وكان مرضه يأخذ منه الكثير من قوته وصبره، ولكن لم يكن أحد منا يتخيل أن هذا الصراع سينتهي بهذه الطريقة. كانت الجراحة التي أجراها بمثابة فرصة جديدة، وفرحة مرتقبة بأننا سنعود معًا للتواصل واللقاءات، حتى أنه أجرى اتصالا بنا بعد إجراء الجراحة وتواعدنا على لقاء قريب، ولم أكن أعلم أنها كانت مكالمة وداع. إن  الإرادة الإلهية كانت فوق كل شيء، رغم التقدم في الجراحة والتوقعات الإيجابية التي أظهرت نتائجها، فقد كان  القدر  له رأي آخر، فأسرع ليغادرنا في ساعات الفجر الأولى.
إن هذه اللحظات تجعلنا نتوقف ونراجع حياتنا وحساباتنا. عندما نواجه رحيل شخص قريب منا، نتساءل عن معنى الحياة والوجود. ومع أن الحزن يعتصر القلوب، إلا أن الذكريات الجميلة التي تركها وراءه تظل سراجًا ينير الطريق لنا في لحظات الشدة.. في كل لحظة صراع مع المرض، كان يحمل معه الأمل، ويعزز به معنويات كل من حوله.
لقد تعلمنا جميعًا درسًا عظيمًا من صديقي الذي رحل: أن الحياة قصيرة جدًا وأن كل لحظة في هذه الحياة يجب أن نعيشها بحب، وبساطة، وبقدر من الأمل. لم يكن لمرضه أي تأثير على قلبه الكبير وروحه الطيبة، بل كان يواجه الألم بابتسامة وصبر، وهو يعلم أن هذا ليس إلا اختبارًا من الله، وأنه سينتصر عليه في يوم من الأيام.
الرحيل ليس النهاية، بل هو بداية لرحلة جديدة. رحل صديقي ولكن ذكره سيبقى حيًا في قلوبنا، وسنبقى نذكره في كل لحظة، كما أنه سيبقى مصدر إلهام لنا لنكون أكثر صبرًا وأكثر قوة في مواجهة تحديات الحياة. لن ننسى ابتسامته، كلمات التشجيع التي كان يرددها، وكيف كان دائمًا ينبعث منه الأمل والطمأنينة رغم قسوة الظروف.
وفي الختام، نودعك يا صديقي بكل أسى، ولكننا نعلم أن ذكراك ستظل معنا، وأنك تركت في قلوبنا أثراً لن يزول. رحلت جسدًا، ولكن روحك ستظل حية في كل زاوية من مكان العمل، وفي كل لحظة نذكر فيها صبرك وإصرارك على الحياة. اللهم اجعل مثواه الجنة، ونسأل الله أن يلهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.




















نقلاً عن : الوفد